عمار علي حسن
&
يبدو انجذاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى المشروعات الكبرى أمراً لا يحتاج إلى أدنى عبء في البرهنة عليه، فهو ينتقل من مشروع إلى آخر، ويبدي إصراراً على إنجاز هذا في زمن قياسي، لكن يبقى السؤال المستمر: هل مصر في حاجة إلى مشروعات كبرى فقط؟ وهل الميزانية المصرية قادرة طيلة الوقت على الاتفاق على مشروعات من عينة التفريعة الجديدة لقناة السويس والعاصمة الجديدة ومشروع الجلالة والمشروع النووي في الضبعة وزراعة مليون ونصف المليون فدان؟ وما هو تأثير ذلك على الاقتصاد بشكل عام؟ وماذا عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة وإعادة تأهيل المصانع المهملة لحساب المشروعات العملاقة؟
&
كثير من رجال الاقتصاد في مصر ينبهون إلى بعض محاذير المشروعات الكبرى في المجال العقاري والبنية الأساسية للاقتصاد الريعي، وليس الاقتصاد الإنتاجي، الذي تجد البلاد نفسها في حاجة ماسة إليه لإخراجها من عثرتها الحالية، وحل بعض المشكلات من قبيل توفير عملات صعبة بإنتاج بعض السلع بدلاً من استيرادها، وحل مشكلة البطالة المتفشية لدى الشباب، وتحقيق دوران سريع للنقود في السوق بما يخلق حالة من الانتعاش بدلاَ من الركود الذي تعاني منه مصر.
&
الاقتصاد المصري في مرحلة سابقة وقع في فخ كبير في ركاب سياسة الانفتاح الاقتصادي التي حولته إلى اقتصادي ريعي ومظهري وعقاري، وأضعفت من قدراته الإنتاجية تدريجياً حتى مهدت الطريق لتصفية الشركات الوطنية وتفكيك المصانع في إطار سياسة الخصخصة التي بدأت في تسعينيات القرن العشرين، فتلك الدوافع قد يترتب عليها بمرور الوقت، مزيد من انغماس القوات المسلحة في الحياة المدنية، وجعل الاقتصاد مجرد خادم للسياسات الخارجية وهي مسألة فوق طاقة مصر حالياً، أو تحويله إلى مناط لدعاية سياسية تقوم على حديث عن الإنجازات بطريقة تنطوي على قدر كبير من التسرع، وعدم تقدير العوائد العاجلة والآجلة في مقابل النفقات الباهظة.
ومثل هذه التوجهات تسببت في كوارث لبعض الدول، بينما استطاعت أخرى أن تنهض حين بدأت اقتصادياتها من أسفل، عبر مشروعات صغيرة ومتوسطة، انصبت على إنتاج ما تحتاجه الدولة أولاً، ثم ما يمكن تصديره إلى الخارج لجلب عملة صعبة ثانياً. وأعتقد أن كلا الاتجاهين يمسان عصب المصلحة الاقتصادية والاجتماعية المصرية حالياً، فهناك سوق استهلاكية كبيرة، وهناك إنفاق مفرط على الاستيراد في اقتصاد يعاني من نقص واضح في الدولار.
&
ليس معنى هذا هو التوقف عن إطلاق مشروعات عملاقة، لكن معناه هو أن تكون هذه المشروعات في مجالات إنتاجية، وتقوم بناء على دراسات عميقة، وأن تلبي احتياجات البلاد الآن وفي المستقبل المنظور، وأيضاً أن يتم على التوازي معها اهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة وإصلاح ما تم إهلاكه من الصناعات المصرية.