عبدالعزيز العويشق

ضغطت الظروف الإقليمية في اتجاه نجاح قمة الدوحة وتعزيز العمل الجماعي لمواجهة المهددات المختلفة، وعلى رأسها الإرهاب، واستمرار المأساة السورية، وتفكك اليمن تحت وطأة التحركات الحوثية، وتنامي دور إيران

&


عقدت في العاصمة القطرية مساء الثلاثاء 9 ديسمبر 2014 اجتماعات القمة الـ35 لمجلس التعاون. وكانت القمة ناجحة في مستوى الحضور، والتوافق الذي ظهر من خلالها، والمواقف الحازمة من قضايا المنطقة. شاركت دول المجلس في القمة بمستويات عليا، فحضرها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والملك حمد بن عيسى آل خليفة، والأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والسيد فهد بن محمود آل سعيد، والشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.


وأسهم في إنجاحها ما أنجزته القمة الاستثنائية التي عقدت بالرياض في 16 نوفمبر الماضي، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حين طويت صفحة الخلاف واستعادت مسيرة العمل الخليجي المشترك زخمها وقوتها.


وضغطت الظروف الإقليمية في اتجاه نجاح القمة وتعزيز العمل الجماعي لمواجهة المهددات المختلفة، وعلى رأسها الإرهاب، واستمرار المأساة السورية، والإجراءات الإسرائيلية لتهويد القدس، وتفكك اليمن تحت وطأة التحركات الحوثية، وتنامي دور إيران القائم على زعزعة الاستقرار وبث الفرقة المذهبية.


طرحت ملفات كثيرة على القمة في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وغطتها وسائل الإعلام. ولكني سأركز هنا على ثلاث قضايا تناولتها القمة، لم تحظ بالاهتمام الإعلامي الكافي.


القضية الأولى: الاتحاد الخليجي، الذي أظهرت قمة الدوحة أنه في صدارة اهتماماتها، فيشير البيان المشترك للقمة إلى: "ما وصلت إليه المشاورات بشأن مقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه -، بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد"، ووجّه القادة "المجلس الوزاري باستمرار المشاورات واستكمال دراسة الموضوع بمشاركة معالي رئيس الهيئة المتخصصة".


وبالإضافة إلى هذه الإشارة المقتضبة، تناول القادة الموضوع في الجلسة الافتتاحية، وربطوا بينه وبين التحديات التي تواجه المنطقة، والتجربة التي مر بها المجلس نفسه هذا العام. فقال الشيخ تميم: "لا شك أن الاتحاد الخليجي الذي تضمنته مبادرة أخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز سيظل هدفا ساميا، ومنه إلى الاتحاد العربي بإذن الله". وربط بين ذلك وبين الخلافات بين دول المجلس: "تعلّمُنا التجارب الأخيرة ألا نسرع في تحويل الخلاف في الاجتهادات السياسية وفي تقدير الموقف السياسي، التي قد تنشأ حتى بين القادة، إلى خلافات تمس قطاعات اجتماعية واقتصادية وإعلامية وغيرها. فإذا لم تستمر آليات التعاون والتعاضد ومؤسساتهما بالعمل في مراحل الاختلاف بالرأي فهذا يعني أننا لم ننجح في إرساء أسس متينة لهذه المنظمة بعد. وإذا لم تكن علاقات شعوبنا الأخوية مفروغا منها حتى في مراحل الأزمات، فهذا يعني أن يبقى مجلس التعاون جسما فوقيا". وأضاف: "وحدها الممارسة التي تضع المشترك فوق المختلف عليه، وترفع التعاون فوق الخلاف، هي التي تحوّل مجلس التعاون الخليجي إلى كيان حقيقي، وتبني مضمونا لمقولة إن المجلس هو المنظمة العربية الفاعلة على الساحة الإقليمية والدولية. ويحق لنا عندئذ أن نأمل أن تشكّل نموذجًا للأطر العربية الأخرى". كما ربطه بالحاجة إلى رسم سياسة موحدة للمجلس في المنطقة، قائلاً إنه قد: "آن الأوان أن يحدّد مجلس التعاون دوره وموقعه في الخارطة السياسية للإقليم بناء على مكانة دوله الاستراتيجية ومقدراتها ومصالحها المشتركة. فالدول الكبرى لا تنتظر، ولا تصغي للمناشدات الأخلاقية، وهي كما يبدو تتعامل بلغة المصالح فقط، ومع من يثبت قوته على الأرض في الإقليم".


وأشار الشيخ صباح إلى: "الاتحاد بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وحتميته، والذي هو دون شك يمثل هدفا وأملا يتطلع إليه أبناء دول المجلس، ويأتي انسجاما مع نظامنا الأساسي وتفعيلا لقرارات عملنا المشترك". وتدور المشاورات التي أشار إليها البيان حول التصور المفصّل الذي قدمته الهيئة المتخصصة عن شكل الاتحاد ومهام هيئاته وآليات عمله، بالإضافة إلى ما قدمته الدول الأعضاء من مقترحات حوله، وسبق أن تم الاتفاق على أن يتم الإعلان عن الاتحاد في قمة خاصة تُعقد في الرياض.


القضية الثانية: اتخاذ موقف واضح وحازم مما يجري في اليمن. حيث حظي اليمن بجزء وفير من البيان المشترك، موضحاً قلق المجلس مما وصلت إليه الأوضاع هناك. أكد المجلس دعمه لجهود الرئيس عبدربه منصور هادي في مهمتيه الصعبتين: الأولى "تحقيق الأمن والاستقرار وبسط سيطرة الدولة في جميع أنحاء اليمن"، والثانية "قيادة عملية الانتقال السلمي للسلطة، من خلال الالتزام بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل".


وحث المجلس "جميع الأطراف" في اليمن على "الالتزام بتسوية خلافاتهم عن طريق الحوار والتشاور ونبذ اللجوء إلى أعمال العنف لتحقيق أهداف سياسية". وفي عبارات تضع النقاط على الحروف، أدان المجلس "أعمال العنف التي قامت بها جماعة الحوثيين في صنعاء وعمران والحديدة وغيرها" و"الاستيلاء على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، ونهب وتخريب محتوياتها"، واعتبر هذه التصرفات "خروجاً على الإرادة الوطنية اليمنية كما تمثلت في مخرجات الحوار الوطني، وتعطيلاً للعملية السياسية والانتقالية في اليمن". وطالب المجلس بـ"الانسحاب الفوري للميليشيات الحوثية من جميع المناطق التي احتلتها، وإعادة جميع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية لسلطة الدولة، وتسليم ما استولت عليه من أسلحة ومعدات". وأدان في الوقت ذاته "الهجمات المتكررة ضد قوات الأمن والقوات المسلحة اليمنية وما يقوم به تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من أعمال عنف تزعزع استقرار اليمن، وتهدد أمن المنطقة".


القضية الثالثة: الموقف من مصر.


راهن خصوم مجلس التعاون على أنه لن يتمكن من اتخاذ موقف موحد من مصر. ولكن الموقف الموحد واضح في البيان الرسمي للقمة حين أعلن: "دعم جمهورية مصر العربية وبرنامج فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي المتمثل في خارطة الطريق، مؤكداً مساندة المجلس الكاملة ووقوفه التام مع مصر حكومة وشعباً في كل ما يحقق استقرارها وازدهارها، وأكد المجلس على دور مصر العربي والإقليمي لما فيه خير الأمتين العربية والإسلامية".
&