محمد كريشان

ربما لم يلخص أحد المعضلة الحالية لعملية التسوية في الشرق الأوسط كما لخصتها صحيفة 'لوموند' الفرنسية وذلك حين كتبت إن الوضع في المنطقة أصبح خطيرا لدرجة لم تحدث من قبل وأن ما يدعو للقلق أكثر هو تراجع قدرة الولايات المتحدة على التأثير على سير الأمور في هذه المنطقة، مقارنة بما كان عليه الحال في الماضي. والأسوأ أن لا أحد يمكن له أن يعوض حاليا هذا الدور الأمريكي حتى وهو يفقد تأثيره تدريجيا.
هذا التراجع المستمر لمواقف الإدارة الأمريكية وصل حد التماهي الكامل تقريبا مع موقف اليمين الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو تحديدا. من التخلي عن مطلب أوباما بتجميد الاستيطان إلى الشروع في التلاعب بحدود عام 1967 لا أحد يدري أين يمكن أن يقف هذا التراجع. وكما قال جورج ميتشل المبعوث الأمريكي المستقيل للشرق الأوسط فان الرئيس الامريكي لم يقل إنه يجب العودة إلى حدود 1967 بل قال مع تبادل للأراضي بالتوافق بين الطرفين ولن تكون هناك حدود إلا إذا وافقت إسرائيل عليها، معتبرا أن طرح أوباما متطابق مع اقتراح نتنياهو. ويزيد ميتشل فيرى أن طرح أوباما يحمي إسرائيل من كارثة قد تتعرض لها في شهر ايلول/سبتمبر المقبل هي إعلان الدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكما يقول المثل الشعبي 'رضينا بالهم والهم مش راضي بنا'، فقد توالت تصريحات إسرائيلية تريد أن توحي بأن ما أعلنه أوباما في كلمتيه الأخيرتين في وزارة الخارجية ومؤتمر الآيباك ليس وديا تجاه إسرائيل. لم يكتف نتنياهو برفض العودة إلى حدود عام 1967 مع إلحاح على ضرورة اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية بل تداعى آخرون لقول ما قد لا يستطيع هو قوله.
السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة دان غيلرمان مثلا لم يتحرج من القول إنه شخصيا يشعر بأن ما فعله الرئيس أوباما من خلال تصريحاته بشأن حدود عام 1967 في اليوم الذي سبق زيارة نتنياهو للبيت الأبيض شيء لا يفعله الأصدقاء، وهو في هذا كمن دعا شخصا إلى وليمة ليخبره قبل وقت قصير أن كبير الطباخين أعد الأطباق التي يكرهها أو الأطباق التي يتحسس منها. ويضيف أنه يعتقد أن الرئيس الأمريكي وقع في الخطأ نفسه الذي وقع فيه خلال الأشهر الأولى من ولايته الرئاسية عندما جعل من المستوطنات قضية رئيسية ومنع المحادثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين من التواصل مدة عامين كاملين.
لا يبدو الآن أن أمام الفلسطينيين سوى التهيؤ للفشل الكامل والواضح لأي رهان على أوباما في أن يكون أداؤه مختلفا عن سابقيه في البيت الأبيض.
وربما آن الأوان أن يستخلص الفلسطينيون والعرب عموما ما يجب عليهم استخلاصه دون أن يعني ذلك بالضرورة استعداء الإدارة الأمريكية أو الدخول معها في مواجهة. ومن هنا تبدو المصالحة التاريخية بين 'فتح' و'حماس' المكسب الكبير الذي على الجميع التمسك به وحماية مختلف مراحل ترجمته سياسيا وميدانيا لأن لا شيء على الإطلاق يستحق أن يختلف عليه الفلسطينيون في هذه المرحلة. وقد كانت صورة الوفد الفلسطيني في موسكو في محادثات مع الرئيس الروسي وهي تضم ممثلي فصائل مختلفة أفضل رد على دعوات التشكيك والطعن الأمريكية والإسرائيلية في قيمة المصالحة وجدواها.
المسألة الأخرى الهامة هي عدم التنازل عن لجوء الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل لإعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية لأنه لم يعد مقبولا بالمرة لدى العالم أجمع أن واشنطن وهي تقف عاجزة تماما عن تحقيق أي اختراق تمنع في نفس الوقت الآخرين من التحرك. إنها في هذه الحالة 'لا ترحم ولا تترك رحمة ربنا تنزل' كما يقول المثل المعروف.