إياد الدليمي

وأنت تتابع الإعلام السوري في ظل الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط النظام، تستغرب حجم الكذب والافتراء والتزوير وخداع الناس الذي يمارسه هذا الإعلام، ناهيك عن الهجوم الذي لا ينقطع على قناة الجزيرة، وكأنها حزب سياسي معارض للنظام السوري يعمل ليل نهار على تأجيج الاحتجاجات والتظاهرات المطالبة بإسقاط النظام، بالإضافة إلى سوء العبارات التي تصدر من جانب بعض مؤيدي النظام بحق هذه القناة وكل من يعارض نظام البعث.
قبل أيام وفي إحدى هذه القنوات، ظهر أحد رجالات النظام، وصار يتحدث عما أسماه فبركات قناة الجزيرة، وصار يستعرض كل الأفلام التي نقلتها القناة عن مواقع الثورة السورية، ويكذب هذا ويتهم ذاك، ثم يسرد ما جاء في نشرة أخبار الساعة كذا، وينتقل إلى نشرة أخبار الساعة التي بعدها وما بثته تلك القناة، وهنا سأله المقدم: laquo;المشكلة يا سيدي أن الجميع يتهم القناة بفبركة الأخبار والأفلام ولكنهم يرفضون ترك مشاهدتهاraquo;.
ذاك هو واقع الحال الذي تعشيه سوريا اليوم وعاشته من قبل كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، فجميع الأنظمة تتهم الجزيرة وكل رجالات هذه الأنظمة والمطبلين لها لا يتوانون عن الجلوس ساعات أمام القناة لمشاهدة ما يجري فوق أديم أرضهم، لأنهم وببساطة يعلمون أن إعلامهم كاذب.
إن المشكلة ليست في قناة الجزيرة، بل المشكلة دائما في قنوات الإعلام الرسمية أو شبه الرسمية، فهي ومع اندلاع أولى شرارات الثورة تبدأ بمحاولة لتلميع وجه النظام القبيح وتبدأ بسياسة laquo;خير وسيلة للدفاع الهجومraquo;، حيث تنطلق سهامها يمينا وشمالا معتقدة أنها بذلك سوف تقنع مواطنيها بأن ما يجري هو مؤامرة.
لا أعتقد أن هناك مواطنا عربيا واحدا يمكن أن يصدق الإعلام الرسمي في بلاده، فالجميع متفق على أن هذا الإعلام يكذب حتى في النشرة الجوية، وأنه وُجد لا لشيء سوى من أجل الهتاف والتطبيل للقائد الأبدي والزعيم الرمز، حتى يتحول مع انطلاق شرارة الثورة إلى إعلام مسخ، لا همّ له سوى أن يكيل الاتهامات والشتائم لكل من يخالفهم في الرأي.
عندما خرج الآلاف من المصلين من أحد مساجد سوريا عقب صلاة الجمعة الماضية، خرجت إحدى القنوات شبه الرسمية في سوريا، لتقول إن الآلاف من المصلين خرجوا مبتهجين بعد الصلاة بعد هطول الأمطار على البلاد، هل هناك كذبة أبشع من ذلك؟
للأسف بعض وسائل الإعلام الرسمية ما زالت تتعامل مع مواطنيها بعقلية السبعينيات أو الستينيات، قبل أن تفتح ثورة التكنولوجيا سماوات العالم لتحول العالم ليس إلى قرية صغيرة وإنما إلى بيت بعدة غرف، بل إن بعض مقدمي تلك النشرات الإخبارية في القنوات الرسمية العربية، ينتهز فرصة الاستراحة عقب نهاية النشرة من أجل أن يتابع أخبار بلاده على قنوات الجزيرة والعربية والبي.بي.سي، كما حصل في مصر ويحصل الآن في سوريا.
أحد المتصلين بقناة تابعة للنظام السوري، وهو مواطن وليس كما يعتقد البعض أنه محلل سياسي، قال إنه لا يشاهد قناة الجزيرة لأنها قناة فتنة، وإنه يدعو كل السوريين إلى عدم متابعة هذه القناة لأنها جزء من المؤامرة على سوريا، وعندما سأله المذيع عن رأيه بفبركات الأفلام، قال له المتصل إن الفيلم الذي ظهر اليوم على قناة الجزيرة حول دخول قوات سوريا إلى درعا ليس صحيحا وأن هذه الدبابات التي ظهرت بالفيلم هي دبابات الميركافا التي لا يملكها الجيش السوري..
تلك هي الحقيقة التي يرفض أن يصدقها إعلام السلطة، لا أحد يمكن أن يصدق بهم، ولا مكان لهم بين المحطات التي يشاهدها المواطن، وبالتالي فإن معركتهم مع الإعلام الحر المستقل خاسرة ولا عزاء لهم.