كمال بالهادي

«ترامب في البيت الأبيض»، خبر قد لا يكون مفزعاً أو غريباً بعد أشهر قليلة من الآن. هناك محاولات مستميتة من أجل منع الرجل المثير للجدل، من أن يصل إلى مقر السيادة الأقوى في العالم. لكن كل القلاع والحصون والدفاعات التي بناها الجمهوريون أنفسهم لمنع ترشيح مناصريهم لترامب، قد سقطت الواحدة تلو الأخرى في الأشهر الماضية، وسيتوجه الجمهوريون كلهم خلال الأشهر المتبقية إلى توحيد جهودهم من أجل ضمان وصول مرشحهم للرئاسة.

قد يبدو الأمر غريباً، وهذا صحيح، ولكن في عالم مثل عالمنا الذي نعيشه، لم يعد هناك شيء يثير الاستغراب حقيقة، فمثلما يقول الراحل غابريال غارسيا ماركيز «في الواقع ما هو أغرب من الخيال». وفي علم السياسة، ليس هناك شيء ثابت، لأن المصالح هي التي تحدد المواقف النهائية، لقوى الضغط وللناخبين أيضا. وفي الحالة الأمريكية قد يجد الناخب نفسه مضطراً إلى الركوب في سفينة ترامب، بعد أن خذلته حملة «نعم نستطيع» التي كانت شعار حملة الديمقراطيين في الانتخابات التي أوصلت أوباما إلى الحكم. واتضح بعد ذلك أن الديمقراطيين لم يستطيعوا تغيير أوضاع الأمريكيين إلى الأفضل.

في عالم السياسة المتقلّب، قد يكون وصول ترامب اليميني المتطرف ، كما يصفه خصومه، أمراً عادياً في ظل الزحف اليميني على الساحة السياسية الدولية، وخاصة في أوروبا. هل يمكن إنكار أن البرلمان الأوروبي، هو الآن في قبضة ما يسمى اليمين المتطرف؟ وهل يمكن إنكار أن اليمين الفرنسي المتطرف والمعادي للمسلمين والمهاجرين، يزحف على الساحة السياسية الفرنسية، ويربك أصحاب القرار، ودفع في الانتخابات الجهوية إلى إقصاء الحزب الاشتراكي ولم يتم إيقاف زحفه إلا بتحالف تاريخي بين الاشتراكيين وساركوزي. وفي أكثر من بلد أوروبي، يتم اللعب على وتر الخصوصية القومية، والتحذير من خطر المهاجرين، كوسيلة لجذب الحصة الكبرى من الناخبين. وترامب خلال الحملات الترشيحية، داخل الحزب الجمهوري استعمل ذات الوسيلة التي تستعملها الأحزاب اليمينية، وحقق بفضلها انتصارات ساحقة على كل خصومه الذين تدعمهم قوى الضغط الكبرى في الولايات المتحدة ، وخاصة اللوبي اليهودي.

إن فلسفة ترامب الانتخابية ليست جديدة، فهي التي أوصلت عائلة لوبان في فرنسا، إلى درجة تطيح فيها أكبر الأحزاب الفرنسية، ونعني الحزب الاشتراكي ليحل ثالثاً في الانتخابات الإقليمية والجهوية. وهذه العقلية هي التي أوصلت هتلر وموسوليني في بدايات القرن العشرين إلى قمة السلطة في ألمانيا وفي إيطاليا. وإذا ما جاز لنا تسمية ترامب ب«الحالة السياسية» الفريدة في الولايات المتحدة، فإنه لا مجال للاستغراب أيضاً، لأن من انتخب جورج دبليو بوش ليحكم الولايات المتحدة لمدة ثماني سنوات كاملة، لن يتردد في ترشيح ترامب.

سيستند ترامب في حملته الانتخابية لرئاسيات تشرين القادم، على إثارة الناخب المحلي، من خلال مواصلة طرح القضايا التي يعتبرها منافسوه قضايا مثيرة للجدل ومن بين هذه المسائل:

- ربط قضية البطالة، بقضية المهاجرين الذين ينافسون المواطنين على لقمة عيشهم، بل أصبحوا يحظون بالأفضلية في مواقع العمل. ومن هنا فإن إثارة مشاعر الكراهية تجاه المهاجرين، هي قضية «مثمرة» في المنافسات الانتخابية.

- يريد الأمريكيون، الحصول على وظائف، وعلى أجور محترمة، وعلى خدمات اجتماعية متطورة، وكل المرشحين السابقين قدّموا وعوداً كبرى لكنهم لم ينجحوا في تغيير الواقع، وهنا قد يكون ترامب أكثر إقناعاً لأن خطابه السياسي أكثر وضوحاً.

هناك نقطة أخرى مثيرة للانتباه، وهي عجز قوى النفوذ واللوبيات عن إيقاف زحف المرشح الجمهوري، وهذا يدل على أمرين، فإما أن هذه القوى لا تملك سلطة أقوى من ترامب، بحيث تعيقه في الحملات التمهيدية، أو أنها تصمت، في شكل من الدعم الخفي، بحسب ما سيقدمه لها من ضمانات عند ترشيحه. هنا ظهرت في الآونة الأخيرة، دعوات من اللوبي الصهيوني بهدف فتح قنوات اتصال مباشرة مع ترامب لمعرفة مصير العلاقات مع الولايات المتحدة، في حال وصوله إلى البيت الأبيض. وهنا يمكن القول إن المثل «في البداية يتجاهلونك ثم يحتقرونك ثم يحاربونك ثم تنتصر»، يصح عند دراسة حالة ترامب. فمن كان يسخر منه خلال الأشهر الماضية صار يتقرب منه، وربما سيسعى لنيل رضاه خلال أشهر قليلة.

إن التفاعل مع معطيات الواقع الأمريكي بطريقة عقلانية، يجعلنا نقرّ أن انتصار ترامب في السباق الرئاسي المقبل، ليس أمراً من الخيال. إن ما يقوله ترامب في تصريحاته الإعلامية يقوله جميع السياسيين في العالم عندما يتعلق الأمر بالحديث عن المصالح الوطنية، والفرق الوحيد بين ترامب وغيره، هو أنه يقول ما لا يريد الآخرون المجاهرة به.