&صالح القلاب

&
التهديدات العنيفة التي أطلقتها إيران، على لسان مرشدها علي خامنئي، ضد المملكة العربية السعودية، على خلفية حادثة تزاحم حجاج بيت الله الحرام في "منى"، تدل على أنَّ هذه الدولة التي من المفترض أنها "شقيقة" وتربطها بدول الخليج العربي علاقات حسن الجوار تعيش أزمة طاحنة، وأن هذه الأزمة الطاحنة هي التي دفعتها إلى هذا التصعيد غير المبرر وإلى التهديد والوعيد بمفردات لا يجوز أن تصدر عن رجل يحتل هذا الموقع "المذهبي" والسياسي.
ويقيناً لو أن إيران لا تخشى من أن تكشف التحقيقات التي تجريها المملكة العربية السعودية بالنسبة لحادث "منى" عن تورطها في هذا الحادث الذي أوجع قلوب المسلمين في كل مكان وفي أربع رياح الأرض، لما ذهب بها عنف الكلام إلى إطلاق هذه التهديدات، والتي لا شك في أن كل من سمعها قد اعتبرها بمثابة إعلان حرب مع أن المفترض أن يكون "الولي الفقيه" أكثر حرصاً ودقة على انتقاء المفردات التي يخاطب بها دولة "شقيقة" بقيت تقدم من التسهيلات لحجاج بيت الله الحرام ما لا تستطيع أن تقدمه أي دولة أخرى .


إن هذه مسألة، وأما المسألة الأخرى فهي أن إيران تبدو متوترة على هذا النحو وغير قادرة على السيطرة على أعصابها، لأنها باتت متيقنة من أن مصير مشاريعها التمددية في المنطقة العربية هو الفشل الذريع، وأنها خسرت رهانها على الحوثيين وعلي عبدالله صالح وأيضاً على بشار الأسد وحسن نصرالله وحزبه، والدليل هو الاستنجاد بروسيا التي أثبتت بعد أول غارةٍ قامت بها طائراتها أمس الأول، أن هدفها هو الإبقاء على بشار الأسد أطول فترة ممكنة وليس محاربة "داعش" الذي لو أنها أرادت محاربته بالفعل لانضمت إلى التحالف الدولي الذي تشكل قبل نحو عام، والذي ضم ستين دولة من بينها بعض الدول العربية.
أما بالنسبة للعراق الذي باتت تعتبره حديقتها الخلفية بعد الغزو الأميركي في عام 2003، فإن إيران بعد التحركات الجماهيرية الأخيرة التي تصدرها العرب الشيعة بدعم مباشر من السيد علي السيستاني والسيد مقتدى الصدر، باتت تشعر بأنها ستفقد هذه "البيضة الذهبية"، وأن أحصنتها في بلاد الرافدين وعلى رأسها نوري المالكي لم تعد قادرة على الاستمرار في السباق، وأن العراقيين في ضوء تجربة الاثني عشر عاماً المريرة قد اصطدمت رؤوسهم بجدران الحقيقة، وذلك بعدما غدوا يشعرون أنهم غرباء في وطنهم، وأن قاسم سليماني هو الآمر الناهي في هذا الوطن، الذي من المفترض أنه جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير.


إنه ما كان من الممكن أنْ يوجه مرشد الثورة الإيرانية كلاماً قاسياً على هذا النحو إلى المملكة العربية السعودية لولا أن إيران تمر بمأزق داخلي، ولولا أنها تشعر بهزيمة نكراء في اليمن وأيضاً في سورية، ولولا أنها تحسُّ بأن العراق سيفلت قريباً من بين يديها، وأنها ستخسر لا محالة كل رهانها على أنها ستستعيد أمجاد فارس بعدما أعلن بعض كبار قادتها أنها أصبحت تسيطر على أربع عواصم عربية، وأن بغداد اقتربت من أن تصبح عاصمة الدولة الساسانية.
وهكذا فإن الواضح والمؤكد أنَّ إيران غدت "مأزومة" بالفعل، وأن هذا هو ما جعلها تطلق هذه التهديدات المستغربة ضد المملكة العربية السعودية، التي كان الرد عليها بالقول وبقناعة راسخة: "يا جبل ما يهزك ريح"، فالواثق بنفسه وبإمكانياته وبقوة حجته هو القادر على التحكم بأعصابه في اللحظة الحرجة، أمَّا المصاب بالرعب والهلع ومن يواجه مأزقاً حقيقياً فإنه لا يستطيع السيطرة على لسانه ولا يستطيع التحكم بأعصابه.