نديم قطيش
لعل من مفارقات سوريا اللافتة اليوم أن تخرج العبارة الأكثر صدقا عن لسان الشخص الأقرب إلى نظام الرئيس بشار الأسد. فالسيد رامي مخلوف، ابن خالة وريث حافظ الأسد، ليس أقل من المعادل البشري لاقتصاد سوريا في العقد الأخير. وعليه، فإن ما ينطق به مخلوف يكتسب مصداقيته من هذا الموقع تحديدا.
شخص مثله لا تسمح له، في اللحظات الحاسمة، ضخامة المصالح التجارية والمالية التي يعبر عنها ويمثلها بمراوغات لفظية وخطابية، على جري عادة الرطانة البعثية الغابرة. وهو حين يقول، في مقابلة مطولة مع صحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo;، إن laquo;استقرار إسرائيل من استقرار سورياraquo; فإنه يخرج إلى السطح واحدا من أعمق وأخطر التوصيفات للعلاقة السورية الإسرائيلية. بل ويهدم مخلوف بعبارته - من حيث لا يريد - بنيان خطاب الممانعة الذي تقوم عليه هيبة الحكم الاستئثاري في هذا البلد.
بطبيعة الحال لا يقصد مخلوف أن التعرض لسوريا، من خلال المضي قدما في التآمر مع شعبها ضد النظام، يعني أن سوريا سترد وستزعج المتآمرين المفترضين عليها بقدر انزعاجها منهم. هذا تفسير لعبارة مخلوف ينبغي، احتراما للعقل قبل أي شيء، أن يبقى خارج النقاش. فتاريخ عدم رد النظام على الاعتداءات الموصوفة ضده يقول إنه لن يرد على اعتداءات افتراضية راهنة عليه، لم ينجح في تقديم حجة واحدة مقنعة لإثباتها.
لم يرد النظام حين حلقت laquo;طائرات العدو الغاشمraquo; فوق القصر الرئاسي السوري. ولم يرد حين قصفت الطائرات نفسها موقع عين الصاحب قرب دمشق عام 2003. ولا ردت سوريا حين دمر الطيران الإسرائيلي ما تقول تل أبيب إنه كان منشأة نووية في دير الزور عام 2007. ولا هي تدخلت دفاعا عن لبنان عام 1982 إلا حين خرقت إسرائيل قواعد الاجتياح المتفاهم عليه بين تل أبيب ودمشق، منتهية إلى شر هزيمة. ولا هي تدخلت، أيضا وأيضا، بموجب مندرجات معاهدة الدفاع المشترك بين لبنان وسوريا، في التصدي لعدوان تموز 2006 الذي هجّر مليونا ونيفا من أبناء جمهور الممانعة والصمود والتصدي.
لندع إذن هذا التفسير جانبا. ما يقصده مخلوف هو تماما ما عبر عنه بلغة بسيطة مباشرة لا تحتمل تذاكيا أو تحذلقا. هو ابن هذه المعادلة. ازدهاره الشخصي هو النتيجة المباشرة لها. فسوريا ليست في الواقع دولة ممانعة بقدر كونها دولة laquo;خدمات ممانعةraquo; محسوبة ومدروسة، والأهم غير مكلفة، أو هي كانت كذلك إلى حين اندلاع الانتفاضة الشعبية وافتضاح أمر هذه الممانعة المزعومة.
سوريا دولة عاشت وتعيش على قاعدة إدامة أطول صراع لفظي مع إسرائيل، من دون أن تكون قادرة على حرب أو راغبة في سلام.
رامي مخلوف يكشف تماهيه، وتماهي النظام تاليا، مع موقف إسرائيلي لطالما عبر عن ارتياحه لنظام الأسد الذي أمن لإسرائيل أهدأ جبهاتها مع دول الطوق. ويعطي، بعبارته، تفسيرا سوريا لماذا كانت إسرائيل، ولا تزال، بين الدول الأكثر قلقا حيال مصير انتفاضة الحرية والكرامة في سوريا ومستقبل النظام. صحافتها ومسؤولوها لا يخفون هذا القلق، وها هم أبناء النظام في دمشق لا يخفونه أيضا.
معادلة رامي مخلوف، الصحيحة، تطرح على قوى المقاومة المعادلة الأصعب. فإذا كان استقرار إسرائيل من استقرار سوريا كما قال الرجل، صادقا، فينبغي، إذن، أن يكون مشروع المقاومة متمحورا حول هز استقرار سوريا، قدر الإمكان، في سبيل هز استقرار إسرائيل.
البساطة في التعبير عن الأمور الخطيرة ليست، في نهاية الأمر، مسألة بسيطة.
التعليقات