رضوان السيد

منذ سنوات تدور إشاعاتٌ عن وساطاتٍ يقوم بها الأتراك بين بشار الأسد وquot;الإخوان المسلمونquot; السوريين. وحتى عام 2010 ما استطاع أردوجان إقناع الأسد برفْع الحظْر عن quot;الإخوانquot;، وإنْ دخل أفرادٌ منهم إلى سوريا دونما ملاحقات. وعندما بدأت الثورة في سوريا، تردد إزاءها quot;الإخوانquot;، وإن كانوا يُشيعون اليومَ أنهم شاركوا بقوةٍ في حماة وغيرها دونما إعلان. وقد قالوا يومَها إنهم لا يملكون تنظيماً بالداخل، وهم جزءٌ من الشعب السوري. ويرجع هذا التردد في الواقع إلى موقف الأتراك الذين ظلوا على مدى الأشهر الأربعة الأولى من الثورة السورية على علاقة بالنظام، ومفاوضاتٍ معه بشأن الإصلاح. وقد وعدهم بشار في الجلسة الشهيرة لمدة سبع ساعات في يونيو مع أوجلو ببرنامج زمني للإصلاح لا يستثني quot;الإخوانquot; السوريين، لكنه لم ينفذ شيئاً مما وعد به، فأمر أردوجان بقطع العلاقة مع الأسد، وتوقفت سائر الاتفاقات، وظهرت العقبات على الحدود من الطرفين. إنما منذ الشهر الثالث للانتفاضة، سمح الأتراك للمعارضة بالالتقاء في أنطاليا ثم في اسطنبول، وكان ضمنهم بالطبع quot;الإخوانquot; الذين كانوا قد أقاموا علاقات بالإسلاميين الأتراك منذ أيام أربكان. وفي الوقت نفسه، وربما بطلب من الأميركيين، أقام الأتراك المخيمات للاجئين على الحدود مع سوريا على طريقة مسمار جحا، واللاجئون السوريون هناك اليوم يتجاوز عددهم العشرة الآلاف.

إن مناسبة الحديث عن quot;الإخوانquot; وإيران اليوم، أنه للمرة الأولى؛ فإن الأسد هاجمهم في خطابه الأخير وسماهم quot;إخوان الشياطينquot;، وتبنّى وأثنى على المذابـح التي جـرت في حماة في عهد والده عام 1982. والواقع أنّ quot;إخوانquot; سوريا -ومنذ عام 1982- انعدم نشاطهم بالداخل، وظل ضئيلاً بالخارج، بحيث اقتصر على بيانات متباعدة تصدر عن قيادتهم بلندن. والمعروف أنهم ومنذ التمرد بسوريا (1978-1982) انقسموا إلى ثلاثة أقسام: القسم المقاتل الذي قاد التمرد، والقسم التاريخي الذي غادرتْه العناصر الحركية الشابة، والقسم الوسطي الذي تمايز عن الطرفين السابقَين، والذي استعاد حياته وحركته في السنوات العشر الأخيرة، وكان يتحرك منذ بداية الثورة السورية من داخل quot;المجلس الوطني السوريquot;، ومن خارجه، معتصماً بالسقف التركي.

إنما وضْعُ quot;الإخوان السوريونquot; -وإن انتموا لـquot;التنظيم الدولي للإخوان المسلمينquot;- مختلفٌ عن وضع التنظيمات الإخوانية الأُخرى تُجاه إيران (وحزب الله)، واستطراداً تُجاه النظام السوري. فالتنظيمات الإسلامية المعارضة مسلَّحةً (مثل quot;حماسquot; وquot;الجهادquot;) أو غير مسلَّحة (مثل quot;الإخوانquot; المصريين) كانت على علاقةٍ شديدة الود مع إيران وquot;حزب اللهquot; والنظام السوري، بحجة أن هذه الجهات جميعاً معادية للكيان الصهيوني، ومقاتلة له، كما أنها في مواجهةٍ مع الأنظمة العربية القائمة، واستطراداً مع الولايات المتحدة وإسرائيل. وأذكر أنه عندما احتل quot;حزب اللهquot; بيروت عام 2008؛ فإن قناة quot;المنارquot;، استطاعت استصدار بيانات من عدة تنظيماتٍ وشخصياتٍ إخوانية في عدة بلدانٍ عربية، تدعم ذاك الاحتلال، تارةً بحجة أنّ quot;اتصالاتquot; الحزب التي أرادت الحكومةُ اللبنانية التعرض لها، تبرر هذا الاحتلال من أجل حماية خطوط المقاومة، وتارةً أُخرى بحجة أنّ الحزب قاتل إسرائيل وهزمها عام 2006. وهذه التنظيمات نفسها في مشرق العالم العربي ومغربه كانت قد دعمت انفصالَ quot;حماسquot; بغزة، وتحوُّلها بذلك إلى شوكة بخاصرة مصر، وليس إلى حركة مقاومةٍ ضد إسرائيل.

وعندما انطلقت الثورات العربية، وانضمّ إليها الإسلاميون المعارضون فيما بعد، صاروا يُصدرون بياناتٍ في دعم حركات التغيير، لكنهم توقفوا عن إصدار أي شيء ضد نظام الأسد. بل إن بعضَ الإسلاميين بمصر والأردن شككوا في التمرد بسوريا، وقالوا إن النظام نظام مُقاومةٍ ومُمانعةٍ، وهو يحتاج إلى إصلاح لكن بالحوار، وفي معزلٍ عن تدخلات الخارج الذي خَرَّبَ العراقَ وليبيا! وما تغيرت مواقفُ quot;الإخوانquot; من النظام السوري إلاّ ببطءٍ شديدٍ وتحفظاتٍ كثيرة. وقد سبقهم إلى ذلك القرضاوي من قطر، وشيخ الأزهر من مصر. وخلال الرُبع الأخير من عام 2011 صدرت بياناتٌ وتصريحاتٌ إخوانيةٌ ضد العنف الذي يمارسه النظام السوري على شعبه، لكنّ أحداً منهم ما قال شيئاً حتى اليوم ضد السياسات الإيرانية الداعمة للنظام وعنفه. وقد قال بعض القياديين الإخوانيين هنا وهناك إنّ الجميل ينبغي أن يُحفظ لإيران لأنها دعمت حركات المقاومة، ثم لأن إيران تنفرد اليوم بمواجهة الإمبريالية الأميركية بالمنطقة. وعندما صرح خامنئي بأن الثورات في تونس ومصر واليمن، سائرة نحو إقامة نظام حكم إسلامي، ردَّ quot;الإخوانquot; المصريون بأنّ الثورة بمصر ليست ثورتهم، بل ثورةُ الشعب المصري كله. لكنْ في الوقت نفسِه؛ فإن quot;الإخوانquot; يريدون أفضل العلاقات بين الشعبين المسلمَين في مصر وإيران.

وبالطبع؛ فإن موقف quot;الإخوانquot; السوريين كان مختلفاً منذ البداية عن مواقف إسلاميي مصر والأردنّ وتونس. صحيح أنهم ما أصدروا بياناتٍ منفصلة عن إيران وعلائقها بالنظام السوري، لكنهم عبّروا عن مرارةٍ شديدةٍ من موقف quot;حزب اللهquot; من ثورة الشعب السوري. إنما لا يبدو حتى الآن أنهم استطاعوا التأثير على الموقف العامّ لـquot;الإخوانquot; الذين ما اعتبروا تغيير النظام في سوريا بين أُولوياتهم. على أنّ ذلك كلَّه تعرض ويتعرض للتغيير بعد الانتخابات في تونس والمغرب ومصر، والتي جاءت بأكثرياتٍ quot;إخوانيةٍquot; إلى برلمانات ما بعد الثورة. فقد بدأ هؤلاء يحسبون حساباً للأجواء الدولية، والصراع الجاري بالمنطقة بين الأميركيين والأوروبيين والخليجيين من جهة، وإيران وتحالفاتها (بالعراق وسوريا ولبنان) من جهةٍ أُخرى. ذلك أنّ الإسلاميين بالعراق ولبنان واليمن، يتعرضون لضغوطٍ شديدةٍ من جانب حلفاء إيران. كما أنّ الإيرانيين وquot;حزب اللهquot; بدؤوا ينتقدون عليهم أحاديثهم مع الأميركيين، ويصرحون بأن الثورات التي برز من خلالها quot;الإخوانquot; هي من صناعةٍ أميركية. وهكذا فقد ظهر بينهم مَنْ قال إنّ للمعارضة ضروراتها، وللمشاركة في السلطة احتياجاتها، وما عادت هناك حاجةٌ للتبعية لإيران أو غيرها إذا كان المطلوب صَون المصالح الوطنية في الزمن الجديد.

ويشير بعض المراقبين إلى عاملين يمكن أن يؤثّرا في مواقف quot;الإخوانquot; من إيران، إضافةً إلى الثورة السورية؛ وهما: العنصر السلفي بداخل quot;الإخوانquot; وفي مواجهتهم، وطبيعة المشروع الإسلامي الذي يحمله quot;الإخوانquot; والذي يختلف عن نظام ولاية الفقيه بإيران. في المسألة الأُولى هناك التوتُّر المذهبي والطائفي الذي نشرته التحركات الإيرانية في بلاد الشام والعراق والخليج، والذي لا ينظر إليه السلفيون بعين الرضا. وفي المسألة الثانية؛ فإن الإسلام السياسي عامٍة يريد إقامة الدولة الإسلامية التي تُطبِّقُ الشريعة، بينما اختار الإيرانيون الثوريون صيغة ولاية الفقيه التي تقيم نظاماً إمامياً يختلف اختلافاً كبيراً عن اجتهادات المسيَّسين والحزبيين السُنّة.

ولا شكَّ أنّ المسألة الفلسطينية لعبت وتلعب دوراً بارزاً في دعاية الإسلاميين ودعوتهم. ويتجه الإسلاميون الفلسطينيون إلى الإفادة من الأجواء والبيئات التي صنعتْها الثورات، لذلك يكون عليهم أن يبتعدوا عن quot;حزب اللهquot; وإيران قدْر الإمكان لإيجاد مكانٍ معتبرٍ لهم في الزمن العربي الجديد. إنها أجواء جديدةٌ بالفعل، وإن لم يكن الإخوانيون هم من أطلقها؛ فعليهم أن يتلاءموا معها، وليس مع الصراع أو التنافُس بين الأميركيين وإيران!