غسان الإمام

رئيس من هونولولو مارس رياضة «اليوغا». وقف طويلا على رأسه. فرأى العالم مقلوبا. نقل 60 في المائة من الجيوش الأميركية. وضعها قبالة السور الصيني العظيم. أبقى 35 ألف جندي لحراسة حاملة طائرات في بحر الخليج، ففقد نفوذه في الشرق الأوسط.


تطلعت إيران في المرآة. فحلمت بـ«خوذة» شاهنشاهية على رأسها. هيمنت على المشرق العربي. فضيّعت أميركا توازنها في العالم. صار أوباما مجرد سائح في أوروبا، مسلحا بكاميرا أمام القوميسار بوتين في أوكرانيا.
اجتاح نابليون أوروبا. انتصرت له الفلسفة. أعلن الألماني هيغل نهاية السياسة عند مبادئ الثورة الفرنسية. قلب الألماني الآخر (ماركس) العالم. أعاده واقفا على قدميه. اجتاحت قبيلة آل بوش أفغانستان والعراق. فأعلن فوكوياما نهاية السياسة عند الانتصارات البوشية.


مارس المثقف سياسة اليوغا. وقف أوباما على رأسه. انسحب من العراق. ينسحب من أفغانستان. يتردد في سوريا. فقلَبَه احتجاج النظام العربي. أعاده واقفا على قدميه. ما زالت أميركا «مايسترو» الدعاية الإعلامية. تهمس أميركا فيسمعها العالم. يصرخ معارضوها. فيسمعون وحدهم صدى صراخهم.


تنسى أميركا ما تريد أن تنساه. يتثاءب العالم. فيفقد ذاكرته. تصحو أميركا. تتذكر ما نسيته. فيسترد العالم معها صحوته. تنظِّر أميركا لحرب «بلا هوادة» على إرهاب تنظيم سنّي واحد (آيزيس/ داعش). فينسى العالم إرهاب تنظيمات سنية. وأنظمة وميليشيات شيعية!


السبب في نشوب الحروب كون الشعوب تقرأ المغالطة في العناوين الكبيرة. وتنسى التفاصيل في الحروف الصغيرة. يطوف البائع الجوال جون كيري عواصم العالم. يبيعها استراتيجية لمكافحة الإرهاب. ويحجب عن النظرية أسلوب المراوغة في التطبيق!


نظريًا، أسهب المثقف أوباما في فلسفة الأخطاء. فكّر. استشار. فأنجب استراتيجية هجومية: أعاد الاعتراف بالعرب. عرض التحالف لمكافحة الإرهاب. قبل النظام العربي الاعتذار. رحب بالتغيير. وتردد في دخول الأحلاف!
دبلوماسيًا، أميركا شيعية في بغداد وطهران. أميركا سنية في العواصم العربية. أعلنت أميركا حربا «جهادية» على «داعش»، «بلا هوادة» من «العلالي» الجوية. على الأرض، يوجه خبراء وضباط أميركا (قريبا سيبلغ عددهم 1600 عسكري) ويدربون ثلاث ميليشيات إرهابية شيعية، من صنع إيران في العراق: عصائب أهل الحق. بدر. الصدر.


ميدانيًا، تخوض هذه الميليشيات «الجهادية»، مع فلول جيش المالكي المهزوم، حرب أميركا على «داعش» في العراق. وهكذا أعلن علي أكبر صالحي رئيس مؤسسة إيران النووية، أن إيران تملك «المفتاح الذهبي» للحل في المنطقة.
علنًا، لم يذكر أوباما إيران بالاسم في استراتيجيته «الجهادية».


لا أريد أن أتنكر للوفاء الكردي. فقد استضافت كردستان العراقية عشرات ألوف العراقيين السنة الهاربين من فردوس الخلافة الداعشية. مع الأكراد الإيزيديين. والكلدان والآشوريين المسيحيين. وكانت ميليشيا «البيشمركا» الكردية أول من بادر إلى خوض حرب أميركا ضد «داعش». وهي اليوم تقاتل جنبا إلى جنب مع الميليشيات الشيعية، على تخوم دولة «داعش» شمالًا. ووسطًا. وغربًا، تحت المظلة الجوية الأميركية.
ولا يعرف العرب (السنة) أو النظام العربي ما إذا حصلت أميركا على ضمانات من كردستان بانسحاب «البيشمركا» غدا من أراضي السنة التي احتلتها. ومن الأراضي وحقول النفط المتنازع عليها مع حكومة بغداد.
سوريًا، أشار أوباما إلى إمكانية «حل سياسي» بين نظام الأسد والمعارضات السورية المسلحة، يقوم على أساس تخفيض رتبة بشار من ديكتاتور مطلق، إلى رئيس «دستوري» يقبل بحكومة وفاقية. مع من؟ ربما مع المنظمات «الجهادية»، لإرساء «ديمقراطية» سوريا جديدة!


إيران ضحت بالمالكي. لكن إعلان «الرئيس الدبلوماسي الباسم» روحاني عن تأهل حكومته لدخول حلف أميركا الدولي، لا ينطوي إلى الآن، على التضحية ببشار الذي يخوض حربا، إلى آخر شيعي لبناني في «حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية والإيرانية التي تقاتل معه السنّة في سوريا.


عمليًا، تسبب التدخل الإيراني، بتجدد الحرب الطائفية في العراق. وإلهابها في سوريا. وأحدث حزبها في لبنان فراغا رئاسيا، بإكراه الرئيس ميشال سليمان على الاستقالة، لرفضه تورط الحزب في الحرب السورية. ويرفض الحزب أيضا السماح للحكومة بالإفراج عن «جهاديين» معتقلين، في مقابل إفراج «داعش» و«جبهة النصرة» عن الأسرى من الجنود اللبنانيين في حرب عرسال.


تقدم إيران نفسها اليوم حمامة سلام. لكنها نقلت حربها إلى اليمن، بعدما أحبطت السعودية والإمارات المخطط الإيراني لتحويل البحرين إلى لبنان آخر. تتبع إيران في اليمن أسلوب العصيان المدني الذي طبقه حزب الشيعة في لبنان. فأنزلت الحوثيين الشيعة من منطقة صعدة التي احتلوها في الشمال، لمحاصرة العاصمة صنعاء. والمقارّ الرسمية فيها بالخيام.


باتت المشكلة اليمنية في غاية التعقيد. يحاول النظام عقد تسوية سلمية مع الحوثيين للانسحاب من صنعاء، فيما يخوض «الجهاديون» و«الإخوان المسلمون» حربا ضد الحوثيين في الشمال، في حين يقف «الحراك» الجنوبي الانفصالي منتظرا نتائج المواجهة. أما أميركا فتؤيد النظام. لكن تكتفي بقصف سنّة «القاعدة» من الجو. وتتجاهل الحوثيين لكي لا تزعج الإيرانيين.
دشَّنت أميركا مزادا ماليا لتدريب المتطوعين «المعتدلين» من السنّة السوريين، لخوض حربها ضد سنّة «داعش». تبرعت في المزاد بخمسمائة مليون دولار. على أونه. على دُوِّيه. على تريه، تشجيعا للمتبرعين العرب. وللمزايدين الأوروبيين.
بحثتُ كثيرا مع أميركا، عن هؤلاء المتطوعين «المعتدلين»، في سوريا بلدي. فلم أجدهم. فقد أهلكهم النظام. لأنهم طالبوه باحترام «حقوق الإنسان». وأفرج عن «الجهاديين»! فانضموا إلى «داعش». وجبهة النصرة (القاعدية). وهو الآن يعرض على أميركا التنسيق معها، إذا قصفت المدنيين و«الجهاديين» السنة، بإذنه وموافقته!


إذا عثرت أميركا على هؤلاء المتطوعين «المعتدلين»، فمن الطرافة المبكية، أن ينقلبوا «جهاديين» في معسكرات التدريب. تماما كما فعل «الإخوان» الذين جندتهم أميركا في الحرب الأفغانية. انتصرت أميركا «الجهادية» على «الكفار» الحمر. فامتنعت عن دفع «الجزية» لجهادييها. عادوا إلى بلدانهم لمجاهدة «الكفار» المسلمين. فانتصر عليهم النظام العربي.


غدا، تنتصر «جهادية» أوباما على «داعش». فتغادر من دون أن تدفع كامل الحساب في المزاد. سوف توصي «الجهاديين» المتطوعين، بإقامة نظام «ديمقراطي» مع نظام الديكتاتورية الطائفية، تحت رعاية «الجهادية» الإيرانية. ألم يفعل ذلك آل بوش في العراق؟ أوصوا العراقيين بإقامة «نظام ديمقراطي» مع ديكتاتورية الجعفري ونوري المالكي الطائفية. ها هي إيران تنسق سرا وعلنا مع أميركا، لتغذية ورعاية «ديمقراطية» زميلهما الثالث حيدر العبادي.
طالب العبادي باجتثاث البعث. فغدا مؤهلا لرئاسة حكومة يحتل فيها الجعفري مقعد وزير الخارجية. وأصبح المالكي ممثلا للشيعة في مجلس الرئاسة. وكاد هادي العامري قائد ميليشيا بدر يصبح وزيرا للدفاع! احتفظ العبادي بمقعدي وزير الدفاع ووزير الداخلية، على أمل البحث عن وزيرين «نظيفين» ليستكمل تشكيل الحكومة (الأميركية/ الإيرانية).
و«كأننا يا تيتي. لا رحنا. ولا جينا».