خيرالله خيرالله
يتصرف مجلس التعاون لدول الخليج العربية استنادا إلى ما تفرضه التحديات الجديدة التي تواجه دوله في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة. يمكن وصف هذه التطورات، التي بدأت بالتغيير الجذري الذي حصل في العراق، بانها تاريخية بكل معنى الكلمة. هناك اعادة رسم لخرائط الدول في المنطقة، بل اعادة تشكيل للمنطقة كلها في ضوء الخلل الكبير الذي اصاب التوازنات الاقليمية ابتداء من العام 2003 تاريخ حصول الزلزال العراقي. وهذا يعني، في طبيعة الحال، ان الزعماء الخليجيين لم يعودوا في وارد التوقف عند الجغرافيا كما كانت عليه الحال في الماضي. من هذا المنطلق، كان طبيعيا ان تاتي الدعوة الموجهة إلى كل من المغرب والاردن من اجل الانضمام إلى المجلس الذي تاسس عام 1981 في ابو ظبي بمبادرة من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، بعد اقل من سنة من اندلاع الحرب العراقية- الايرانية...
كان العراق الذي دخل في حرب مع ايران في اساس قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وجد مجلس التعاون اساسا ليكون مظلة تحمي دوله من خطر توسع الحرب العراقية- الايرانية. ادى المجلس الدور المطلوب طوال الحرب وفي مرحلة ما بعد انتهائها في العام 1988 ثم اقدام صدّام حسين في العام 1990 على مغامرته المجنونة في الكويت.
بعد ثلاثين عاما من تاسيس المجلس ياتي العراق ليفرض البحث في توسيع المجلس بغض النظر عن حدود الدول الاعضاء فيه وطبيعة النظامين في كل من المغرب والاردن. فما لا يمكن تجاهله ان النظام في هذين البلدين ملكي، لكنه يتميز بوجود احزاب عقائدية بعضها يساري وبعضها الآخر يميني وليبيرالي. تضاف إلى ذلك كله حركات اسلامية تنزل إلى الشارع بشكل علني وتطرح مطالب ذات طابع جذري. ادى الزلزال العراقي الذي افتعله الاميركيون إلى تحوّل ايران لاعبا اساسيا، بل اللاعب الاساسي في العراق. لم يعد في الامكان تشكيل حكومة عراقية من دون ضوء اخضر من طهران. اخذ مجلس التعاون علما بذلك. اخذ، خصوصا، علما بانّ الانتصار الايراني في العراق فتح شهية طهران إلى ابعد حدود وجعلها تصدّق انها قوة اقليمية قادرة على التوسع وفرض نفوذها في الاقليم الممتد من المحيط إلى الخليج. من كان لا يزال لديه ادنى شك في ذلك، اضطر إلى مراجعة حساباته بعد احداث البحرين واكتشافه لمدى التورط الايراني فيها...
ولكن لماذا الدعوة موجهة إلى المغرب والاردن بالذات؟ الجواب ان دول مجلس التعاون مضطرة إلى ان تاخذ في الاعتبار ان الامن العربي واحد. فالمملكة الاردنية الهاشمية كانت دائما من دعائم الامن العربي. من يدعم المغرب والاردن انما يدعم الامن العربي في مواجهة الهجمة الشرسة التي يتعرض لها كل ما هو عربي في الشرق الاوسط عن طريق اثارة الغرائز الطائفية والمذهبية التي تصب في نهاية المطاف في خدمة اسرائيل. وفرت المملكة الاردنية الهاشمية دائما كل ما لديها من خبرات في مجال مساعدة الدول العربية في الخليج. لا حاجة إلى تعداد الامثلة على ذلك بدءا بالدور الذي لعبته القوات الاردنية في القضاء على التمرد في ظفار في مطلع السبعينات من القرن الماضي وتحول سلطنة عُمان إلى دولة مستقرة إلى حدّ كبير. ولا داعي خصوصا للاشارة إلى تدخل الاردن إلى جانب اي دولة خليجية تواجه الارهاب والتطرف كما حصل ابان احداث المسجد الحرام في العام 1979. ولا داعي اخيرا إلى اعادة تاكيد ان الملك عبدالله الثاني كان اوّل من تجرّأ على التحذير من الخطر الايراني ومن استخدام طهران السلاح المذهبي لاختراق الامن العربي. كان ذلك في العام 2004 عندما لم يكن هناك بين العرب من يسمّي الاشياء باسمائها ويتحدث بالفم الملآن عن الاختراق الايراني للعراق وسوريا وصولا إلى لبنان وفلسطين...
في الوقت الراهن، تمر الاردن في مرحلة دقيقة عائدة اساسا إلى الزيادة الكبيرة في اسعار النفط. هناك وعي اردني لخطورة الازمة الاقتصادية وإلى مدى استعداد اطراف خارجية لاستغلالها بغية ضرب الاستقرار في المملكة التي هي جزء من الاستقرار الخليجي لا اكثر ولا اقلّ.
ما ينطبق على الاردن، ينطبق إلى حد كبير على المغرب على الرغم من انه من ابعد الدول العربية عن الخليج. لعب المغرب تاريخيا دورا فعالا في مجال حماية الامن الخليجي. في هذه الايام التي يفتقد فيها العالم العربي عموما، والخليج خصوصا الثقل المصري ليس غريبا ان تتعمّق اكثر العلاقة بين المغرب ودول مجلس التعاون، وهي علاقة عميقة اصلا. من يتذكّر ان الرباط بادرت إلى قطع العلاقات الديبلوماسية مع طهران بعدما ادركت باكرا ان كلّ همها تحويل البحرين إلى quot;محافظةquot; ايرانية؟
اخذ مجلس التعاون علما بان العالم العربي يتغيّر بسرعة كبيرة وان عليه مواكبة التغيّرات. مصر تغيّرت. تونس دخلت مرحلة المجهول. ليس معروفا كيف ستنتهي ليبيا. هل تبقى بلدا موحدا ام بلدين. اما سوريا، فانها في قلب العاصفة.
الاهمّ من ذلك كله، ان النفوذ الايراني في العراق يزداد يوما بعد يوم. يحصل ذلك في وقت لا وجود لسياسة اميركية تعي ابعاد التغلغل الايراني في هذا البلد، العربي إلى ما قبل فترة قصيرة، والذي كان احد اعمدة النظام الاقليمي.
في ضوء هذه المعطيات هل من المستغرب اقدام مجلس التعاون على ما اقدم عليه في وقت يتوجب عليه ابقاء اليمن تحت المراقبة الدقيقة؟
التعليقات