كتب: Nikolas Gvosdev

صحيح أن هولاند وبوتين لا يدعوان إلى إحداث تغييرات جذرية في علاقة بلديهما بأميركا، إلا أن استبدال زعيمين كانا مستعدين لإسداء الخدمات لواشنطن برئيسين يشككان في الضمانات التي تقدمها الولايات المتحدة سيضيق هامش المناورة في الأشهر المقبلة.
لا شك أن انتخاب فرانسوا هولاند رئيساً لفرنسا يوم الأحد وتنصيب فلاديمير بوتين رئيساً ldquo;جديداً قديماًrdquo; لروسيا يوم الاثنين يسببان انزعاجاً جديداً لإدارة أوباما في مجال السياسة الخارجية. صحيح أن أياً منهما لا يدعو إلى إحداث تغييرات جذرية في علاقة بلديهما بالولايات المتحدة، إلا أن استبدال زعيمين كانا مستعدين لإسداء الخدمات لواشنطن برئيسين يشككان في الضمانات التي تقدمها الولايات المتحدة سيضيق هامش المناورة في الأشهر المقبلة. في هذا الصدد، ذكر بيتر فيفر أن ldquo;نيكولا ساركوزي كان شخصية أساسية لا غنى عنها في سياستين بارزتين حقق فيهما المسؤولون في إدارة أوباما بعض ldquo;النجاحاتrdquo; (فرض العقوبات على إيران والحملة الليبية). كان دعم ديمتري ميدفيديف عاملاً أساسياً أيضاً لتمرير عقوبات أكثر صرامة ولصدور القرار الروسي بالامتناع عن التصويت ضد القرار الليبي في الأمم المتحدة.
من الشائع اليوم التأكيد على أن ميدفيديف كان مجرد أداة في يد رئيس الوزراء فلاديمير بوتين خلال السنوات الأربع الماضية (بالتالي، كانت السياسة التصالحية التي اعتمدها ميدفيديف في تعاطيه مع الولايات المتحدة من تدبير بوتين)، لكنني لا أوافق على هذا التحليل بالكامل. صحيح أن ميدفيديف ما كان يستطيع أخذ أي مبادرات سياسية تتعارض مع إرادة بوتين، لكن ذلك لا يعني أن الرجلين ومستشاريهما كانوا متفقين في جميع الملفات السياسية. بحسب تحليلي الخاص، كان بوتين مستعداً للسماح لميدفيديف بتجربة ldquo;طريقته الخاصةrdquo;، ولا سيما في ما يتعلق بتطوير علاقة وثيقة مع باراك أوباما، لمعرفة احتمال تحسين العلاقات الأميركية- الروسية. على رغم تشكيك بوتين في ذلك، قدم ميدفيديف عدداً من التنازلات الروسية، فوافق مثلاً على تشديد العقوبات على إيران وإلغاء صفقة بيع نظام دفاعي جوي من طراز ldquo;إس-300Prime; (S-300)، وكان ذلك النظام في حال تركيبه ليزيد تعقيدات الضربة الجوية الإسرائيلية أو الأميركية على برنامج إيران النووي.
لقد جرى تفعيل بعض عناصر سياسة إعادة ضبط العلاقات الثنائية (تحديداً شبكة التوزيع الشمالية التي توفر الإمدادات إلى بعثة حلف الأطلسي في أفغانستان). لكن لا تزال بعض القضايا التي كانت توتر العلاقات الروسية- الأميركية خلال ولاية بوتين الأخيرة في الرئاسة (ولا سيما مسألة الدفاع الصاروخي) عالقة ومحط تفاوض. ها قد عاد بوتين الآن إلى سدة الرئاسة وهو يحمل الشكوك المعتادة إزاء حجم الشراكة التي يمكن عقدها مع الولايات المتحدة في ظل الظروف الراهنة. لا شك أنه لن يخرب المجالات التي تشهد تعاوناً متبادلاً مفيداً، غير أن موقفه تجاه واشنطن سيكون مشروطاً (في المجالات التي تحتاج فيها الولايات المتحدة إلى الدعم الروسي، إذ يجب أن تضمن حصول موسكو على مكاسب معينة). فضلاً عن ذلك، من المستبعد أن يمنح بوتين أي مجال للراحة أو المناورة لأوباما كونه لا يرتبط بأي علاقة شخصية قوية مع الرئيس الأميركي.
ينطبق الأمر نفسه على هولاند. إذ كان ساركوزي الملقب بـrdquo;ساركو الأميركيrdquo; قد وضع تحسين العلاقات الأميركية- الفرنسية على رأس أولوياته. قد يتراجع هولاند عن أجندة ساركوزي التي تدعو إلى توثيق العلاقات مع واشنطن. خلال الحملة الانتخابية مثلاً، انتقد قرار ساركوزي بإعادة فرنسا إلى بنية القيادة العسكرية داخل منظمة حلف الأطلسي، واعتبر أن ذلك القرار يحتاج إلى إعادة تقييم. كان ساركوزي نفسه يميل إلى اتباع مسار شخصي ومستقل في السياسة الخارجية، ما عزز تحالفه مع الولايات المتحدة. من المتوقع أن يعود هولاند إلى ما اعتبره بعض المحللين مقاربة ldquo;جماعيةrdquo; في السياسة الخارجية الفرنسية، ما يعني أنه لن يتحدى المسار التقليدي الفرنسي للاصطفاف مع واشنطن.
تعهد هولاند أيضاً بسحب القوات الفرنسية من أفغانستان في نهاية عام 2012، أي قبل سنتين من موعد تسليم حلف الأطلسي المهام الأمنية لقوى الأمن الأفغانية. إذا طُبّق هذا القرار، فستتوتر علاقة فرنسا مع الولايات المتحدة حتماً. يشعر البعض بالقلق من أن يكون الرئيس هولاند أكثر ميلاً إلى تقديم التنازلات في الملف الإيراني، وسيتوقف كل شيء طبعاً على قرار تعيين رئيس الوزراء الأسبق لوران فابيوس كوزير خارجية في الحكومة الاشتراكية، فقد عبّر هذا الأخير عن دعمه لاتباع سياسة قوية ومتشددة ضد إيران بسبب تجاوزاتها النووية.
سيلاحظ المسؤولون الأميركيون تشكيكاً أكبر في باريس وموسكو خلال الأشهر المقبلة وستتراجع الحوافز لمنح أوباما التنازلات التي يحتاج إليها. يبدو أن ردة الفعل الروسية القاسية تجاه خطط الدفاع الصاروخي المقترحة والخطاب الهجومي الذي أطلقته موسكو بشأن الضربات الاستباقية على مواقع الدفاع الصاروخي يشيران إلى أن الطلب الذي تقدم به أوباما إلى الرئيس المنتهية ولايته ميدفيديف للحصول على بعض ldquo;المساحةrdquo; في هذا الملف لم يلقَ أي آذان مصغية.
من المقرر أن يقابل أوباما بوتين وهولاند قريباً ولا شك أنه سيحصل على فرصة لتبرير السبب الذي يدعوهما إلى متابعة السياسات الخارجية السابقة والحفاظ على علاقات فاعلة وودية مع واشنطن. لكن نظراً إلى قرب ساركوزي وميدفيديف من الإدارة الأميركية في السابق، قد يصعب إقناع هولاند وبوتين بفتح صفحة جديدة مع الأميركيين.