ماجد الشيخ

في أجواء الثورات الشعبية العربية وارتداداتها، التي جعلت إسرائيل تتقلب على جمر تحولاتها، ولكن في اتجاهات تضمن استيعابها والتأقلم معها، وفي أعقاب المصالحة الفلسطينية والامتعاض الإسرائيلي منها، يقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو على الحافة، معلناً أنه في صدد التراجع عن الإعلان عن خطة سياسية موعودة، وذلك كردِّ فعل أحادي كذلك، يهدف إلى النيل من الخطوات الفلسطينية المقبلة.

في هذه الأجواء الملبّدة، يجري الحديث عن سلسلة خطوات مشتركة أميركية ndash; أوروبية ndash; إسرائيلية، هدفها محاولة إفراغ الجهد الفلسطيني من مضامينه الكفاحية. وقد أكدت تقارير أميركية، أن هناك اتصالات ولقاءات مكثفة بين الجانبين الإسرائيلي والأميركي، لوضع laquo;إستراتيجية عمل مشتركة في المرحلة المقبلةraquo;، وذلك في مواجهة النتائج المترتبة على ذهاب الجانب الفلسطيني إلى الهيئة الدولية لانتزاع قرار بإعلان الدولة في حدود العام 1967. ونقل عن مصادر في واشنطن، أن إدارة أوباما وحكومة نتانياهو، وبتنسيق مع عدد من الدول الأوروبية، تدرسان الاتفاق على صيغة laquo;مشروع قرارraquo; تقدمه واشنطن ودول أوروبية إلى مجلس الأمن حول قرار إعلان الدولة الفلسطينية، في محاولة لمنع انهيار العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبما يعطي إنجازاً لمعسكر التسوية في الجانب الفلسطيني، عبر منحه ورقة رابحة للذهاب إلى معركة الانتحابات المقبلة بموجب laquo;اتفاق المصالحةraquo;، وبما يضمن لإسرائيل تأمين مظلة من محاولات التشكيك في شرعيتها، ويحفظ لنتانياهو استقرار ائتلافه الحكومي، ويُخرج عملية التسوية من حالة الجمود التي تعيشها.

وإذ يعوّل نتانياهو على زيارته المرتقبة لواشنطن، في أعقاب فشل جولته الأوروبية في تحقيق النجاح المطلوب، فقد استنتج أن الأوروبيين لا يشاركونه الرؤية إلى المصالحة الفلسطينية كـ laquo;تجاوزraquo; - كما سمّاها - laquo;للخطوط الحمراءraquo;. وكما ذكر هو، كان لزيارته هدفان، سعى من خلال أحدهما إلى إقناع الأوروبيين بإلزام حركة laquo;حماسraquo; بشروط الرباعية وعدم التفاوض معها، إضافة إلى عدم تقديم المساعدة المالية للسلطة الفلسطينية في ظل التشكيلة الجديدة للحكومة الفلسطينية المقبلة. أما الهدف الثاني، فهو إيصال رسالة إلى الأوروبيين، تفيد بأن سيطرة حركة laquo;حماسraquo; على قطاع غزة دليل على أنه لا يجب دعم إعلان دولة فلسطينية يجري الإعلان عنها من جانب واحد، زاعماً أن الدولة الفلسطينية ستتحول إلى laquo;دولة حماسraquo; بالقرب من مدينتي بيتح تكفا وكفار سابا، وليس بعيداً من تل أبيب.

وانســجاماً مع رؤية نتانياهو تلك، نقلت صحيفة معاريف (8 أيــار/مايو) أنه سيعلن خلال خطابه المتوقَّع أمام الكــونغرس، أنه لا توجد إمكانية للتوصل إلى اتفاق تسوية بـــين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وذلك بذريعة laquo;اتفـــاق المصالحةraquo;، ولأن laquo;حماسraquo; لم تعترف بشروط الرباعية الــدولية، التي تتـضمن الاعــتراف بإســرائيل ونـبذ العــمل المـسلح.

على هذه الخلفية تشير تقويمات الخارجية الإسرائيلية، إلى أن نتانياهو غيّر من مضامين خطابه المرتقب، بحيث إنه لم يعد يتضمن مساراً سياسياً جديداً، بادعاء أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أدار ظهره لعملية التسوية السياسية، عندما وقَّع laquo;اتفاق المصالحةraquo;. فهل ينقذ مشروع القرار الأميركي ndash; الأوروبي نتانياهو وحكومتَه من إحراج قَبول دول العالم بدولة فلسطينية يجري الاعتراف بها عبر المؤسسات الدولية، من الجمعية العامة وقراراتها غير الملزمة، وصولاً إلى مجلس الأمن، الذي تُعتبَر قراراتُه ملزمةً، لكن من دون القدرة والاستطاعة على تطبيقها.

بين الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود العام 1967، كهدف فلسطيني مُعلن، والدولة ذات الحدود الموقتة، كمسعى أميركي ndash; أوروبي، يحاول إمساك العصا من الوسط، وتقف حكومة نتانياهو على خط التصلب، لرفض إمكانية قيام دولة فلسطينية، موقتة أو غير موقتة، إذ - وفق نتانياهو - لا يجب دعم قيام دولة فلسطينية من جانب الأوروبيين أو الأميركيين، وذلك استجابةً لهدف إسرائيلي دائم، يحاول نفي أحقية الفلسطينيين كشعب، وحرمانه من إقامة دولة له ولو على جزء من ترابه الوطني، كما وانسياقاً وانسجاماً مع هدف إسرائيلي دائم آخر، هو أن إعلان دولة فلسطينية من جانب واحد وحصولها على اعتراف الأمم المتحدة ومجلس الأمن، سيؤديان الى نشوب أزمات قانونية أمام إسرائيل، إلى جانب صعوبات على المستوى الأمني والمدني والديبلوماسي.

ونقلت صحيفة laquo;يديعوت أحرونوتraquo; (8 أيار/ مايو) عن الخبير في القانون الدولي لحقوق الإنسان ميخال سفراد أن إسرائيل ستواجه أزمات مختلفة على مدار الساعة، وإذا تم الاعتراف بدولة فلسطينية وتحولت إلى عضو في الأمم المتحدة، فإن إسرائيل ستواجه مأزقاً وتعقيدات قانونية حيال الأسرة الدولية، وعندها ستغوص في وحل عميق. وكمثال على هذا المأزق القانوني، يشير سفراد إلى أنه في حال قرر أحد الوزراء الأوروبيين زيارة رام الله حالياً، فإن هذه الزيارة يتم تنسيقها مع إسرائيل ويتم دخوله عبر أحد المعابر الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، أما في المستقبل، فإن هذا الأمر سيكون مختلفاً تماماً. ولم ينس الخبير القانوني الإسرائيلي الإشارة إلى أن تواجُد الإسرائيليين كمحتلين سيبقى كذلك، لجهة السيطرة على دولة ذات سيادة هي عضو في الأمم المتحدة.

لهذا، وتجاوزاً لهذه التعقيدات الشاملة، يقترح وزير المواصلات الإسرائيلي إسرائيل كاتس، المقرب من نتانياهو، احتلال كامل الضفة الغربية، في حال أعلنت السلطة الفلسطينية الدولة المستقلة في خطوة أحادية الجانب. ويدّعي كاتس أن إسرائيل احترمت اتفاق أوسلو، ولكن إذا قام الفلسطينيون باتخاذ خطوتهم المقبلة في أيلول/ سبتمبر المقبل، فيجب على إسرائيل ضم جميع المستوطنات في الضفة الغربية إلى إسرائيل.

على رغم ذلك كله، لا يبدو أن هناك أيَّ توافق محتمل على القبول أو الموافقة على الاعتراف بدولة الرابع من حزيران/ يونيو عبر المؤسسات الدولية، وإلاّ لماذا السعي الأميركي ndash; الأوروبي إلى إعداد مشروع قرار يتعلق بدولة ذات حدود موقتة، فهذا يعني تحديداً إجهاض حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، في الوقت الذي مازال نتانياهو يعلن نيات حكومته الاحتفاظ بمنطقة الأغوار، ما ينسف عــملياً إمكان قيام دولتين، لا سيما حين يجري التشبث بحدود دولة واحدة (إسرائيل) ثنائية القومية، في وقت يُفرض على الفلسطينيين في ظلها التمتع فقط بمجرد laquo;حقوق بلديةraquo;، في إطار نوع من حكم ذاتي، وتسوية هي أقرب إلى نوع من laquo;سلام اقتصاديraquo; لا تتخلى إسرائيل بموجبه عن أي أراض محتلة، وذلك انسجاماً مع الرؤيــة التــوراتية التي يؤمن بها اليمين الديني والقومي المتطرف في إسرائيل.