كمال الذيـــب
مشكلة إيران في تعاملها مع عرب الخليج العربي أنها تميل إلى الاستخفاف بهم دولاً وشعوباً، من منطلق التعالي والغرور المشوب بالطمع وأحلام اليقظة، والدليل على ذلك أن إعلامها الرسمي، وتصريحاتها الرسمية، يكرسان ليلاً نهاراً هذا الاستخفاف بل والازدراء المزدوج، ولنكتفِ باستعراض بعض النماذج الدالة على ذلك، والتي حدثت خلال الفترة الماضية: - في العام 2008م صرح أحد المسؤولين الإيرانيين بأنه ''يجب إزالة أنظمة الحكم الخليجية الملكية حتى يعم الاستقرار في المنطقة''. - في العام 2009م أعلن أحد المسؤولين الإيرانيين من الصف الأول عن تبعية البحرين لإيران(هكذا!!). - في نفس السنة ترددت مقالات لكتاب كبار مقربين من المؤسسة الحاكمة في طهران تنادي بتبعية البحرين لإيران. - في العام 2010م ترددت تصريحات laquo;عنتريةraquo; إيرانية حول استمرار احتلال الجزر الإماراتية الثلاث التي ما تزال إيران تحتلها وترفض- من منطلق العنجهية- أي حوار بشأن إعادتها لدولة الإمارات العربية المتحدة. - قبل عدة أشهر تم الاعتداء بالضرب على دبلوماسي كويتي في طهران (هكذا). - قبل أيام قليلة من شهر مارس الماضي تم الاعتداء على البعثة الدبلوماسية السعودية في العاصمة الإيرانية على مرأى من السلطات الإيرانية. - إبان الأزمة التي شهدتها البحرين مؤخراً اتضح، بما لا يدع مجالاً للشك التدخل الإيراني المباشر في الشأن الداخلي البحريني.. - قبل أيام قليلة أصدرت دولة الكويت الشقيقة أحكاماً بالإعدام على شبكة تجسس لصالح إيران!! إن الكتابات والتصريحات الإيرانية المعادية لعرب الخليج قد جاءت بالرغم من حرص المسؤولين الخليجيين على عدم إثارة أو معاداة إيران، والاكتفاء بمناشدات متكررة بالتعاون مع المجتمع الدولي بشأن ملفها النووي، وبحل مسألة الجزر الإماراتية المحتلة سلمياً، وهو اتجاه صبور وعقلاني- لا يجاري الاتجاه الشعبي العام المعادي لإيران وتوجهاتها السياسية والدينية التوسعية والعنصرية- حيث يتعامل مع الصلف الإيراني والعدوانية الإيرانية بتغاضٍ في بعض الأحيان، وبتجاهل وأريحية في أحيان أخرى، ويراهن هذا الموقف على أحد أمرين: إما حدوث تغير داخلي في إيران يعيد إلى دفة الحكم الإصلاحيين الأكثر براغماتية وعقلانية في التعامل مع الإقليم الخليجي ومع العالم في ذات الوقت، وإما أن تكون نهاية النظام في إيران شبيهة بما حدث في العراق. وهذه المفارقة بين الموقف الإيراني والموقف الخليجي تؤكد الفرق بين من يتجنب التدخل ومن يتعمد التدخل، من يتجنب المواجهة وبين من ينشدها صراحة أو عبر وسائط وجواسيس، وبين من يحرص على التعامل الدبلوماسي الأخوي المستند إلى قيم الجوار والأخوة، وبين من يتعامل بعنجهية وعنصرية وتعالٍ وطمع صريح، في إطار الاستصغار للقوة الخليجية. إن الخطوة التصعيدية الأخيرة التي أقدمت عليها إيران بإطلاقها حملة سياسية وإعلامية معادية للبحرين مصحوبة بالتهديد الصريح، إضافةً إلى اكتشاف شبكة تجسس إيرانية في الكويت، أعادت هواجس عرب الخليج القديمة والجديدة من المقاصد الإيرانية التي ارتبطت بتصدير الثورة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: لماذا تتطرف إيران اليوم في مواقفها إلى هذه الدرجة في مواجهة الحقائق الخليجية الداخلية؟ لنفهم ذلك، نستحضر بعض المعلومات المهمة: - الاعتقاد الإيراني أن الولايات المتحدة الأمريكية من الانتهازية بمكان يجعلها تتخلى عن حلفائها بأبخس الأثمان، بل إنها تعلم علم اليقين أن الولايات المتحدة الأمريكية تنسق معها مباشرة في العديد من الملفات المهمة في العراق وأفغانستان وأن افتعال الخلاف على الصعيد الدولي مع إيران هو مجرد مسرحية مفبركة لتحسين شروط توزيع المكاسب والمغانم في المنطقة. - الاعتقاد الجازم أن أمريكا لم تعد قوة قادرة على توجيه ضربة لإيران أو حتى للدفاع عن دول الخليج، خاصة بعد تجربة احتلال العراق، وفي هذا السياق شن المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية أمام مؤتمر ديني، عقد في طهران في أغسطس العام 2007م، هجوماً على الولايات المتحدة الأمريكية، مؤكداً أن واشنطن laquo;عالقة في دوامةraquo;، وستغرق فيها أكثر في المستقبل، وأن laquo;أمريكا اضعف مما كانت عليه قبل 20 عاماً، ولم تعد تمتلك القدرة على توجيه ضربة قاسية إلى النظام الإيراني، خشية تصعيد رد انتقامي في العراق وأفغانستان، فالعراقيون والأمريكان والأفغان يبدون تحت رحمة إيران، القادرة على توجيه الأحزاب والجماعات الحاكمة والمسيطرة في العراق والتأثير على قراراتها وتوجهاتها، وفي الوقت الذي تقرر إيران دفعها إلى مقاومة الولايات المتحدة في العراق فإنها ستضع الولايات المتحدة وقواتها في حالة بالغة الحرج. - استفادت إيران اقتصادياً بسبب ارتفاع أسعار النفط، وأصبحت شريكاً نفطياً عملاقاً في الخليج العربي وفي بحر قزوين الذي يشكل المصدر الرئيس للنفط بعد الخليج العربي، كما أنشأت إيران شراكات استراتيجية واقتصادية هائلة مع روسيا والصين، وأصبحت جزءاً من منظومة تحالف استراتيجي واقتصادي كبير منافس للولايات المتحدة الأمريكية. - عدم قدرة منظومة مجلس التعاون الخليجي على بلورة اتحادها الشامل والكامل والذي يحولها إلى سوق موحدة وإلى قوة عسكرية موحدة، تكون رادعة للطموحات الإيرانية وموازية لها، حيث ما تزال تنظر إيران إلى دول الخليج على أنها مجرد'' ممالك صغيرة'' لا تمتلك من القوة ما يجعلها قادرة على مواجهتها أو تحديها، وهذا ما يفسر جانباً من استخفافها، هذا فضلاً عن أن إيران ما تزال تجد داخل الفضاء الخليجي من يمد يده للتعاون معها للأسف الشديد، منهم من يدعو صراحة إلى تدخل إيران، ومنهم من يتورط في أعمال التجسس.
التعليقات