&مصر:&ارتفاع الأسعار يخصم من ثقة الناس في الحكومة… والشعب لم يعد قادرا على شد الأحزمة أكثر

حسنين كروم

&لا تزال نتيجة امتحانات الثانوية العامة والاستعداد لفتح مكاتب تنسيق القبول في الجامعات تستحوذ على اهتمامات الأغلبية، مع صعود سعر الدولار لأكثر من اثني عشر جنيها.
ووصلت الأمور إلى حد أن زميلنا الرسام في جريدة «روز اليوسف» الحكومية أحمد دياب ذهب إلى محل الجزارة المجاور لمنزله لشراء نصف كيلو لحم فلم يجد ذبائح معلقة وإنما مواطن بائس والجنية المصري.


واهتمت الصحف باللقاء الذي تم بين البابا تواضروس الثاني مع عدد من أعضاء لجنة الشؤون الدينية في مجلس النواب لتهدئة غضبه الذي أعلنه بسبب أحداث المنيا وغيرها، ولوحظ أن الصحف الحكومية تعمدت نشر ما دار في المقابلة في مساحات صغيرة تكاد تكون متساوية، بينما نشرته «المقال» و»الشروق» في مساحة أكبر. أما «المصري اليوم» فخصصت مساحة أوسع، بينما لوحظ أن صحيفة «اليوم السابع «الخاصة المملوكة لرجل الأعمال أحمد أبو هشيمة نشرت ما دار في مساحة أقل من «المصري اليوم» إلا أنها اختارات عنوانا غريبا هو «البابا تواضروس في أغرب تصريحاته»، مش كل أقباط المهجر هيسمعوا كلامي. ولا أعرف إن كان ذلك قد مقدمة للهجوم على البابا أم عتابه.
وهكذا في ما عدا الثانوية العامة والأسعار وقضية الفتنة الطائفية في بعض المحافظات لم تهتم الأغلبية بأي قضايا سياسية، رغم أن الأخبار والمقالات عنها ملأت صفحات الصحف مثل الانقلاب التركي واجتماع القمة العربية، الذي لم يحضره السيسي، بل وصل الأمر إلى حد عدم الاهتمام بما نشر عن أنه لم يحضر المؤتمر تحسبا لمؤامرة لاغتياله، ولا اهتمت بمحاكمات الإخوان ولا ما يكتب عنهم، ولا نشر حيثيات حكم محكمة الجنايات في قضية صديقنا صفوت الشريف والحكم بسجنه هو وابنه إيهاب خمس سنوات لكل منهما، وعشر سنوات على أشرف الموجود في الخارج في قضية الكسب غير المشروع. ولفت الانتباه تصريحان للفريق أسامة عسكر، رئيس القيادة الموحدة لقوات الجيشين الثاني والثالث شرق قناة السويس، بأن الجيش سيعلن قريبا عن خلو سيناء من الإرهاب وبدء مشروعات اقتصادية ضخمة.
ومن الأخبار التي أثارت اهتمامات قطاعات اجتماعية واسعة مختلفة حسب مشاكلها، الإعلان عن أن الشهر المقبل سيشهد بدء القضاء على مرض الكبد الوبائي وحكم محكمة القضاء الاداري في الإسكندرية بالزام الدولة بعلاج الفقراء من مرضى الشرايين التاجية، وصرف الأدوية لهم بالمجان، لأن ذلك من واجباتها. كما اهتمت الأغلبية بأخبار الأندية ومباريات الأهلي والزمالك. وإلى بعض مما عندنا.

الطائفية تشوه صورة مصر

ونبدأ بأبرز ما قاله البابا تواضروس عن الأحداث الأخيرة في المنيا نقلا عن زميلينا في «المصري اليوم» محمد غريب وعماد خليل في الصفحة السادسة: «الحوادث التي سمعنا عنها مؤلمة للغاية، لن نقبل سيطرة جهة معينة على بناء الكنائس في مصر، والقانون المعمول به حاليًا منذ عصر الدولة العثمانية وتلاحم الإسلام مع المسيحية مع الفرعونية، وتشكلت في مصر لوحة فريدة في العالم ومصر فيها المسلة الفرعونية والمنارة المسيحية والمآذن الإسلامية وهو ما يعرف بعلم الأعمدة، فمصر صاحبة فكرة الأعمدة، التي جعلت في الفرعونية مسلة والمسيحية منارة والإسلامية مأذنة. وفيها عصور مرت بها مصر حدثت فيها اعتداءات ومرت أيضا عصور طيبة على الكنيسة، وجاء الحاضر في النصف قرن الأخير والتلاحم المصري ازداد وصارت مصر معروفة بمسيحييها ومسلميها، وأن شعبها تركيبته فريده فلا تنظر إلى المسيحيين كأنهم أقلية. هذه الصورة الفريدة تتشوه وهذه مسؤوليتنا أمام العالم وأمام أجيالنا في المستقبل، وأمام التاريخ وأمام الله، الحوادث التي سمعنا عنها مؤلمة للغاية. الكنيسة تسيطر حتى الآن على غضب الأقباط فى الداخل والخارج، لكنها لن تصمد كثيرا أمام الغضب. أصدرت أمراً لأقباط المهجر في الولايات المتحدة بالتراجع عن التظاهر ضد الأحداث الطائفية الأخيرة، وقلت لهم مفيش مظاهرات تتعمل، وحتى الآن أنا مسيطر عليهم، لكن مش كلهم بيسمعوا الكلام. منذ بدء الاعتداءات لم يقدم مجرم واحد إلى المحاكمة، سوى مرة واحدة لن أذكرها.

قانون لتجريم التمييز

وفي المقابل قال سعد الجمال في «اليوم السابع» في لقاء أجراه معه محمود العمري وسارة علام: «إنه يعكف على تشريع قانون يغلظ العقوبات المتعلقة بالوحدة الوطنية، لأنها من جرائم أمن الدولة والاعتداء على الوطن مشيرا إلى أنه سيتقدم به للبرلمان باسم «ائتلاف دعم مصر». إن المجلس يدرس قانون بناء الكنائس، بالاضافة إلى إعداد مشروع قانون يجرم التمييز تطبيقا لاحكام الدستور والقانون. ووجه حديثه للبابا قائلا «الحكمة التي أتاك الله بها ضمانة للوطن ولعلك ترى ما حدث في بلاد مجاورة من هدم وتمزيق بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد، فنحن نتعرض لمؤامرة. وأشار الجمال إلى أن شؤون العبادات أمور خاصة بين الخالق والمخلوق، وحين جاءت المسيحية غيرت مفاهيم إذلال الناس إلى التحكم في النفس البشرية، وجاءت كدين علم ولقب المسيح بالمعلم وأرسل لمصر مرقص الرسول، ورفعت المسيحية شعار التسامح. مؤكدا أنا نتعرض لمؤامرة وصارت أدوات التواصل الاجتماعي أدوات تخريب في تأجيج الفتنة بيننا. وما يحدث يسيء إلينا أكثر مما يسيء للأقباط وهو ما تعلمناه من علاقتك مع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر».

معارك وردود

أما المعارك والردود فقد كثرت وتشعبت، وواصل زميلنا محمد إبراهيم رئيس تحرير جريدة «الجمهورية» أواخر أيام حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك إخراج ما سماه أسرارا في أحاديث له مع مبارك، حيث قال عن حكاية إثيوبيا والمياه، يوم الاثنين في «المصري اليوم» في مقاله الثالث وكان عنوانه «مبارك وإسرائيل والقذافي والنيل»: «فاجأني الرئيس الأسبق قبل أن أعاود سؤاله «عايز تعرف المؤامرة على النيل صحيح إسأل القذافي»، وضحك مبارك وهو يتذكر أنني خفت من السفر لليبيا أول مرة معه، بعد أن هاجمت العقيد بعنف في الجمهورية سألته: ماذا عن القذافي يا فندم؟ أجاب الرئيس أن القذافي نسى تماما وقوفنا معه في أزمة لوكربي، وبدأ يطالب مصر والسودان بمد فرع النيل إلى ليبيا لإحداث التنمية الزراعية، أفهمته أن هذا مستحيل ذهب إلى السودان وقوبل طلبه بالرفض، فجأة بدأ ينسق مع الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني الذي كان يتهم مصر بأنها لا تستغل مياه النيل بشكل مثالي، ولا بد من مساعدة القاهرة له لإقامة نظام ري لمعالجة التذبذب في فيضان النهر، وحتى لا تظل أوغندا أسيرة الاعتماد على الأمطار أو ذوبان الثلوج من جبل روينزوري. واستمر الرئيس الأسبق قائلا، المهم أن القذافي قال لموسيفيني إنه سيمول مصر بوسائل حديثة لتحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية أو النووية. من ناحية أخرى صدرت عن القذافي تصريحات أساءت لعلاقتنا الخليجية، حيث قال إنه سمع من الرئيس مبارك أن هذه الدول تعمل ضد مصلحة مصر بالاستثمار في إثيوبيا ودول حوض النيل. يؤكد مبارك لي أن هذا الكلام لم يصدر عنه، وقد قام بجولة خليجية لتحسين العلاقات، وأكد لهم أن القاهرة لا تتدخل في سياسات أي دولة، لكن من المهم أن يأخذوا القلق المصري من اتفاقية عنتيبي ومشاريع السدود من دول حوض النيل، بعين الاعتبار.
وقد نجح مبارك في محاصرة الأثر السيئ لمحاولات القذافي إلى أن أطاحت الثورتان المصرية والليبية بالرجلين. وأخيرا: أزعم أنني نقلت بأمانة ما سمعته بدون غرض، فالرئيس الأسبق لا يملك لي ضرا ولا نفعا، لكنها شهادة للتاريخ لرئيس وطني خدم بلاده كثيرا، ويبدو أن أسراره التى لم يرد أن يطلع عليها أحد أضرته أكثر مما نفعته، أسرار السياسة الداخلية المصرية خلال 30 عاما كثيرة وفيها دليل على أنه كان سريع الحسم، لكن عيبه الأكبر أن السرية التي تعلمها في العسكرية صاحبته في كل خطواته، وفي هذا حكى مرة واقعة طريفة تنم عن اعتزازه بنجاحه في إخفاء كل شيء، كان في غرفة العمليات الساعة 2 ظهر 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، ودخل عليه أحد مساعديه مسرعا ليقول «الطائرات أقلعت بدون أمر يا فندم» ورد الرئيس عليه باسما «اجهز طالعين الموجة الثانية»، ولم تكن هناك موجة أخرى شكرا لمن قرأ وشجعني وألف شكر لمن طالع وشتمني والله من وراء القصد».

صحافيون «حسب ما تودي الريح»

ولم ينتظر محمد إبراهيم كثيرا حتى يسمع من يشتمه في اللحظة نفسها إذ قال عنه زميلنا في «اليوم السابع» دندراوي الهواري وعن زميله عبد الناصر سلامة رئيس تحرير «الأهرام» السابق: «تحترم أصحاب المبادئ الثابتة حتى إن كنت ترفض أفكارهم وتعارضها بقوة، فالاختلاف أمر طبيعي وسمة بشرية، ويأتي على سبيل المثال لا الحصر الراحل عبدالله كمال على رأس هؤلاء، الذين لا تمتلك إلا أن تحترمهم وتقدرهم، فقد عاش متسقا مع أفكاره ومبادئه، من دون أي تلون. لكن هناك كتابا تسير مبادئهم وأفكارهم في طرق «زجزاجية» وعلى حسب الريح ما يودي الريح، ومن أبرز هؤلاء محمد علي إبراهيم وعبدالناصر سلامة.
محمد علي إبراهيم الصحافي «المترنم» بنظام مبارك عندما كان يحصل على راتبه الكبير من جريدة «الجمهورية» وهي الصحيفة الحكومية، ثم وبعد إزاحة نظام مبارك تحول الرجل إلى معارض قوى لنظام عبدالفتاح السيسي لأنه يحصل على راتبه من صحف ومواقع رجال أعمال ضد نظام السيسي، فقد ركب موجة المعارضة أيضا من باب «أكل العيش». محمد علي إبراهيم كان يدافع بكل قوة عن فساد مبارك وحصل على الجائزة حينها بتعيينه رئيسا لتحرير الصحيفة الحكومية «الجمهورية»، وتعيينه أيضا عضوا في مجلس الشورى ضمن المجموعة التي كان يختارها مبارك للتعيين في مجلسي الشعب والشورى. يهاجم السيسي الآن لأنه لم يمنحه أي «عطايا».
أما عبدالناصر سلامة فهذا الرجل حكايته حكاية سيرته المهنية على غرار الرسوم «الزجزاجية» وأيضا الرسم البياني «لرسم القلب» طالع ونازل ونازل وطالع، فقد كان من أبرز مؤيدي مبارك ونظامه ومدافعا عنه بكل قوة، ثم اندلعت ثورة 25 يناير/كانون الثاني وهاجمها بشراسة وتولى المجلس العسكري إدارة شؤون البلاد فساندهم، ثم وصل الإخوان للحكم فانقلب الرجل 180 درجة من مساندة ودعم مبارك ونظامه دعما كاملا، إلى المترنم والمبشر بنظام محمد مرسي وحصل على المكافأة حيث تم تعيينه رئيسا للصحيفة الحكومية «الأهرام» ليجلس على المقعد الذي كان يجلس عليه الأستاذ «محمد حسنين هيكل». لم يترك عبدالناصر سلامة نقدا سلبيا وسيئا للرئيس عبدالفتاح السيسي الذي تتحدث إنجازاته عنه إلا واستعان بها في وصلات الهجوم غير المبرر، وانتقل من خانة النقد البناء إلى الهجوم الضاري والهدام، وكأن إنجازات ومشروعات السيسي من وجهة نظر عبدالناصر سلامة الشهير بعبدالناصر «الزجزاجية» لم تصل إلى إنجازات المعزول مرسي؟! ولك الله يا مصر».

أيام وابور الجاز

ومن مبارك وأنصاره وخصومهما ومعاركهما إلى نوعية ثانية من المعارك حول ثورة 23 يوليو/تموز ومن يهاجمونها، وتصدي زميلنا في «الأهرام» أشرف أبو الهول يوم الاثنين للدفاع عنها في مقال له عنوانه «دولة وابور الجاز» قال فيه: «دائما ما يردد أعداء ثورة 23 يوليو 52 أن الأقتصاد المصري كان قويا قبل الثورة، وأن المصريين كانوا يعيشون في عز ورخاء ويدللون على ذلك بشيئين، أولهما أن الجنيه المصري كان يساوي أربعة دولارات. وثانيهما أن بريطانيا العظمى كانت مديونة لمصر، وهو أمر ينم عن سذاجة وسطحية وعدم بذل أي جهد لمعرفة الحقيقة، والحقيقة لمن يعلم صادمة. فيما يتعلق بارتفاع سعر الجنيه مقارنة بالدولار فالتفسير بسيط وهو أن المصريين كانوا من الفقر والحاجة لدرجة عجزهم عن استخدام أي شيء مستورد، وكانت الغالبية العظمى من المصريين لا تملك حتى الحق في الحلم بمعيشة رغدة، فمكونات بيوت الطبقة الوسطى كانت تخلو من أي شكل من أشكال الكماليات، فلا بوتاجاز ولا ثلاجة، ولم يكن التلفزيون قد دخل مصر من أساسه. أما التكييف فكان شيئا من علم الغيب وكذلك المروحة. وبالنسبة لبيوت السواد الأعظم من المصريين في الريف والصعيد فقد كانت مكوناتها الحصيرة والقلة والزير وزلعة المش ووابور الجاز والكانون «الفرن الفلاحي» وبالنسبة لوجود السيارات الخاصة في مصر فكان محدودا للغاية، واقتصرت ملكية السيارات الخاصة على الأجانب وعلية القوم في حين كان المحظوظ من أبناء البلد هو من يركب حافلة النقل الجماعي أو القطار. والمحصلة هي أنه لم تكن هناك حاجة للدولار لعدم وجود استيراد، علاوة على أن معظم الواردات كانت من الدولة المحتلة بريطانيا وبالجنيه الاسترليني، وفيما يتعلق بمديونية بريطانيا العظمى لمصر فلم تكن نتيجة قروض قدمناها لها نقدا، ولكن نتيجة خدمات لوجستية مثل النقل بالسكك الحديدية المصرية والحصول على المياه النقية وعلف الجياد وحصل البريطانيون عليها بالقوة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتم قيدها على النوتة وسقطت بالجلاء عن الأراضي المصرية».

إذلال
في لقمة الخبز

وإلى نوعية ثالثة من المعارك والردود بدأها يوم الاثنين زميلنا في «الوفد» رئيس تحريرها السابق مجدي سرحان ضد الحكومة بقوله في عموده اليومي «لله وللوطن»: «بين الشعب وقيادته التي وضع فيها كل ثقته وفوضها تفويضا رسميا في إدارة شؤون البلاد في ظرف تاريخي استثنائي كان فيه الوطن على حافة الانهيار أو الانزلاق في مستنقع الإرهاب والاقتتال والاستقطاب والطائفية والتقسيم، عهد ووعد بالأمان والاطمئنان والحماية وصون الحقوق والواجبات، عقد مكتوب ومسجل بألا ظلم ولا طغيان ولا إهدار لكرامة ولا إذلال في لقمة الخبز، عقد على حكم أساسه العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، إرادة قوية وإيمان راسخ بحسن الاختيار وصواب القرار نحافظ على هذا العهد ونريده مترجما إلى فعل وعمل لا مجرد أقوال وشعارات وعناوين للصحف. رضينا من البداية أن نتحمل فاتورة الطريق الصعب فهم الشعب الرسالة عندما دعته القيادة للتضحية والمشاركة في المسؤولية ودفع الكثير وتحمل الكثير من ضيق الرزق وشظف العيش والتقشف وشد الأحزمة وتأجيل الأحلام أملا في آتٍ أفضل ومستقبل أسعد يجني فيه ثمار ما زرعه بصبر ورواه بحرمان. هذا الشعب يستحق الآن الشكر والتقدير والمساعدة على أن يتحمل أكثر وإن كنا نرى أن الحزام قد أوشك على التمزق والانفجار ولم يعد لدى أحد المزيد مما يستطيع التضحية به، ولا ندري من أين جاءت الحكومة بكل هذه الجرأة والقسوة لتنفيذ إجراءات ترفع الأسعار وتصعب حياة الناس بصورة مضاعفة، من دون اعتبار لحجم ما سيخصمه هذا السلوك الأرعن من ثقتهم فيها وتحملهم لها ولو أنصفت لاختارت تأجيل أحد القرارين أن لم يكن كليهما وهو ما نرجوها أن تفعله».

الاقتصاد المصري

لكن سرعان ما رد عليه في اليوم نفسه ابن الدولة وهو الاسم الذي تكتب به يوميا «اليوم السابع» مقالا لشرح سياسات الدولة والدفاع عنها من أحد أبنائها المخلصين قال: «مصر خلال خمس سنوات أو أكثر واجهت توقفا تاما في الاقتصاد والاستثمارات، خلال ثلاث سنوات عاد من ليبيا والدول التي تواجه الفوضى ما يقرب من 4 ملايين مصريا، وفقدت ملايين السياح كانوا يدرون مليارات الدولارات، ناهيك عن أزمات أخرى أطلت برأسها، منها انخفاض سعر النفط، ما أثر على حجم التحويلات والأموال التي كانت تأتي من الخارج وتراجع الاستثمارات المختلفة. وعلى الرغم من كل هذا تم إصلاح منظومة الكهرباء والبنية الأساسية وشبكات الطرق والكباري، التي تمت في وقت قياسي، إيقاظ الشركات المتوقفة مع منظومة ضمان اجتماعي وتحسين في الأجور والمعاشات، مع الانطلاق لمزيد من التحسين. ومن الطبيعي بحسابات اقتصادية أن تتأثر العملة المحلية أو أن تجرى بعض الإجراءات المالية لإيقاف نزيف العملة وأرباح السوق السوداء، لاحظ أن أسعار السلع الأساسية بقيت في سياقات معقولة، على الرغم من توقعات بارتفاعات أكبر، وبعد أن يتم كل هذا ويخرج كاتب أو معلق أو مدون جاهل ليسأل عن أولويات العمل في مصر فهو جاهل مركب، لكونه لا يعرف ما هو الاقتصاد ولا يرى الاقتصاد في دول أوروبية ولاتينية أعلنت إفلاسها ودخلت طور الانهيار».

فساد صوامع القمح

لكن دفاع ابن الدولة لم يعجب في ما يبدو زميله في «الأهرام» ماهر مقلد فقال في يوم الاثنين أيضا عن أموال الدولة المنهوبة من فساد صوامع القمح وتشكيل مجلس النواب لجنة تقصي حقائق: «هذه اللجنة بدون شك وضعت المجلس امام مسؤوليات في ضرورة التحرك للحفاظ على مقدرات الدولة بعيدا عن الدور النمطي السائد، وهو حضور الجلسات وطلبات الإحاطة والاستجواب، وهي من صميم عمل المجلس. وبقراءة سريعة نفترض أن لجنة تقصي الحقائق نجحت في استعادة 500 مليون جنيه للدولة من أباطرة التوريدات الوهمية، هذا الرقم يشكل نصف ميزانية مجلس النواب في عام، ما يعني أن المجلس أعاد للدولة نصف ميزانيته. كما أن المعنى الأهم هو الرقابة ومنع تفويت الفرصة على الذين يتعاملون بلا ضمير مع حقوق الوطن. التوريدات الوهمية للقمح يجب ألا تمر كغيرها من القضايا التي يتم كشفها وسريعا تنتهي، من دون الاستفادة منها لمنع تكرارها أو استنساخ قضية مماثلة في مجال آخر. استرداد الأموال من الذين ثبت تورطهم في التوريدات الوهمية ومضاعفة المبلغ كغرامة على سوء تصرف قد يكون اقل العقاب في مثل هذه الحالات مع تحريك الدعوى جنائيا».

مشكلة أنابيب البوتاجاز

ومن فساد صوامع القمح إلى مشكلة أنابيب البوتاجاز التي كانت تشهد أزمة من وقت لآخر، إلى أن تم التغلب عليها كما يقول حسين فتحي رئيس شركة بوتاجاسكو في حديث معه نشرته أمس مجلة «آخر ساعة» الحكومية التي تصدر كل ثلاثاء وأجراه معه زميلنا محمد التلاوي قال فيه: «تم التغلب على هذه الأزمة من خلال خطة مدروسة أولا زيادة مستويات التخزين لزيادة توفير الأسطوانات، وفي وسط كل ذلك تعاقدنا قبل الموسم لتوفير الغاز والتشديد على شركات التكرير التي تنتج النصف الآخر من غاز البوتاجاز أن تعمل بكامل طاقتها، والسعر الحقيقي لتكلفة أسطوانة البوتاجاز 50 جنيها، وتابع بـ8 جنيهات من المستودع. وإذا قمنا بتوصيلها فأقصى مسافة هي 50 كيلومترا تكلفتها ثلاثة عشر جنيها وأربعون قرشا، وهذا قرار وزارة التموين والمناطق التي يعمل فيها «الدليفري» القاهرة الكبرى وسوهاج وبعض الأحيان في أجزاء من أسيوط وأجزاء من المنيا وكل المحافظات التي فيها حفر».
وللعلم فإن القاهرة الكبرى تضم محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية.

مسلمون وأقباط

وإلى أحداث الفتنة الطائفية التي تضرب روحنا المعنوية مسلمين ومسيحيين وقول زميلنا في «اليوم السابع» عادل السنهوري عنها يوم الأحد: «الرئيس حريص طول الوقت على التأكيد على وحدة الأمة، مسلميها ومسيحييها، وأن القانون هو الحكم وليس اعتبارات أخرى وجاء الدستور ليؤكد على مبدأ المواطنة وعدم التمييز على أساس العرق أو اللون أو الدين. وفي كلماته الأخيرة في احتفالات تخريج دفعة الكلية الحربية شدد على أنه «ما فيش مسلم أو مسيحي ولا فرق بين المصريين ولا أحد فوق القانون والمساءلة حتى لو كان رئيس الجمهورية». كلمات الرئيس كانت تحمل ملامح الحزن والأسى والغضب أيضا على حوادث العنف الطائفي الأخيرة في المنيا، ثم في بنى سويف بالأمس بسبب شائعات يطلقها هواة الشر ومشعلو الحرائق في النسيج المصري. هنا خرج لأول مرة البابا تواضروس عن صمته وتحدث لمجلة «الكرازة المرقسية» الأسبوع الماضي وطالب بقانون عادل لبناء الكنائس في مصر، الذي وعد به الرئيس والحكومة. ولمح البابا إلى أسباب الوجع بالتمييز والتضييق على البناء، وهو ما أدى- حسب تعبيره- إلى «وجع في جسد الوطن» الوجع الذي أشار إليه قداسة البابا رسالة إلى الجميع من دون استثناء لأن اتساع مساحته يهدد الوطن بأكمله، والمسؤولية الآن على البرلمان للانتهاء من قانون بناء الكنائس بما يحقق العدل ثم اتخاذ إجراءات أخرى في التعليم والمساجد والثقافة وهذه قضية مزمنة».

خطاب تجديد الخطاب الديني «مكانك سر»

المسؤولية تقع أيضا على الأزهر وصمت الدولة عنه، ما دفع زميلنا في «الأهرام» أحمد عبد التواب إلى أن يقول يوم الاثنين في عموده اليومي «كلمة عابرة»: «بلا لفّ ولا دوران فإن المؤسسات الدينية لم تتقدم خطوة جادة واحدة تلبية لنداء الرئيس السيسي عن الثورة الدينية! خُذْ خيطاً واحداً من خيوط هذه الدائرة الغريبة: الدولة تجمع الضرائب من كل مواطنيها المسلمين والأقباط وتضيفها إلى موارد أخرى يشترك في استحقاقاتها المسلمون والأقباط لتنفق على البنود العامة التي منها التعليم، وفيه مؤسسة الأزهر ومعاهدها وجامعتها، فإذا بتلاميذ الأزهر يتلقون مناهج تعليمية فيها سموم تضرب أول ضرباتها دافعي الضرائب، وتخصّ الأقباط أحياناً بضربات خاصة! أي أن المجتمع يدفع لتنشئة وتعليم وتدريب فئة على كيف يكرهون المجتمع ويعادونه ويعتدون عليه! لا تزال مناهج الأزهر حتى الآن تُلَقِّن تلاميذ الأزهر تكفير المختلف معهم وتجريم بناء كنائس وتقرِّر بعض الدروس منع الكنائس في البلاد التي فتحها المسلمون الأوائل عنوة، ويقولون إن مصر منها! إضافة إلى تعليمهم كيف يتساهلون في جريمة القتل التي يرونها واجبة على تارك الصلاة، بل على من يُصلِّي من دون وضوء! والحقيقة أن هناك عدداً من الباحثين والمفكرين يقومون بجهد علمي ليعرف الرأي العام هذه الحقائق المخيفة، ومنهم المستشار أحمد عبده ماهر الذي يقول إن رجال الأزهر قاموا بتكفيره بينما يرفضون تكفير «داعش»، بل أن بعض الأزهريين قال إن المشاركة في التحالف ضد «داعش» خيانة لله ورسوله».

دولة العرف بدلا من دولة القانون

أما الهجوم الأعنف ضد الدولة والأزهر والرئيس أيضا فقد جاء من مسلم هو زميلنا أحمد رمضان الديباوي الذي قال عما يحدث في محافظة المنيا في «المقال»:

«تلك المحافظة التي يصر الرئيس عبد الفتاح السيسي على إهمالها سياسيا واجتماعيا وعلميا، بينما هو يكتفي بأن يشنف أذاننا كل حين بأن لا أحد فوق القانون ولو كان رئيس الجمهورية نفسه، على الرغم من أنه يدرك أن من هم فوق القانون لا يزالون في مناصبهم وعلى كراسيهم وتحت عمائهم، لكنه كلام والسلام. من غير المعقول أن تشهد تلك المحافظة على مدى شهرين فتنا طائفية متتابعة في غير قرية من قراها وهي قرى «الكرم» و«كوم اللوفي» و«أبو يعقوب» و«طهنا الجبل». ومن غير المعقول أن يستمر الأداء الحكومي على الوتيرة الفاشلة نفسها التي تعتمدها الدولة منذ تفجير ذلك العنف الطائفي في سبعينيات القرن الفائت مع بزوغ نجم «الرئيس المؤمن» و«دولة العلم والإيمان» و«أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة»، فالدولة لا تملك سوى الأمن الذي يطوق بقواته وعصيه وسلاحه وقنابل دخانه تلك القرى، درءا لتجدد الاشتباكات الدموية بين المسلمين والمسيحيين، ومن غير المعقول أن تترك الدولة الحبل على غاربه للسلفيين غلاظ القلوب والعقول والأفهام هنالك فيعقدون مع عمد البلاد ومشايخ القرى جلسات الصلح العرفي، لا تعرف أحكامها العرفية سوى تهجير المسيحيين من ديارهم وأرضهم ومزارعهم واستملاك أموالهم والاستيلاء عليها بعد ذلك بوضع اليد. فلم تنصف جلسة عرفية واحدة طوال تاريخ تلك الجلسات، مسيحيا واحدا.

ثم من غير المعقول أن تتوارى الدولة عن المشهد برمته فتترك الأزهر يصل لدولة العرف بدلا من دولة القانون ويعقد مفاوضات تحتية مع المتسلفة للم الدور والخروج من المأزق إعلاميا، كدلالة على نجاح الدولة ورئيسها وحكومتها في وأد الفتن وكبح جماح الأزمات المتلاحقة بين المسلمين والمسيحيين في صعيد مصر، على التخصيص، حيث الفقر والجهل والأمية وثقافة القبيلة والاحتفاء بالبيض المقدس في دواوين محافظاتها، وحيث أن الرئيس السيسي يعتمد على الإعلام والتسويق التلفزيوني أما لمشروعاته القومية وإما لكلامه العاطفي المشبوب «الذكي» فإن الأزهر هو الأخر يحاول الظهور في المشهد التلفزيوني والتسويق لما يسمي « بيت العائلة « الذي يرعاه حضرة مولانا الإمام الطيب نفسه فها هو ذلك البيت العائلي يعلن أن فرعه في محافظة المنيا نجح نجاحا مبينا في عقد لقاء عرفي بين طرفي مشاجرة قرية «أدمو» التابعة لمركز المنيا التي شهدت أحداث عنف أصيب خلالها 9 أشخاص من الطرفين».

حكومة فاشلة

لكن هذ الهجوم على الرئيس من صحافي مسلم لم يعجب زميلا له قبطيا في «الأخبار» هو حسني ميلاد الذي قال في اليوم نفسه في بابه «رأي حر»: «الرئيس ليس سببا في الأحداث التي وقعت في المنيا ضد الأقباط، فهي إرث ثقيل تسلمه من رؤساء سابقين، وكان الأقباط توهموا أنها ستنتهي سريعا بعد ثورتين ورئيس جديد نادي بالحرية والعدالة والدولة الديمقراطية وسيادة القانون. وأرى أن ليس له ذنب في ما حدث سوى أنه اتكل على حكومة فاشلة كان المفروض أن تتابع توجيهاته عندما وقع حادث تعرية مصر أمام العالم، ووقف الرئيس يؤكد أن المخطئ سيقدم للعدالة مهما كان موقعه وتوالت بعدها الأحداث ولم يقدم أحد إلى المحاكمة ولم يتخذ أي إجراء وخرج الجناة سالمين وكأن الذين ارتكبوا الأحداث من كوكب آخر مما أعطى الفرصة للمتربصين وكان يجب على الحكومة سرعة التحرك لتنفيذ توجيهات الرئيس الذي طالب بتطبيق العدالة.

وكان يجب عزل المحافظ ومدير الأمن والتحقيق مع المقصرين في تطبيق العدالة، وهذا لم يحدث ويجب أيضا أن يكون تحرك البرلمان أسرع يواكب الأحداث الطائفية ويكون على قدر المسؤولية فهو برلمان الثورة الذي نضع آمالا كبيرة عليه. والآن في ظل التراخي الذي حدث يجب على الرئيس محاسبة الحكومة على تقصيرها والتنبيه على تطبيق القانون بحسم على الجميع حتى لا نلام على أشياء يرفضها المجتمع المصري المسلم قبل المسيحي».