عريب الرنتاوي
هو مشهد ldquo;عراقيrdquo; بامتياز، ذلك الذي تابعنا فصوله المأساوية الدامية على شاشات التلفزة وصفحات الإنترنت...الإرهاب الأسود يضرب قلب دمشق، ويوقع المئات بين قتيل وجريح، جميعهم، من مدنيين وعسكريين، أبرياء، نقولها من دون تحفظ...فالجندي المار في الطريق، أو الملتحق بوحدته العسكرية، أو المُتسمّر داخلrdquo; ldquo;كولبةrdquo; الحراسة في الشام، بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وهو قطعاً ليس مسؤولاً عن سياسات النظام وممارساته.
هو الإرهاب الأسود، الذي مزّق العراق شيعاً وقبائل ومذاهب...وحصد حيوات عشرات الألوف من العراقيين، وخلّف وراءه فتنة لم تنته ذيولها بعد، بل وتتواصل فصولها بشكل أكثر خطورة ومأساوية...والخوف على سوريا، من تنامي دور القوى الظلامية، التي تعيث في الأرض تقتيلاً وتفتيتاً.
قول الحقيقة كما هي، من دون زيادة أو نقصان، أمر يكتسب أهمية مطلقة هذه الأيام، حفظاً لسوريا ومستقبلها، وصوناً لأرواح أبنائها وبناتها...ولا يجوز بحال من الأحوال، القبول بأية مبررات تحول دون النطق بها، ساطعة كالشمس في رابعة النهار، بحجة سخيفة من نوع: ldquo;الخشية من أن يستفيد النظام من هذه المعطياتrdquo;...هذه مسألة لا ينبغي أن تندرج في سياق الصراعات والمناكفات والتكتيكات السياسية، هذه قضية دفاع عن سوريا والسوريين، غير مشروطة وغير خاضعة للمناورات والمراوغات.
وبائسة تلك التصريحات التي سرعان ما تنطلق من اسطنبول، على ألسنة قادة المجلس الوطني السوري، التي تتهم النظام بتدبير هذه التفجيرات، لتشويه صورة الثورة، وتبرير حربه الإجرامية على شعبه...النظام لم يكن بحاجة لمثل هذه الأعمال الدموية لمقارفة ما قارف من انتهاكات واعتداءات...والعالم ليس قصير الأذرع والنظر، ليتعرف على هوية الجناة والقتلة...والتنظيمات الجهادية المتطرفة لا تخجل من أفعالها، ولقد سبق لها وأن تبنت عمليات إرهابية، سبق للمجلس الوطني أن اتهم النظام بارتكابها، والدوائر الاستخبارية العالمية، ألمحت وصرّحت عن وجود أصابع للقاعدة وrdquo;شقيقاتهاrdquo; في هذه العمليات.
ليس في قولنا هذا ما يبرئ النظام من أفعاله الوحشية والإجرامية ضد شعبه...نستطيع أن نجرّم النظام وأن نجرّم الإرهاب...نستطيع أن نقول أن النظام قارف جرائم ضد الإنسانية وأن نسمي أفعال الإرهابيين بأسمائها الحقيقية...الخطر على الشعب السوري ومستقبله ومستقبل سوريا، ماحق، يتوزع وزره من يستسهل القتل الطائفي والمذهبي، وقتل المدنيين والأبرياء، سواء صدرت هذه الجرائم عن النظام وأجهزته الرسمية وشبيحته، أو عن قوى ظلامية وإرهابية، تحت أي مسمى ظهرت، وبصرف النظر عن الذريعة التي تبرر بها إجرامها.
لقد قلنا من قبل، وقال غيرنا، أن سوريا تتحول لساحة جذب للحركات الأصولية المتشددة والتنظيمات الإرهابية والسلفية الوهابيّة التي خبرناها في غير دولة ومدينة (بمن فيها عمان وإربد والزرقاء والعقبة)...وثمة سيل لا يكف عن التدفق من المعلومات التي تتحدث عن ldquo;زحف الجهاديينrdquo; إلى ldquo;ساحة الجهادrdquo; الجديدة، بعد أن أفتى كثيرون بإانتقال تصنيفها من حالة ldquo;النصرةrdquo; إلى حالة ldquo;الجهادrdquo;....لكن كثيرين من المعارضة السورية وغيرها، لا يريدون أن يعترفوا بهذه الحقيقة...بعضهم يعرف ولا يريد أن يعترف...وقلة منهم تعيش ldquo;حالة إنكارrdquo; شبيهة بـrdquo;حالة الإنكارrdquo; التي يعيشها النظام وهو يواجه ثورة شعبية تتوالى فصولاً منذ خمسة عشر شهراً، وتتنقل ككرة النار من مدينة إلى أخرى ومن بلدة إلى بلدة.
وثمة أصابع إستخبارية لا تخفى على أحد، تقف خلف هذا العبث ldquo;الجهاديrdquo; المدمر لمستقبل سوريا والسوريين...أصابع تحركها غرف العمليات السوداء في العواصم التي لم تضمر الخير يوماً لسوريا وشعبها، وتريد أن تحيل البلاد إلى ldquo;خرابةrdquo; آيلة للسقوط على رؤوس أبنائها، ودائما لحسابات ليس من بينها أبداً، مصلحة الشعب السوري ومستقبله الديمقراطي وحقوق إنسانه، وثمة ما يكفي من التقارير والأخبار والمعلومات التي تؤكد ذلك.
خلال الساعات الأربع والعشرين الفائتة، تحدّث كل من كوفي عنان ونبيل العربي وعدد من القادة العقلاء في المعارضة السورية عن خطر انزلاق سوريا للفوضى والحرب الأهلية والإرهاب...هذه لم تعد توقعات وتكهنات، هذا السيناريو بدأ يشق طريقه إلى يوميات السوريين القاسية...وهذه العمليات هدفها تقصير أجل مهمة كوفي عنان وآخر فرص الحل السياسي للأزمة...لأن العقول السوداء المدبرة لهذه العمليات، تدرك تمام الإدراك، أنه كلما سرّعت في إحباط مهمة عنان وإسقاط آخر فرصة لإنقاذ سوريا، كلّما شرّعت المزيد من الأبواب للسيناريو الأسوأ الذي ينتظر البلاد...وكلما أصبح السوريون وجهاً لوجه، مع أسوأ كوابيسهم.
سوريا تتحول إلى ldquo;أنبار 2rdquo;...وما تشهده اليوم من صعود لقوى التطرف والأصولية المتشددة والإرهاب، مقابل عنف دامٍ لم يتوقف من قبل النظام، يقرع ناقوس خطر ماحق، لا يتهددها وحدها، بل ويتهدد كذلك جوارها العربي والإقليمي.
التعليقات