&&كلنا مخطئون.. وكلنا شركاء في الإصلاح! (2-2)

خالد أحمد الطراح

أين تكمن المعضلة؟

أساس المشكلة التي منها ما ورد في توصيات البنك الدولي بعد التحرير تحديداً، أن الاصلاح الاقتصادي يعني تحولاً في المفاهيم والسلوك الاجتماعي والثقافة العامة السائدة، وهذه عوامل لا تعالج من زاوية اقتصادية بحتة، وانما من زاوية اعلامية تخاطب العقول والرأي العام بأسلوب وطني وصريح في الاعتراف أولاً بأن سياسات الحكومات المتعاقبة اعتمدت على سياسة دغدغة المشاعر وتعزيز ثقافة الاستهلاك والاتكال على الدولة في كل جوانب الحياة نتيجة المفهوم السياسي السائد. ان مثل هذه السياسات تخلق ولاءً وتعزز الرضا على الحكومة من خلال الانفاق «الذي لا طائل له»!

هذا لب المشكلة التي ستظل محل نزاع شعبي- حكومي، فبين فئات شعبية تصر على مطالب استمرار الدولة الريعية وفئات اخرى تطالب بالاصلاح والتصدي للفساد بقرارات عاجلة قبل المساس بجيب المواطن، وسيظل العزف على هذه الاوتار من دون نهاية تنتشل البلد من حالة التراجع والفساد وغياب هيبة القانون والعدالة السياسية والاجتماعية!

في المقابل، هناك من هم على يقين بضرورة تصحيح المسار الاقتصادي حتى لو اقتضى الامر جراحة عميقة في الميدان الاقتصادي، لكن هذا لا يعني عدم ضرورة استئصال اورام الفساد والجراحة السياسية.

كيف يمكن ان تتم المعالجة؟

لا استطيع ان ازعم بأنني امتلك حلاً او تصوراً متكاملاً، لكنني استطيع تقديم بعض الحلول، ربما تكون متواضعة، لكنها يمكن ان تفتح ابواباً نحو عمليات جراحية ناجحة.

ملفات الفساد لم تعد ملفاً واحداً او اثنين، وانما منظومة من الفساد تنخر في جسد الوطن، فلجان تحقيق تشكلها الحكومة يخرج بعضها بتوصيات الادانة، وفي المقابل، يتم تشكيل لجان اخرى لنفي توصيات لجان الادانة الحكومية!

الهدر في المال العام اصبح عملاً مبرراً من قبل معظم الجهات الحكومية؛ بسبب ثغرات قانونية لحماية متنفذين كويتيين ووافدين ايضا، وتحالفات يتكسب من ورائها مستشارون وقياديون، فلم تعد الاحالة الى النيابة العامة امراً مرعباً، فمعظم المخالفين اصبحوا يبادرون بالمطالبة بالإحالة الى النيابة؛ لأنهم يعلمون مسبقاً بالثغرات القانونية التي زرعوها قبل ارتكاب جرائم المال العام!

هل الحل في رفع الاسعار وفرض الضرائب؟ نعم.. اصبح هذا حلاً ليس له خيار ثان، لكنه خيار لن يجد القبول الشعبي الذي تعود على دولة الرفاه، بينما هناك من يقبل بمثل هذه الحلول مقابل شروط ان تبادر الادارة الحكومية في تبني قرار سياسي عاجل وليس انشاءً واحلاماً تنموية تتطلب صبراً استثنائياً، وهو مطلب مستحيل ان يلقى القبول الشعبي حتى من مؤيدي الضريبة ورفع السعر، فالمطلوب اصلاح جذري تتساوى امامه جميع فئات الشعب وليس «امواس حلاقة»!

ينبغي الاعتراف رسمياً بفشل سياسات الحكومة، وهي ممارسة ديموقراطية سليمة، وينبغي الاعتراف بخلل عميق في التركيبة السكانية، فالدولة مسؤولة عنه منذ عشرات السنين، كما ينبغي اعتراف ممثلي الشعب بان عددا كبيرا منهم يسعى الى استغلال الدلع الحكومي واستمرار دولة الرفاه لأهداف انتخابية.

ربما تظهر بعض ملامح الحلول في ما قدمت، وربما تبدو حلولاً من الصعب القبول بها، لكنه اجتهاد لمواجهة واقع خطر ونقاش بيزنطي سيطرا على الساحة السياسية لسنوات.

الحلول بيد الحكومة ومجلس الامة معاً، فكلا الطرفين يفترض ان يملك ارادة القرار والعزيمة من دون تأخير او تباطؤ في الخطى، والا ستعود الاحوال الى نقطة الصفر وربما أسوأ مما كنا عليه قبل التحرير وبعده.

من المستحيل تحقيق تحول اقتصادي واجتماعي بينما هناك فساد سياسي ومالي، وهي معضلة تعترض طريق القبول الشعبي برفع الاسعار واي قرارات مماثلة طالما لا تملك الحكومة الشجاعة الكافية في الاعتراف بسلسلة الاخطاء السياسية والاقتصادية، وتتخذ حلولاً عاجلة لانتشال البلد من حالة اليأس والاحباط، فثمن تحرير الكويت كان باهظاً وحصد ارواحاً من كل فئات الشعب، وليس صعباً على شعب أبيّ ان يتجاوز مخاطر اقتصادية حين تفتح الحكومة صدرها لتلقي سهام النقد والتعهد نحو تحقيق تغيير عاجل اليوم قبل الغد.

اي تحولات اقتصادية واصلاح شامل يقتضيان حملة توعوية من اجل خلق فهم سليم للقرارات الجراحية والسياسات المستقبلية، ويقتضيان ايضا شجاعة استثنائية من السلطتين في تقاسم المواجهة، فالمواطن، وتحديدا الاغلبية الصامتة البعيدة عن حلبة المصالح، ليس على علم تام بما يجري في دهاليز الحكومة والمجلس، وهو ما يحفز المواطن على عدم القبول باي تغيير في سياسات دولة الرفاه التي غرستها الحكومات المتعاقبة في عقل المواطن.

&