&&أحمد دياب
&
&
&
&
&
&
&
في 19 أيار (مايو) الجاري، أعلنت مصـــادر «الحرس الثوري» الإيراني، وحركة «طالبـــان» الأفغانية، أن وفداً رفيع المستوى مـــن الحركة برئاسة مدير مكتبها في الدوحة طيب آغا، زار طهران، وهي الزيارة الثالثة خلال السنوات الثلاث الماضية. وكانت الزيارة الأولى عندما شاركت الحركة (السنية المتشددة) في مؤتمر «الصحوة الإسلامية» الذي عُقد في طهران عام 2012. أما الزيارة الثانية فتمت بسرية تامة عام 2014.
الزيارة الأخيرة لوفد «طالبان» إلى طهران تشكل نقلة نوعية في علاقات الجانبين، اللذين لديهما كل أسباب التناقض والصراع مذهبياً وسياسياً، وتحمل من الأبعاد والدلالات والنتائج والتداعيات الكثير: فعلى الجانب الطالباني، وعلى رغم تصريح مسؤول بارز في «طالبان» أفغانستان عن خلافات سابقة لا تزال موجودة بين الحركة وإيران، وفي مقدمها ملف معتقلين من «طالبان» في إيران، ودعم طهران حكومة كابول الحالية، والظروف المتعلقة بأوضاع اللاجئين الأفغان في إيران والبالغ عددهم نحو 2.5 مليون نسمة، والانتهاكات التي تمارسها السلطات الإيرانية بحقهم، لاسيما تجنيدهم وإرسالهم إلى العراق وسورية، واستغلال وضعهم الصعب في إيران. لكن ذلك، على حد تعبير مسؤول طالبان، «لا يعني عدم التحاور معها (إيران) في قضايا محددة». فالزيارة تأتي في ظل تزايد الضغوط على الحركة، التي تواجه أزمة مالية حادة أيضاً، سواء من جانب باكستان (بضغط صيني)، أو من جانب الولايات المتحدة من أجل فرض حل تفاوضي بين كابول وطالبان، التي ترفض الحوار مع حكومة كابول، فطالبان ترى في الحكومة الحالية بقيادة الرئيس أشرف غني أداة في يد الأميركيين ولا تمثل شيئاً، وقبلت أن تبيع أفغانستان للأميركيين تحت غطاء الاتفاقية الأمنية ومنحتهم قواعد عسكرية في البلاد.
وعلى الجانب الإيراني، من المعروف أن طهران ناصبت طالبان العداء منذ سيطرة الأخيرة على السلطة في كابول عام 1996، بدعم باكستاني، وترحيبها (طهران)، إن لم يكن مساهمتها، بإسقاط واشنطن نظام طالبان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2001، بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) التي نفّذها تنظيم «القاعدة» بزعامة أسامة بن لادن الذي كانت تستضيفه الحركة.
لكن طهران بذلت، خلال السنوات القليلة الماضية، جهوداً حثيثة لبدء علاقة جديدة مع «طالبان»، إذ سعت إيران لتقديم كل أنواع الدعم السياسي والعسكري لحركة طالبان، حيث تتوافر الأسلحة الإيرانية في محافظات كابول وغازني في المنطقة الوسطى وقندوز وبلخ في الشمال وهلمند وقندهار في الجنوب، كما وافقت إيران على فتح مكتب لحركة طالبان في مدينة زاهدان شرق إيران.
فمن ناحية أولى، تتحسب طهران لتداعيات انسحاب القوات الأميركية والدولية من أفغانستان أواخر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وتحاول أن يكون لها دور في مستقبل أفغانستان، عبر الانفتاح على مكوناتها وقواها كافة، بما فيها طالبان، بالنظر إلى استمرار قوة الحركة وفعاليتها في توازنات الداخل الأفغاني، لاسيما في ظل توافق إقليمي يسعى إلى إعادة الاستقرار لهذا البلد المضطرب منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
ومن ناحية ثانية، تحاول إيران الانفتاح على تنظيم سُني مؤثر(كما هي الحال مع حركة «حماس» الفلسطينية)، تنفي به تهمة الانحياز إلى الفصائل الشيعية في استراتيجيتها ومشروعها الإقليمي في المنطقة، لاسيما في ظل مساعي طهران لـ «احتواء» هذا التنظيم السني المتشدد وربما «تهذيب» أفكاره وسياساته، أو لدرء شروره وعدائه لها.
ومن ناحية ثالثة، ومع تزايد نفوذ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) الإرهابي المتشدد، أخذت المواقف الدولية والإقليمية تجاه حركة «طالبان أفغانستان» في التطور، حيث رفضت الولايات المتحدة في نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي اعتبار الحركة جماعة إرهابية، بخلاف تنظيمي «القاعدة» و»داعش». وفي السياق ذاته تحاول إيران تكوين علاقة جديدة مع «طالبان»، التي لوَّحت بدورها إلى استعدادها لمراجعة علاقاتها بإيران، بخاصة بعدما أبدت باكستان استعدادها للتخلي عن الحركة نتيجة تحسن علاقاتها مع الحكومة الأفغانية.
لكن محاولات إيران إنشاء علاقة جديدة مع «طالبان»، قد تعرقل الجهود التي تهدف إلى تعزيز العلاقات بين كابول وطهران، اللتين أبرمتا اتفاقاً للتعاون الإستراتيجي أثناء زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني كابول في منتصف آب (أغسطس) 2014. فمن ناحية أولى، عندما احتضنت طهران في سرية تامة وفد طالبان العام الماضي، أبدت الحكومة الأفغانية استياءها البالغ إزاء سياسة طهران المزدوجة، واتهمتها مراراً بدعم الجماعات المسلحة التي تنشط ضد الجيش الأفغاني والقوات الدولية في أفغانستان، وأعلنت أجهزة الأمن الأفغانية مرات عدة عن عثورها على أسلحة إيرانية أثناء المعارك مع «طالبان»، والتي تسببت في مقتل 64 جندياً من قوات التحالف منهم 46 جندياً أميركياً ونحو 256 جندياً حكومياً و320 مدنياً، خلال العام الماضي.
والأكيد أن محاولات إيران تكوين علاقة مع «طالبان،» ستؤدي إلى تعثر علاقاتها بالحكومة الأفغانية الحالية، التي قرّرت فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع دول الجوار، تقوم على مبدأ عدم التدخل، والتعاون في ما بينها، فعلى رغم الزيارات المتبادلة بين كابول وطهران منذ أوائل العام الحالي، ولعل آخرها زيارة الرئيس الأفغاني أشرف غني إلى طهران في 19 نيسان (أبريل) الماضي، فإن العلاقات بينهما تشهد توتراً بسبب معارضة طهران توقيع كابول الاتفاقية الأمنية مع واشنطن في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وذكرت بعض وسائل الإعلام الأفغانية أن السلطات الإيرانية أبدت قلقها حيال نية أفغانستان بناء عدد من السدود في الأقاليم المجاورة لإيران، ما قد يعني تجدد النزاع المائي بين الجارتين.
ومن ناحية ثانية، فإن إقامة «طالبان» علاقة مع طهران ستكون بمثابة انتحار سياسي للحركة السنيّة المتشدّدة، إذ إنها لا محالة ستفقد شعبيتها في أوساط الشعب الأفغاني. وتنذر بوقوع انشقاقات وصدامات بين الأكثرية السنية والأقلية الشيعية (الهزارة)، فثمة قلق في الأوساط الشعبية الأفغانية إزاء نفوذ إيران المتزايد، فهي توسّع نفوذها من خلال الاستثمارات الضخمة في العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعات التي تدعم التوجه الإيراني، وتدير مواقع إلكترونية وصحفاً تروّج للفكر الإيراني، إضافة إلى إنشاء مراكز ثقافية ودينية، وإدارة قنوات إعلامية أفغانية أو مؤسسات تعليمية، وحتى شراء أراضٍ في المناطق الحساسة والطرق السريعة لبسط نفوذها في أفغانستان.
ومن ناحية ثالثة، فإن أيّ نوع من التقارب بين إيران وحركة «طالبان أفغانستان» يثير مخاوف من تفجر صراع بين الأخيرة و»داعش»، ما قد يدفع أفغانستان نحو حرب جديدة لا تُحمد عقباها. وكان التنظيمان أعلنا الجهاد ضد بعضهما بعضاً في إقليم هلمند، بعدما أصدرت طالبان بياناً وصفت فيه «داعش» بأنه منظمة غير مسلمة، يجب الجهاد ضدها، عقب مواجهات شرسة بين التنظيمين في منتصف أيار الجاري في إقليمي زابل وهلمند الحدوديتين بين أفغانستان وباكستان، إذ يحاول «داعش» بسط نفوذه في المناطق الحدودية في إقليم ننجرهار، والتي تشكل موقعاً استراتيجياً مهماً تحاول كل الجماعات المسلحة بسط نفوذها الشعبي والعسكري فيه. كما أن انشقاق عدد كبير من المسلحين والقادة الميدانيين من الحركة وانضمامهم إلى «داعش» كان من أهم أسباب امتعاض «طالبان»، إذ إنه أدى إلى تدهور قوتها الميدانية، خصوصاً في بعض الأقاليم الجنوبية كإقليم غزنة وزابل وهلمند، معاقل «طالبان» الرئيسة.
&
التعليقات