علي حماده

لا يحتاج المراقب الى عناء كبير ليدرك ان ما حصل قبل يومين في ذكرى النكبة الثالثة والستين عند الحدود اللبنانية وفي الجولان جاء بتدبير محكم يهدف الى حرف الانظار عن الوضع الداخلي في سوريا، ويمثل دفعة على الحساب مما صرح به ابن خال الرئيس بشار الاسد رامي مخلوف الذي يمثل خزنة العائلة والحلقة الضيقة. فقول رامي مخلوف لصحيفة quot;نيويورك تايمسquot; انه لن يكون هناك استقرار في اسرائيل اذا لم يكن هناك استقرار في سوريا (الممانعة) يصور بأمانة كبيرة ودقيقة حقيقة المعادلة القائمة بين النظام السوري واسرائيل منذ اربعة عقود، وأتى مخلوف بكلامه ليتجاوز كل الخطاب الرسمي التافه والشعارات الاكثر تفاهة التي اشبعت بها المنطقة على مدى عقود من الزمن، فكان للكلام الواقعي لرجل اعمال شاب متهور بعض الشيء، الكثير من الصدقية في ضوء مسار النظام ايام الرئيس الراحل حافظ الاسد، ثم في حقبة ابنه في الرئاسة. فلو كانت لمخلوف فضيلة واحدة في هذه الدنيا فكانت لتكون تصريحه المشار اليه.
يحصل هذا وآلة القتل لا تتوقف عن الدوران في سوريا. فالنظام المنتهج مسارا امنيا دمويا يعمل بطاقة قصوى لكسر شوكة المحتجين في انحاء البلاد. ومع ارتفاع اعداد القتلى والجرحى، والآن عدد المهجرين ( تلكلخ) لا بد من طرح سؤال بسيط: الى اين يسير هذا النظام؟ فالقتل لا يحل الازمة التاريخية العميقة التي تفجرت في بلاد حكمت لعقود طويلة بأسلوب ستاليني كان يفترض ان يتغير منذ امد بعيد. فالرئيس بشار الاسد الذي جرى توريثه عام 2000 ابقى البلاد اسيرة المعادلة التي كانت قائمة ايام والده، ولم تتغير سوى الاسماء، بل ان طبقة حيتان المال امثال رامي مخلوف انتفخت في عهده، حتى صار الحديث عن فساد بارقام فلكية لم تعهدها سوريا حتى في احلك ايام حافظ الاسد وطبقة كبار الضباط الفاسدين.
في مطلق الاحوال، ما يواجهه الرئيس بشار الاسد يتجاوز موضوع الفساد، ويتعلق بطبيعة النظام نفسه. لقد انتهى النظام بمعنى انه ولو بقي رموزه في السلطة لزمن معين، فإن سوريا لن تحكم بعد اليوم بالاسلوب الذي حكمت فيه حتى الخامس عشر من آذار 2011. فمئات القتلى في ساحات الحرية صنعوا التغيير بقوة دمائهم التي رووا بها ارض بلادهم. والاسد الابن مدعو الى ادراك معنى ان ترتفع فاتورة الدم المسفوك باسم الدفاع عن النظام. وهو مدعو الى ان يتمعن في الخيارات المتاحة، وخيار الدم الذي اختاره ان لم يتوقف سوف يسرع في سقوط النظام ورحيله. ومهما فعل فإن دينامية المجتمع السوري في اتجاه الحرية ما عاد ممكنا تعطيلها بالقوة مهما بلغت.
ان تغيير طبيعة النظام لتصير سوريا ديموقراطية حديثة هو المستقبل. فهل يريد الرئيس بشار الاسد ان يكون جزءا من المستقبل بعدما اغرق ماضيه في بحر من دماء الاحرار؟