يحلو للمراقبين وخبراء الإعلام وأهل المهنة المقارنة بين أهم محطتين عربيتين خلال كل حدث سياسي يضرب المنطقة، مشبهين المنافسة بينهما كمتابعة مباراة مثيرة في الدوري الإسباني، تتلاحق فيها الأهداف، وصيحات الجماهير.


لندن: في حالة محطتي quot;العربيةquot; وquot;الجزيرةquot;، اللتين تحتلان المشهد الإعلامي في الشرق الأوسط، فإن هذه المباراة المثيرة ليست بين فريقين كرويين فحسب، بل بين معسكرين سياسيين وثقافيين، تبرز معالمها في طريقة التغطية للحدث ونوعية الضيوف المشاركين في التعليق عليه.

ومن الصعب التنبؤ فيمعظم الحالات عن الفريق الفائز، إلا أن أحداث مصر والبحرين وليبيا، جعلت quot;العربيةquot; تتقدم على منافستها الشرسة بهدفين مقابل هدف واحد، بعدما استيقظت في مصر، وعوّضت غفوتها في أحداث البحرين، من خلال تغطيتها التظاهرات المثيرة في ليبيا، ولو أنها تعرضت لمطبات هوائية.

ولم يعرف لماذا خففت quot;العربيةquot; وquot;الجزيرةquot; من تغطيتهما اللاهبة احتجاجات البحرين، لكن مقرّبين يقولون إن quot;المحطتين لم تفشلا بل quot;أُستفشلتاquot;، أي طلب منهما الفشل، بسبب أن أي هزّة في المملكة الصغيرة، التي لا تبعد عن السعودية وقطر إلا نصف ساعة، سوف تكون لها عواقب وخيمة على المنطقة كلها.

وفي حال أن quot;الجزيرةquot; سمعت ما قاله مسؤول سعودي رفيع، لنظيره القطري الزائر من أن quot;البحرين خط أحمرquot;، في إشارة إلى أنه من غير المقبول أن تكون تغطيتها تحريضية على غرار ما حدث في مصر، فإن quot;العربيةquot; على العكس من ذلك، quot;تملك خبرة في معرفة لوحات الطرق والإشارات المروريةquot; على حد تعبير مراقبين.

وعلى الرغم من أن quot;العربيةquot; اعتادت على اللحاق بـquot;الجزيرةquot; بشق الأنفس، إلا أن أداءها في مصر أثار الإعجاب، من قبل المصريين أنفسهم حسب استطلاع أميركي.

وأبدت غالبية المصريين، سيما في مدن كالقاهرة و الإسكندرية، انزعاجا من طريقة معالجة الجزيرة لأحداث الثورة في مصر، وفضلوا أثناء الأحداث مشاهدة قنوات تلفزيونية تمدهم بالمعلومات على حساب كثافة عرض الآراء.

ففي استطلاع خاص، حول استخدامات و متابعة وسائل الأعلام أثناء أحداث مصر التي أودت بحكم الرئيس مبارك خلال ثمانية عشر يومًا، تقلّص متابعو الجزيرة إلى ربع المشاهدين (25%)، لمصلحة ثلثي المستطلعين المصريين الذين قالوا إنهم كانوا يعتمدون على قناة العربية (65%) لمتابعة أخبار مصر.

الاستطلاع، الذي حصلت عليه quot;إيلافquot;، أجراه مجلس أمناء البثّ التلفزيوني والإذاعي الأميركي، في وزارة الخارجية الأميركية، و كان يهدف إلى تتبع أثر القنوات التابعة لهذا المجلس ووزنها، على الأحداث في مصر، أي قناة الحرة و راديو سوا.

أجري الاستطلاع هاتفيًا، على عينة عشوائية تركزت في كل من القاهرة والإسكندرية، وذلك في الفترة ما بين الرابع و العاشر من فبراير/شباط الجاري.

ووفق الاستطلاع المذكور، فقد شهدت مصر quot;طغيانًا للتلفزة على باقي وسائل الأعلام، إذ قال 98% من المستطلعين، إنهم اعتمدوا على التلفزيون كمصدر أساس للأخبار، فيما كان ثلث المصريين فقط يتابعون الأخبار عبر الأنترنت، على عكس الانطباع السائد بطغيان الأنترنت.

فسّر خبراء ذلك، بحقيقة أن الغالبية الساحقة تستخدم التلفزة لاستهلاك الأخبار، بينما مستخدمو الانترنت، يعتمدون على الشبكة العنكبوتية لمتابعة الأخبار، وإرسال المعلومات على حد سواء.

انهيار quot;الجزيرةquot; وquot;BBC عربيquot;

وفي الموضوع الرئيس للاستطلاع، فقد لفتت الفروقات في إجابات أسئلة ثلاث، حول المشاهدة التلفزيونية، أتاحت الفرص للمقارنة، بين:

bull; القناة التي يشاهدها المصريون أكثر من غيرها أثناء الأزمة.

bull; مقابل القناة التي يعتمدون عليها عادة.

bull; وربما الأهم، مقارنة ذلك مع القناة التي يعتبرون أخبارها الأكثر موثوقية و صدقية.
ووفق هذه المعايير، فالعربية التي احتلت المرتبة الأولى أثناء الأزمة (65%)، فإن المصريين يشاهدونها في الأوضاع العادية بنسبة 44% وفق المستطلعة آراؤهم، لكن المصريين أيضًا، يعتبرون أخبارها الأكثر صدقية بنسبة 42%. وبهذا اعتبروا العربية القناة صاحبة الأخبار الأكثر موثوقية، يتلوها قناة المصرية بصدقية تحظى برضى نحو ربع المستطلعين، فيما كانت المفاجأة بمقدار صدقية الجزيرة التي كانت في ذيل القائمة.

سرّ خيبة أمل المصريين من quot;الجزيرةquot; لمصلحة quot;العربيةquot;

لطالما انحاز المصريون إلى وسائل إعلامهم الخاصة، وكانوا يتابعون الشأن العربي عمومًا، وقضايا الصراع العربية- الإسرائيلي من خلال قناة الجزيرة القطرية ويعطونها الأولوية.

لكن التحول الذي جرى، نتج وفق الاستطلاع، عن أسلوب عمل الجزيرة في تغطية مصر، الذي لم يراع حساسية المصريين من تلقي دروس في الوطنية من غير المصريين، فضلاً عن ميل الجزيرة إلى استضافة محللين في أوج الأزمة، غالبيتهم من غير المصريين، وكان أبرزهم عزمي بشارة، المستشار في الديوان الأميري في قطر، منذ أن غادر الناصرة في الجليل وترك مقعده في الكنسيت الإسرائيلي قبل عامين.

ويقدر القائمون على الاستطلاع، أن المصريين كانوا تواقين إلى المعلومات، في أجواء التطورات المتسارعة، أكثر منها إلى الآراء، وفي هذا تغلبت العربية في كثافة المعلومات، على الجزيرة التي كانت غزيرة في الآراء.

ويشير الباحثون، إلى أن الجزيرة تم حظر مشاهدتها على قمر النايلسات بدء من 30 يناير ولأسبوع ، فيما استمرت العربية في البثّ هذه الفترة، لكن المستطلعين كانوا في إجاباتهم تحت تأثير التغطية منذ ما قبل حظر بثّ الجزيرة على نايلسات.

وقدر القائمون على الاستطلاع، ان نسبة الخطأ في الاستطلاع، الذي أجري على عينة من خمسمائة مصري في القاهرة والإسكندرية عبر الهاتف، بـ 4.5%.