عبدالرحمن سعد العرابي

* الأحداث التي يشهدها العالم العربي منذ بداية العام الميلادي الحالي، سواء في متغيراتها، ونتائجها، وسيرورتها أدهشت ليس العرب أنفسهم، بل العالم بأسره. فإلى زمن قريب جدًّا ظن العرب، أن عالمهم ساكن سكون موت، وأن سيرورة حياتهم جامدة جمود الحجارة، وأن المتغيرات التي تشهدها مناطق عالمية أخرى ليس لها في قاموسهم الحياتي مكان.
* ولكن فجأة، وفي زمن قصير، اتجهت أنظار العالم كله إلى هذه البقعة من العالم، فحوّل العرب سكونهم إلى حركة دائبة، وجمودية حياتهم إلى انتفاضات، من وهجها غطت على أحداث عالمية خطيرة، كما في كارثة زلزال وتسونامي اليابان. حتى أن ما كان يتردد من شعارات في ميادين عربية كميدان التحرير أصبح لازمة تتداولها الألسن في أماكن متفرقة من العالم.
* العرب أنفسهم كفاعلين مؤثرين ومتأثرين بما يجري فوق أرضهم انقسموا في فهم واستيعاب ما يحدث، فالبعض منهم ربط مسببات تلك الأحداث بعوامل خارجية، وأيدٍ أجنبية يهمها فرقة العرب وانشغالهم في فتن ليس لها أول، وليس لها آخر. والغالبية من أبناء العروبة رأوا فيما يحدث انعكاسًا طبيعيًّا لحالات القهر والخضوع التي كانت تعيشها شعوب عربية هنا أو هناك.
* فحرق البوعزيزي رمزية صارخة لامتهان الكرامة الإنسانية التي إن خنع لها الفرد لفترة، فلابد وأن تثور لتدمر كل ما يقف في طريقها، وهو ما حدث بالفعل حين أضرمت نار جسد البوعزيزي ثورة شعبية هادرة في كامل تونس، ثم أشعلت النار في مصر، وتوالت معها التظاهرات والمطالب في اليمن، وليبيا، والجزائر، والعراق، والأردن، وسوريا، وكلها تتشابه في حتمية التغيير.
* التغيير هذه المفردة السحرية لم يكن لها مكان في قاموس كثير من السياسيين العرب، الذين أدمنوا الاستاتيكية لأنظمتهم، إلى حد أنهم أصموا آذانهم، وأعموا أعينهم أمام أية مطالب تحقق لهم ولشعوبهم الاستقرار والرخاء. بل مع الزمن وتقاومه أراد هذا البعض نقل تلك الاستاتيكية إلى جيل آخر، ورسّخ خطابًا سياسيًّا وإعلاميًّا لا يتماشى إطلاقًا مع متغيرات الحياة.
* وعندما خرج الشباب، ومعهم الشعوب إلى الميادين للمطالبة باستعادة كرامتهم، وبلغوا في مطالبهم أقصاها حين جعلوا laquo;رحيل النظامraquo; المرتكز الأساس لتلك المطالب، حينها أحس الحكام بالخطر، فاعترف أولهم بأنه الآن يفهم شعبه، فيما أقر الثاني بتغييرات جوهرية في مشهد بلده السياسي، لم يكن يقبل بها من قبل، حتى أنه أعلن صراحة عدم رغبته في الترشّح لرئاسة قادمة، وأنه لا نية لديه على الإطلاق لتوريث، أو ما يشبهه.
* وكذا الحال في المناطق الأخرى، فالتنازلات أخذت تنهمر انهمار المطر، غير أن ما غاب عن كل أولئك الحكام أن الزمن بقدر قبوله بالجمود إلى وقت، إلاّ أنه يأبى التأخير، وأن لا يكون إلا في كامل تجدده مع مطالب وطنية تفرضها الشعوب، وهو ما حدث مع أولئك الحكام. فالزمن لم يعد يقبل منهم سوى الرحيل، فلا مصداقية لأية تنازلات حتى وإن كانت براقة، كان من الأجدى قبول المطالب الشعبية، وإحداث تغييرات فعلية قبل أن تتحول إلى تنازلات لا تصدقها، أو تقبل بها شعوبهم.