لهجة الأردن «الجديد»: تفاهمات صامتة مع «جبهة النصرة» باعتبارها «أحسن الخيارات السيئة» وإجراءات في عمق الأراضي العراقية بعد محطة الأنبار والأولوية لعازل جغرافي عن «تنظيم الدولة»

&&بسام البدارين

&

&

&

& «اللهجة» التي استخدمها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني مؤخرا وهو يختار تحديدا محطة فوكس الأمريكية للإدلاء بمقابلة تلفزيونية سياسية لا تقف فقط عند الخروج عن المألوف الدبلوماسي الأردني.
لكنها وبرأي سياسيين كبار تشكل حالة تفاعل توافقية وطنية تمثل اتجاهات الجمهور في المملكة التي تقف بثبات وسط أمواج الإقليم وأزماته.
لهجة الأردن لا تظهر فقط «ضيق وضجر» الأردن من حالة «النكران» والجحود لأزماته الاقتصادية ودوره المحوري إقليميا في استيعاب أمواج اللاجئين والحفاظ على أمن واستقرار المنطقة لكنها في الوقت نفسه تؤسس فيما يبدو لمزاج سياسي جديد يتمحور حول «المصالح الوطنية» في النظرة للاعتبارات الإقليمية.
الخطاب تحدث بموضوعات محددة تخالف تقاليد الرعاية الأردنية المعتادة للأمريكيين والأشقاء الكبار مثل السعودية عندما أشار لمفاصل محددة من بينها ضرورة «التفاهم مع إيران» والحل السياسي فقط في اليمن و الدعوة لحضور «روسي» أكبر في قضايا وملفات المنطقة.
ليس سرا في السياق أن المسألة تتعلق حصريا بشعور المؤسسة الأردنية بتنامي الخطر الأمني من تنظيم الدولة والتحديات الإرهابية المصدرة أو الصادرة عن سوريا والعراق في الجوار الملتهب، مما يبرر التعابير والمفردات والعبارات الدفاعية الإستراتيجية التي ظهرت مؤخرا في أدبيات الخطاب الملكي الأردني من طراز»الدفاع بعمق» أو من وزن «موجودون على الأرض في العراق».
لا أحد خصوصا في أوساط النخبة المحلية في عمان يعرف بصورة محددة خلفية «اللغة الجديدة» في التعبير الملكي الأردني، لكن الثقة حاصلة في التعبير عن القناعة بأن ما قيل بخصوص الدفاع الإستراتيجي عن الحدود الأردنية مع العراق وسوريا يلقى الدعم والإسناد الشعبي.
كثيرون تفاعلوا مع الشغف المتواصل في البحث عن إجابات لأسئلة الطرح الأردني الجديد والجريء في المسار الإقليمي والذي لا يكتفي في الواقع بمناكفة بعض الدول العربية الحليفة، بل يظهر توفر النية للتقوقع خلف المصلحة الأردنية المباشرة حتى عندما يتعلق الأمر بالجملة الأمريكية وحساباتها في المنطقة.
هذه التفاعلات برزت مباشرة على سطح الأحداث بعد التطورات الحادة لما حصل على الحدود الأردنية مع كل من العراق وسوريا حيث سقط معبر نصيب بيد المعارضة السورية وسط حلقة من «صمت أردني» رسمي انتهى بإغلاق المعبر قبل ان تسقط الأنبار في يد تنظيم داعش وتبدأ موجات المهاجرين من الأنبار لتلامس الحدود الأردنية وسط إنطلاق مخاوف «الديمغرافيا» مجددا في عمان الحكومية.
الدوائر الخبيرة في شؤون السياسة تربط مضمون حساس وخطير ورد في مقابلة الملك مع محطة فوكس بالسيناريوهات المحتملة لتداعيات انكفاء الأردن على ذاته ومصالحه عمليا وبما يحصل حصريا في العراق وسورية حيث تشكل «خصومة غير صدامية» من الصعب تطورها لصداقة مع جبهة النصرة «حاجزا» منطقيا بطول 60 كيلومترا بين حدود الأردن مع سورية بمحاذاة درعا.
وحيث يمكن لسيناريو «تأمين «اللاجئين العراقيين داخل الأرض العراقية وفي حدود محافظة الأنبار تحقيق أفضلية أمنية نوعية للأردن في العمق العراقي، وبالتالي تأسيس حاجز بشري وآخر أمني وعسكري على شكل منطقة عازلة حتى بدون تسميتها مع تنظيم داعش.
معنى ذلك عمليا ان الخطر في الأولويات الأردنية الوطنية يتمثل في داعش، لذلك تصبح «خطوط التفاهم» التي كان من الممكن دوما إنعاشها مع تنظيم جبهة النصرة في سورية محتملة البروز، خصوصا وأن السلطات الأردنية أفرجت مؤخرا عن الشيخ أبومحمد المقدسي منظر التيار السلفي الجهادي والخصم الفقهي العنيد لداعش والصديق الموثوق المرجعي لجبهة النصرة السورية.
وجود جبهة النصرة على الطرف الآخر من الحدود يصبح بهذه الحال «مجازفة أقل خطرا» أو «افضل الخيارات السيئة» ما دام البديل في حسابات الأردنيين هو داعش أوقوات الحرس الثوري وحزب الله ما يفسر الصمت الأردني الرسمي على تواجد قوات جبهة النصرة على معبر نصيب الحدودي السوري قبل إغلاقه.
تلك بطبيعة حسابات سياسية وأمنية معقدة متصلة بالملف السوري تنمو في ظل خذلان النظام الدولي والعربي لعمان في مسألة اللاجئين وفي ظل انصراف»الاهتمام الخليجي» ماليا بمصر وتبدل الإجندات في المسألة السورية وتخبط الحسابات الأمريكية في كل أزمات المنطقة.
عمان تأخذ بصورة جريئة على عاتقها المجازفة وهي «تتواصل» مع جبهة النصرة عن بعد لإن الهدف الأعمق والأبعد هو عازل عسكري مناقض ومساحة جغرافية عن نطاق عمليات داعش في الرقة شرقا على أساس ان النظام السوري نفسه لا يواجه داعش أصلا و «غير مهتم» بالاحتفاظ بمركزنصيب أو بدرعا.
المجازفة يمكن ان تكتمل بالتوافق مع حكومة حيدر عبادي في بغداد ومن خلال عضوية التحالف ضد داعش وتحت بنود ميثاق الأمم المتحدة التي تسمح لدولة متضررة بإجراءات إنسانية من المستبعد ان يخالفها الأمريكيون، ويمكنها ان تبرر في هذه المرحلة التواجد الأردني بعمق الأراضي العراقية وهو ما يبرره تصريح العاهل الأردني بخصوص «الدفاع بعمق» وإستراتيجية التواجد على الأرض في العراق ومن خلال التحالف لمكافحة الإرهاب.

&
&