&المادة التي سجنت إسلام بحيري لا تتعلق بازدراء الدين… وضابط رفض وضع القيد الحديدي في يديه

حسنين كروم

لا تزال حالة الأغلبية الساحقة على حالها، الصحافة والإعلام يغليان وهما ينشران ويذيعان عن أحداث أخبار ساخنة، بينما الأغلبية منصرفة عنها إلى قضايا أخرى.

وكما قلنا فإن قضية واحدة مثل سد النهضة، التي تتصل بحياة الأغلبية ولا تجتذب اهتماماتها ولا تفكر فيها، رغم صرخات التخويف من المصير المظلم لها من عطش وانخفاض في كهرباء السد العالي، التي تمثل حوالي ربع إنتاج البلاد، وبوار أكثر من مليوني فدان. واللافت في أسباب عدم الاهتمام هو الثقة في قدرة النظام على الوصول إلى حل مع إثيوبيا يجنب البلاد هذه النتيجة، ولأنه لا توجد أي استجابة لأي دعوة للدخول في مغامرة عسكرية، والأمر نفسه بالنسبة لأعمال الإرهاب، رغم استمرار إقامة جنازات لضباط وجنود من الجيش والشرطة يقتلون في أعمال إرهابية، كل عدة أيام. وهكذا يمكن تطبيق القاعدة نفسها على دعوات ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني، والخلافات داخل جماعة الإخوان، والضجة الهائلة بسبب سجن إسلام بحيري، فلا اهتمام بها ولا بالمشايخ أيضا ولا الأزهر والشيعة والسنة.

المصريون عموما يعبرون مرحلة جديدة في اهتماماتهم سوف تستمر سنوات إلى أن تتبلور اتجاهاتهم السياسية، وهي لم تصل إلى هذا المستوى حتي الآن، وأكبر دليل أنهم لا يهتمون حتى بمجلس النواب الجديد، وما يحدث بين أحزابه وتكتلاته من صراعات وتبادل للاتهامات، رغم أنه سيعقد أول اجتماع له في العاشر من الشهر الحالي. واهتموا بليلة رأس السنة الميلادية ولم يهتموا بهدايا بابا نويل، لدرجة أن زميلنا الرسام في مجلة «روز اليوسف» القومية التي تصدر كل يوم سبت أخبرنا أنه شاهد بنفسه بابا نويل وهو جالس يستريح على دكة محطة أتوبيس وسمعه يقول لرجل:

- لأ ماجبتيش عيش وحرية وعدالة اجتماعية مكنتش متخيل أنكم معندكمش بس معايا عصير برتقال تاخد.

وإذا كان هذا ما اكتشفه بابا نويل فإن حادثا مأساويا آخر مثل، غرق سبعة عشر مواطنا انقلبت بهم «معدية» في نهر النيل في محافظة كفر الشيخ، لم يثر الاهتمام أيضا، رغم التوسع في النشر عنه لمعرفة الناس ما سيقال عن فوضى المعديات، واستهانة الناس بأرواحهم، إنما الاهتمام الأكبر متجه إلى أزمة مجلس إدارة النادي الأهلي والترتيب لإجازات نصف السنة، وبدأت نسبة كبيرة من سكان القاهرة تهتم بما نشر عن رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق، لأنها المدينة الوحيدة التي توجد فيها هذه الخدمة، وبسبب خوفها من رد الفعل، سارعت الحكومة إلى إلقاء كرة النار على حجر أعضاء مجلس النواب من الآن، بأن قالت إن قرار الزيادة لابد أن يصدر عنه ولا يعرف أحد ماذا سيكون موقف الأعضاء المنتخبين عن القاهرة بالذات، أمام ناخبيهم. كما لا يعرف أحد إن كان الرئيس السيسي سيتدخل بنفسه لإقناع مستخدمي المترو بالزيادة؟ وهناك اهتمامات خاصة بقطاعات من المجتمع وفي العديد من المحافظات تنتظر إتمام المشروعات التي سيستفيدون منها بشكل مباشر. وإلى شيء من أشياء عندنا..

قضية إسلام بحيري

ونبدأ بأبرز ردود الأفعال على الحكم الذي أصدرته محكمة مستأنف بتخفيف الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بحبسه خمسة أعوام إلى سنة واحدة فقط. فصاح يوم الخميس في جريدة «المقال» زميلنا طارق أبو السعد متهما الرئيس السيسي بأنه يتحمل المسؤولية عما جرى لإسلام بقوله: «الرئيس سبب مباشر في الأزمة الحالية، فهو أول من شجعنا على أن نتحدث في هذه الموضوعات، باعتبارها من تجديد الفكر الديني ولم نكن نعلم أن الرئيس يعمل لنا كمينا، حتى يكتشف أصحاب الفكر التنويري، ثم يطلق عليهم رجاله من شيوخ الأزهر تنهشهم في المحاكم، لم نكن نعلم أنه بإصراره على مخاطبة شيوخ الأزهر إنما يعطيهم الضوء الأخضر لمزيد من قضايا الحسبة، وازدراء الأديان وحبس الفكر وحملات التشوه الممنهجة، لم نكن نعلم وها نحن تعلمنا الدرس وتعلمنا أننا يجب أن نشق طريقنا «طريق التنوير» بأيدينا وأن ندفع ثمن هذه المعركة أيضا، المتسبب في هذه الأزمة هو إسلام بحيري نفسه فهو من أورد نفسه المهالك و«يستاهل اللي يجراله» حد في الدنيا يصدق أن في مصر أي محاولة جادة وحقيقية للتنوير ولتجديد الفكر الديني؟ .

الأصل عند رجال الدين

أن يظل العامة دهماء

ونترك أبو السعد في سعادته باتهام الرئيس لنتجه إلى «الأخبار» لنكون مع صديقنا الأديب إبراهيم عبد المجيد وقوله في مقاله الأسبوعي كل أربعاء: «ما علاقة إسلام بحيري بازدراء الأديان؟ هل قدح الرجل في وجود الله؟ هل قدح في النبي عليه السلام؟ هل قدح في الصلاة أو الزكاة، أو أي ركن من أركان الإسلام الخمسة؟ الرجل ناقش بعض جامعي الأحاديث عن الرسول مثل، البخاري وأبي هريرة، وكيف أن كثيرا منها لا يتسق مع العقل ولا مع أخلاق الرسول، ولا مع جوهر نصوص القرآن، ومن ثم يجب إعادة النظر فيها. لم يأتِ الرجل بجديد فعشرات المفكرين كتبوا في ذلك على مر السنين طيب ما المشكلة؟ المشكلة أنه كان يقول ذلك في التلفزيون، أي أمام أعداد ضخمة من العامة، وهذا هو ما أربك الأزهر ورجاله وكثيرا من رجال الدين، الأصل عند رجال الدين أن يظل العامة دهماء يمشون كالقطيع وراء أفكارهم، لكن أن يصل إليهم أحد وبهذه السرعة والطريقة فهو أمر غير مرغوب ولا مطلوب، رغم أن العشرات منهم يطلون من برامج أقوى وأكثر انتشارا من برنامج إسلام بحيري».

رجال الأزهر استنكفوا إدانة «داعش» وجرائمه

ونظل في «الأخبار» حتى اليوم التالي الخميس إكراما للجميلة زميلتنا عبلة الرويني لنقرأ لها وهي غاضبة قولها في عمودها اليومي «نهار»: «يحدث هذا في مصر بعد ثورتين أعادتا الاعتبار للعقل والإرادة والحلم بالتغيير! مصر المطالبة بتجديد الخطاب الديني (الذي أنتج جموده وتشدده على امتداد سنوات جماعات الإرهاب والتطرف والدواعش). مصر المدافعة بنص الدستور عن الحريات وحق التعبير والرأي ومنع الحبس في قضايا النشر والرأي! سنة حبس في سجن طرة لأن باحثا درس وبحث وفحص واجتهد لتطوير الخطاب الديني وتنقيته من الخرافات والأفكار الخاطئة؟! سنة في سجن طره لإسلام بحيري لأن أفكاره وأحاديثه حول الفقهاء لم تعجب شيوخ الأزهر فاتهموه بازدراء الإسلام، بينما هم أنفسهم استنكفوا إدانة «داعش» وجرائمه (الخارجة يقينا على الإسلام وعلى كل الأديان) حين اكتفى شيخ الأزهر بوصفهم بالفاسدين!».

القضاة وتفسير المادة 98

ونترك «الأخبار» إلى «المصري اليوم» الخميس أيضا لنكون مع جميلة أخرى هبة الحنفي التي أعدت تحقيقا جاء فيه: «المحامي الأسيوطي قال إن أغلب القضاة ينظرون إلى المادة 98 فقرة، «و» بعيدًا عن أسباب التشريع وملابساته قائلًا لـ«المصري اليوم» إنه تم إصدارها في أبريل/نيسان 1982، عقب اغتيال الرئيس محمد أنور السادات بشهور قليلة التي وقّع عليها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وكان له ظروف معينة، إذ كان المقصود به تجريم الجرائم التي تتعلق بالمساس بأمن الوطن، مؤكدًا أن المذكرة التوضيحية للقانون تقول إن المقصود من تلك المادة والفقرة بالتحديد هو منع السلفيين المتشددين من اعتلاء منابر المساجد، أو إذاعة خطب تؤدي إلى الفتنة الطائفية، وعلى رأسهم الشيخ عبد الحميد كشك. إن المادة التي سجنت إسلام بحيري وهي 98 من قانون العقوبات لا تتعلق بازدراء الدين، ولذلك فهي تأتي في القانون ضمن سلسلة مواد تتعلق بالمساس بأمن الدولة، ولم تكن ضمن المواد التي تتعلق بالاعتداء على الدين كالمادتين 161و162 من القانون نفسه، الحكم يصب في مصلحة «داعش» والدولة الدينية وبقاياها».

السيطرة على عباد الله باسم الدين

ونعود إلى صحيفة «المقال» عدد يوم السبت ومع زميلنا الكاتب نبيل عمر الذي تساءل مندهشا: «إذا لم نكن دولة دينية فكيف حكم على إسلام بحيري بالسجن مدانا لازدراء الأديان، بسبب هجومه الفكري الشرس على أئمة وشيوخ وكتب التراث؟ الدولة الدينية ليست عمامة، بل فكرة. ليست ثيابا بل أسلوب حياة. الحكم على إسلام بحيري اعتمد بالأساس على تقرير مجمع البحوث الإسلامية، الذي تسلمته هيئة المحكمة كشهادة، وكان المجمع هو الشاهد الوحيد في القضية، وشهد أن ما بدر من إسلام، يمثل مساسا بالعقيدة الإسلامية وهدما للدين الإسلامي من أساسه، بدءا من كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد «صلى الله عليه وسلم» واجتماع علماء أئمة الإسلام، مما يتضمن تهكما وتطاولا وسخرية وسبا لجميع الأئمة، بالإضافة إلى تطاوله على علم الحديث الشريف وعلمائه، مما يهدر هيبة العلماء في قلوب محبيهم وقطعا لسلسلة نقل العلم من السلف للخلف. لا يهم رجال الدين أن تخرب الدنيا أو تعمر طالما هم يحافظون على سلطانهم ونفوذهم ومكاسبهم، وطبعا تحت دعاوى رنانة تسجي أسماع البسطاء وأنصاف المتعلمين والمتعلمين محدودي المعرفة، غير القادرين على الإلمام بدينهم وفهمه، بأنهم يملكون صحيح الدين ويحمون الإسلام من الإغارة عليه وينيرون للناس طريق الهداية، وهنا لا أتحدث عن الدعوة إلى الدين فهي أمر واجب ومستحب، لكن السيطرة على عباد الله باسم الدين أمر آخر».

حكومتنا تغتبط بسكسوكة رئيس الوزراء

وما دمنا قد عدنا إلى «المقال» بسبب نبيل فقد أعادنا زميلنا وصديقنا حمدي رزق إلى «المصري اليوم» في يوم السبت نفسه لنقرأ له قوله في عموده اليومي «فصل الخطاب»: «الضابط الذي رفض وضع القيد الحديدي في أيدي إسلام بحيري واصطحبه معززاً مكرماً إلى عربة الترحيلات يتصاغر أمام تصرفه الأخلاقي كل من عمل على سجن إسلام. ضرب مثلاً في السماحة لم يشأ أن يهين رجلاً فكَّر واجتهد فأصاب وأخطأ. ضابط يعرف أن «إسلام» لم يسرق ولم يزن ولم يُفت بسفك الدماء ولا خرج على الناس شاهراً سيفه، فطرته السليمة دلته على أن هذا الرجل صاحب فكر وإن لم يرق هذا لمُلاك الحق الحصري في التفسير والتأويل، سدنة التراث القوامين على الإيمان، من أخذوا العهد عن الغابرين. والله ضابط بيفهم من مدرسة العقل أعمل عقله ولم يرض بإهانة الرجل، وهناك من سجنه عبرة لمن يعتبر، إذا اقتربتم احترقتم حزب رجال الدين هو أقوى حزب في مصر، حتى حكومتنا تغتبط بوصفها سُنية بأمارة سكسوكة رئيس الوزراء. رجال الدين هم من يحكمون الشارع من على المنبر، هؤلاء لن يجددوا ديناً ولن يعصرونا فقهاً فقط سيسجنون المفكرين في ضباب التكفير والتفسيق».

مواجهة الفكر.. لا تكون إلا بالفكر

ومن المعروف أن كلمة «سكسوكة» عامية مصرية المقصود بها اللحية الصغيرة وتستخدم للسخرية من الذين يطلقونها مثل القول «عيب عليك يا راجل يا أبو سكسوكة». المهم أن هذه الهجمات انتصارا لإسلام بحيري لم تعجب زميلنا في «الوفد» عصام العبيدي كما لم يعجبه من رفعوا الدعوى ضده فقال عنهم:

«- بين يوم وليلة.. أصبح المدعو إسلام البحيري.. شهيدا للحرية.. ومثالا حيا.. للاضطهاد الديني في مجتمعاتنا الإسلامية.

- يا جماعة ﻻ تكونوا كـ«الدبة» التي قتلت صاحبها.. لقد آذيتم الإسلام.. أكثر مما أفدتموه بسجن هذا المدعي.. صاحب الفكر المريض.. بل أضفتم له قيمة وأهمية لا يستحقها والله.

- فمواجهة الفكر.. لا تكون إلا بالفكر.. وليس بالأحكام القضائية والسجن.

- وقد رأينا كيف استطاع العالمان الجعفري والأزهري.. كشف ادعاءات وجهل هذا الشاب الباحث عن الشهرة.. عن طريق البحث عن الإسرائيليات.. وكل ما هو شاذ في كتب التراث.. أي إنه أوغل بجهل في الإسلام.

- وللأسف.. بعض الإعلاميين يمارسون التزييف والتدليس.. ويصورون للناس ـ خطأ ـ أن ما كان يفعله المدعو إسلام البحيري.. ما هو إلا محاولة لـ«تجديد» الخطاب الديني!

- بل يسيئون للرئيس.ودعوته لتجديد الخطاب الديني.. بأن هذا المدعي كان ينفذ «دعوة» الرئيس ويلبي نداءه، وهذا أكبر إساءة للرئيس الذي لا يقصد أبداً هدم ثوابت الدين الحنيف.

- يا سادة تجديد الخطاب الديني.. لا تعني هدم ونسف ثوابت الدين.. أو إهانة الأئمة الأربعة وتسفيه اجتهاداتهم وتسميتهم بالمخرفين الأربعة.

السيد البابلي: نحن مع الدعوات

لعدم ملاحقة أهل الرأي والفكر

والموقف نفسه اتخذه في يوم السبت أيضا زميلنا في «الجمهورية» السيد البابلي بقوله: «إعلام الوصاية الجديد أصبح أيضاً يحاول التدخل في أحكام القضاء، والتأثير عليه بالمدح أو بالانتقاد، فبعد صدور حكم قضائي بحبس إسلام البحيري الباحث في تجديد مناهج الفكر الإسلامي لمدة عام، بتهمة ازدراء الإسلام فإن العديد من الأوصياء الجدد على المجتمع من الإعلاميين، انطلقوا يناشدون الرئيس إصدار قرار للعفو عنه وبعضهم زاد في ذلك بانتقاد القضاة، الذين أصدروا الحكم والتنديد بحبسه.

وانتقاد الأحكام القضائية إعلامياً هو مؤشر آخر على حالة الفوضى في المفاهيم واختلاط كل الأوراق، التي يمكن أن تؤثر على العدالة وتؤدي إلى التشكيك في أحكامها. ونحن مع كل الدعوات المساندة لعدم ملاحقة أهل الرأي والفكر، والتعامل مع الرأي بالرأي والحجة بالحجة، ولكننا أيضاً مع مساواة الجميع أمام القانون والعدالة. إذا كنا فعلاً نريد أن ندعم ونثبت دعائم دولة القانون».

التعرض لرموز الأزهر الشريف وقاماته

وإلى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، الذي حظي يوم الخميس بدفاعين قويين عنه ضد الهجمات التي تشنها ضده جريدة «المقال» وذلك في جريدة «اللواء الإسلامي» التي تصدر كل خميس عن مؤسسة أخبار اليوم «قومية» فقال رئيس تحريرها زميلنا عبد المعطي عمران وهو يقصد رئيس تحريرها زميلنا وصديقنا إبراهيم عيسى، وكذلك ما حدث لإسلام بحيري: «هناك إعلامي آخر، نسأل الله له الهداية، لا يتورع عن التعرض لرموز الأزهر الشريف وقاماته، خاصة شيخه الجليل الدكتور أحمد الطيب، الذي دائما نراه يترفع عن الصغائر ولا يرد على تطاول بعض الصغار على قيمته وقامته، وكم تعرض هذا الرجل الفاضل لسفاهة السفهاء وجهل الجهلاء، في زمن نطق فيه الروبيضة وتطاول فيه الأقزام على أصحاب القامات العالية والمكانة العلمية الشامخة، وإن كان حلم الشيخ الجليل يمنعه من الرد على أمثال هؤلاء النكرات، فإن الغيورين على الأزهر ورموزه يجب عليهم ألا يلوذوا بالصمت، بحجة أن الرد على هؤلاء الأقزام والسفهاء سيعطي لهم حيثية ويعطيهم قيمة لا يستحقونها، وأضعف الإيمان أن يلجأ الغيورون إلى القضاء لإنصاف علمائنا الأجلاء، وإخراس ألسنة السفهاء والعملاء والمأجورين لتشويه الدين ورموزه وقاماته الشامخة، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس. الشاعر يقول «إذ أنت أكرمت الكريم ملكته .. وإن أكرمت اللئيم تمردا» وقيل: «من أمن العقوبة أساء الأدب». إمامنا الأكبر لا تحزن من سفه السفهاء وجهل الجهلاء وغباء العملاء، ويكفيك حب الناس وتقدير العلماء، وعاش أزهرنا العامر منارة للعلم وقبلة للعلماء».

شيمة شيخ الأزهر التسامح والعفو والصفح

والدفاع الثاني عنه كان صاحبه الدكتور عبد الفتاح العواري عميد كلية أصول الدين في جامعة الأزهر فرع القاهرة وفيه قال «بوابة الأزهر»: «في الآونة الأخيرة دأبت فئة ممن ليس لديهم نصيب من خلق ولا حظ لهم من أدب، بالتطاول على مقام شيخ الأزهر، وأنه إمام المسلمين وشيخ الإسلام بلا منازع. لقد عرفته الدنيا كلها بوسطيته واعتداله وحسن خلقه واستقامة فكره ورجاحة عقله وطيب قلبه وعفة لسانه وطهارة يديه وإخلاصه لوطنه وغيرته على دينه وأمته ودفاعه عن نبيه «صلى الله عليه وسلم» وذوده عن سنته.

إن مهاترات هؤلاء السفهاء وصياحهم لا يزيدهم في نظر العقلاء إلا صغارا واحتقارا، فكيف إذا كانت المهاترات تتعلق بقامة وقيمة اتفقت الدنيا كلها حكاما ومحكومين على تقديره وإجلاله واحترامه، بل أجمعت جميع الأوساط الدينية والعلمية، بل والدوائر السياسية على ذلك. إن أردت دليلا على ذلك فإن إجماع علماء المسلمين في العالم على اختياره رئيسا لمجلس حكماء علماء المسلمين خير دليل، وإذا كان هؤلاء الصغار لا يعرفون قدر الكبار من العلماء الربانيين، فالله رب العالمين هو الذي رفع قدر العلماء ومدحهم وأثنى عليهم في كتابه الكريم، قال تعالى: «إنما يخشى اللهَ عباده العلماءُ». لقد أكرم الله مصرنا والعالم العربي والإسلامي أجمع بهذا الطيب، فجاء لهذا المكان في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة، فكان نعم الربان لهذه السفينة، حتى وصل بسفينة مصر مع المخلصين من أبنائها بر الأمن بحكمته وسعه أفقه، لقد وحد بين جناحي الأمة وقضى على ما كان يخطط له أعداء مصر من نشوب حرب طائفية بين أبناء الوطن الواحد. شيمة الشيخ الجليل التسامح والعفو والصفح ولا غرابة في ذلك، لقد أخذ حظا وافرا من ميراث النبوة، فكما جاء في الحديث «العلماء ورثة الأنبياء» ولا غرابة في ذلك فهو سليل بيت النبوة الأطهار فعلمه وخلقه وقيمته وتربيته التي نشأ عليها تنأي به أن ينازل هؤلاء السفهاء».

الشعراوي يصلي ركعتي

شكر لله بعد هزيمة مصر!

وأنا لا أريد الدخول طرفا في هذه المعركة إنما أنا ناقل لكل وجهات النظر بحيادية، ولكن بعض ما ورد في دفاع الدكتور عبد الفتاح يجعلنا نسأله هل يجوز لعميد كلية أصول الدين أن يورد قول الله سبحانه وتعالى «إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ» من دون أن يفسرها التفسير الحقيقي، وهو أن العلماء هم من يخشون الله، لا كما فهمها البعض منذ عشرات سابقة من السنين بأن الله واستغفره مليار مرة يخشى العلماء.

وما رأيه مثلا في تأييد عدد من كبار العلماء الغزو الأجنبي لبلاد المسلمين، مثلما فعل الشيخ الشعراوي عندما قال، إنه صلى لله ركعتين شكر بعد هزيمة مصر أمام إسرائيل عام 1967، والكلام مسجل في التلفزيون، وفي ما لا يقل عن ثمانية أحاديث صحافية؟ وما رأيه في تأييد شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي عام 2003 وفي كلمة أمام المؤتمر الخامس عشر لمؤتمر علماء المسلمين، بتأييد الغزو الأمريكي البريطاني للعراق ووصفه بأنه جهاد. أما قوله إن الشيخ أحمد الطيب أخذ حظا من ميراث النبوة وإنه سليل بيت النبوة فيقودنا إلى قضية الأزهر والشيعة والسنة.

إحياء وقائع الفتنة الكبرى من جديد

وإلى الفتنة التي يشعلها البعض بين السنة والشيعة وقال عنها يوم الخميس في مقاله الأسبوعي في «الأهرام» قدري حفني: «يجرى إحياء وقائع الفتنة الكبرى من جديد، كما لو كانت قد وقعت منذ أيام. ولم يعد الأمر جدلا فقهيا بين مذاهب سنية ومذاهب شيعية؛ بل أصبح بين دول ومصالح دولية وإقليمية كبرى، تتخذ من الدين سندا لدعاواها، ومن جماهير المتدينين وقودا لحربها، التي لم يعد هدفها غامضا. إنه تمزيق دول المنطقة وإغراقها في فوضى دموية تحولها في النهاية إلى دويلات، أو إمارات دينية مذهبية. لم يعد ذلك الهدف بعيدا يتطلب إعمال الفكر والتخيل لتبين ملامحه؛ بل إنه يتجسد شيئا فشيئا، بداية من فلسطين إلى العراق إلى سوريا إلى ليبيا، وها هو يدق أبوابنا في سيناء؛ بل تمتد دعواته وأذرعه إلى داخل الوطن. تُرى ألم يحن الوقت بعد ليستيقظ الجميع ويدركوا أن أحداث الفتنة الكبرى قد انتهت منذ ما يزيد على ألف عام؛ وأن المخرج الوحيد هو التمسك بالنموذج المصري بدلا من محاولة تشويهه».

«نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة»

أما شيخ الأزهر فقال في حديثه الأسبوعي على الفضائية المصرية نقلا عن جريدة «صوت الأزهر» الأسبوعية التي تصدر كل جمعة: «ما يذاع ويبث على بعض الفضائيات المخصصة لسب صحابة الرسول – صلى الله عليه وسلم- وفي مقدمتهم الخليفة الأول أبو بكر، الذي بايعه سيدنا علي – رضي الله عنه- وكذلك سب السيدة عائشة ـ ليس له منطق يبرره، ولا أريد أن استرسل فيه؛ لأنني حريص على وحدة المسلمين. وهذه القنوات تستهدف شباب أهل السنة الذي بدأت الخطط الجهنمية تشتريه بأموال لتنحرف به عن الجادة. القرآن الكريم نص على تخصيص بعض الفيء للنبي صلى الله عليه وسلم في سورة الحشر قال تعالى: «مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَهْل الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ..». ذلك أن الله تعالى خص نبيه – صلى الله عليه وسلم- بفيء أي: أرض زراعية من قُريظة والنضير في المدينة وفدك على بعد 3 أيام من المدينة، فكان النبي ينفق منها على أهله نفقة، ويرد الباقي ليصرف في إعداد جيش المسلمين. إلى أن تُوفِّي النبي – صلى الله عليه وسلم- ذهبت السيدة فاطمة – رضي الله عنها- لأبي بكر تطلب منه أن يورثها هذه الأرض، باعتبار أنها كانت ملكًا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- وأنها وارثته الوحيدة، وكان قد ثبت عند أبي بكر وكثير من الصحابة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث, ما تركناه صدقة»، وانطلاقًا من هذا المعنى اعتذر أبو بكر عن تسليم الأرض للسيدة فاطمة رضي الله عنها. وتفهمت السيدة فاطمة هذا الموقف وانتهى أن أبا بكر ـ رضي الله عنه- كان يتصرف في الفيء حسبما سمع من النبي – صلى الله عليه وسلم- بدليل أنه لم يعطِ ابنته عائشة ـ رضي الله عنها- من هذا المال شيئا، مع أنها زوجة النبي – صلى الله عليه وسلم- ولها ميراث مثل السيدة فاطمة ـ رضي الله عنها- مما يدل على أن أبا بكر لم يتآمر على السيدة فاطمة وإنما كان ينفذ أوامر من النبي – صلى الله عليه وسلم- وكان عمل الشيء نفسه. وهذا ما يجب على شباب أهل السنة وشباب أهل الشيعة أن يعلموه؛ ليدركوا أن الهجوم على أبي بكر – رضي الله عنه- لا يصدر من مسلم يحترم النبي – صلى الله عليه وسلم».

المصريون رفضوا أن يمنحوا

السلفيين أصواتهم في الانتخابات

ونظل مع القضايا الخاصة بإخواننا الإسلاميين ومنها الغارات الجوية التي قتلت في سوريا زهران علوش، وقيام السلفيين المصريين بنعيه، ما أثار غضب زميلنا وصديقنا في «الأهرام» نقيب الصحافيين الأسبق مكرم محمد أحمد، الذي قال في عموده اليومي «نقطة نور» يوم الأربعاء تعليقا على نعي ياسر برهامي نائب رئيس جمعية الدعوة السلفية: «عندما ينعى ياسر برهامي رئيس حزب النور بهذه الكلمات المكلومة إرهابيا كبيرا مثل زهران علوش، قائد «جيش الإسلام» في سوريا الذي رفع السلاح على وطنه، وأطلق على العاصمة دمشق مئات الصواريخ والقنابل العشوائية لتقتل آلاف الأبرياء، فإن لنا أن نتساءل عن جوهر وحقيقة معتقدات ياسر برهامي وجماعته، لأنها تحبذ جرائم الإرهاب وتضفي عليها قداسة دينية، وأظن أن من حق كل مصري أن ينتبه بعد هذه التصريحات إلى المخاطر المحتملة من ياسر برهامي وأقرانه، الذين بالغوا في عدائهم المصطنع لجماعة الإخوان المسلمين، حلفائهم بالأمس القريب، في عملية تمويه ماكرة تستهدف خداع المصريين والضحك على ذقونهم. لكن رثاء ياسر برهامي لزهران علوش يزيل هذه الغشاوة الكاذبة لنكتشف أننا إزاء حزب سياسي ديني يخفي انحيازه للعنف والإرهاب، تحت رداء التقية أو انتظارا للحظة مناسبة، لكن المصريين كانوا خير الماكرين وكانوا أسبق من حكومتهم في الفصل بين الدين والسياسة، عندما رفضوا أن يمنحوا السلفيين أصواتهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لأنهم يخفون وجها آخر لا يقل قبحا هو وجه العنف والإرهاب».

سعيد الشحات: زهران علوش

لم يكن تعبيرا عن حالة مستقلة

أما زميلنا في «اليوم السابع» سعيد الشحات فكان رأيه يوم السبت: «حين تتحدث أمريكا عن أن مقتل زهران علوش زعيم تنظيم «جيش الإسلام»في سوريا يؤدي إلى تعقيد حل الأزمة، فلا بد أن يخضع هذا الرأي لعشرات علامات الاستفهام. وحين تتحدث أطراف عربية بمثل ما تحدثت به أمريكا، فحتما سنعرف أن»علوش»لم يكن تعبيرا عن حالة مستقلة تبحث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان كما يتشدق الغرب، وإنما حالة صنيعة أطراف إقليمية ودولية لأغراض تخصها هي وليس لها علاقة من بعيد أو قريب بسوريا، التي يطمح الشعب السوري إليها ويريدها كل إنسان عربي، وحين يصف السياسي اللبناني وليد جنبلاط اغتيال «علوش» بأنه «اغتيال للعملية السياسية»، فهذا يعني أننا أما حلف يتأسى على فقيد كان ينفذ أهداف وخطط كل أطراف هذا الحلف فهؤلاء لن نجد فيهم من يقاتل من أجل الديمقراطية والعدل والحياة بكرامة، لن نجد فيهم من يقاتل من أجل فلسطين ومن أجل تحرير الأرض المغتصبة، ولن تجد فيهم من يقاتل من أجل مشروع للنهضة».

فتوى صلاة المسلم في الكنيسة

وإلى الفتاوى من صفحة « أسألوا أهل الذكر» في جريدة «عقيدتي» الدينية التي تصدر كل ثلاثاء عن دار التحرير «قومية» التي تصدر صحيفتي «الجمهورية» و»المساء» اليوميتين وأجاب عنها الشيخ فوزي القوصي ومنها سؤال من طه محمد عباس هو:

- هل يجوز إن حضرت الصلاة أن نصلي في الكنيسة إذا تيسر لنا ذلك؟

رد عليه قائلا: «الكنيسة من دور العبادة ولتعلم أيها السائل أن الأرض جميعها جعلت مسجدا طهورا بدليل الحديث القائل: «أوتيت خمسا لم يؤتهن نبي من قبل، منهما «جعلت لي الأرض مسجدا وتربتها طهورا» وقد احترم الإسلام دور العبادة في كل الأديان، فقال البخاري: «كان ابن عباس يصلي في كل بيعة إلا بيعة فيها تماثيل، وقد كتب إلى عمر من نجران أنهم لم يجدوا مكانا لصلاة سوى بيعة فكتب إليهم أمرهم بالصلاة فيها إماما، وروي عن سيدنا عمر أنه رفض الصلاة في كنيسة القيامة لقوله عندما عرض عليه الصلاة فيها إنني أخشي أن يتخذها المسلمون مسجدا بعدي»، فإن مقولته هذه لأنه أمير المؤمنين وهو متبع وعمل الصحابة يؤنس به خوفا على دوام العلاقة بين أهل الكتاب. كانت مقولته هذه تأمينا لملكية الكنيسة خوفا أن يتخذها المسلمون مسجدا. أما من أدركته الصلاة وهي في زيارة لإخوانه المسيحيين في كنائسهم أو معابدهم فلا مانع من الصلاة فيها، لأننا جميعا نعبد إلها واحدا ونحن جميعا من طين الأرض أبو