&بعد عامين على تصويت سويسرا للحد من الهجرة من الاتحاد الأوروبي أصبحت في أمس الحاجة للتوصل إلى اتفاق مع بروكسل، لكنها قد لا تحصل على مبتغاها.

&رالف أتكينز &

الرئيس السويسري كان في مهمة عاجلة إلى منغوليا. خارج خيمة على بُعد مسافة 15 دقيقة بالسيارة من أولان باتور، تمكّن يوهان شنايدر آمان أخيرا من الحصول على بعض الوقت مع الشخص الذي كان قد سافر كل هذه المسافة لرؤيته.&

الحشد بجانب الخيمة في تموز (يوليو) لم يكُن حول صُنع السلام بين الدول المتحاربة - وهي مفاوضات من النوع الذي يشتهر به الدبلوماسيون السويسريون المحايدون. بدلا من ذلك، شنايدر آمان كان يحاول بشدة تأمين تقدّم في مسألة حاسمة بالنسبة لاقتصاد سويسرا، ويُحتمل أن تكون حاسمة بالنسبة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. الدولة الصغيرة الواقعة على جبال الألب، المُحاطة بالاتحاد الأوروبي لكنها ليست جزءا منه، أصبحت دون قصد بمثابة اختبار حول كيف سيواجه التكتل المطالب بمعاملة خاصة من الدول المجاورة القلقة بشأن الهجرة.

&الرجل الذي كان شنايدر آمان قد قطع نصف الكرة الأرضية لرؤيته هو جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، الذي كان في منغوليا للمشاركة في القمة الأوروبية الآسيوية. رئيس الدولة السويسرية كان بحاجة ماسة إلى مساعدة يونكر.

&

في شباط (فبراير) 2014، صوّت الشعب السويسري في استفتاء لمصلحة القيود والحصص المفروضة على الهجرة - في انتهاك مباشر للاتفاق بين سويسرا والاتحاد الأوروبي بشأن حرية حركة الناس.

&

في سيناريو سيُقدّر قيمته مُصممو حملة "خروج بريطانيا"، كان السويسريون يسعون للحفاظ على العلاقات التجارية القائمة، وفي الوقت نفسه إضافة ضوابط جديدة على تدفقات الأجانب الداخلين إلى البلاد. الحكومة كان لديها ثلاثة أعوام لتنفيذ الخطة - والوقت كان ينفد.

&

لكن يونكر كان مترددا في تقديم المساعدة. قبل أقل من شهر كانت المملكة المتحدة قد صوّتت لمغادرة الاتحاد الأوروبي. وقبل ذلك، لوكسمبورج الماكرة ربما كانت ستعقد صفقة، لكن "خروج بريطانيا" غيّر الديناميكيات.

&

يقول أحد الدبلوماسيين في بروكسل: "بما أن الرئيس السويسري قطع كل هذه المسافة إلى منغوليا قلنا لا بأس، بإمكانك الحصول على عشر دقائق. ويونكر أخبره أنه سيكون من الصعب إيجاد حل". (يقول المسؤولون السويسريون إن اللقاء استمر أكثر من 45 دقيقة).

&

لطالما كانت سويسرا حالة شاذة في أوروبا. فهي ليست في الاتحاد الأوروبي، لكنها تُسهم في ميزانيته، وتطبيق كثيرا من قواعده، وتتمتع بكثير من مزايا العضوية. لكن التصويت لخروج بريطانيا جعل علاقتها أكثر تعقيدا. مع مفاوضات الانفصال الصعبة التي تلوح في الأفق مع لندن، يُمكن أن يُنظر إلى بروكسل على أنها متساهلة مع دولة ملحاحة غير عضو في الاتحاد.

&

الطريقة التي سيتم بها حل الوضع المتأزم في نهاية المطاف يُمكن أن تكون لها آثار مهمة بالنسبة لسويسرا. لكن يُمكن أيضا أن تشكل سابقة بالنسبة للمحادثات مع المملكة المتحدة. إذا حصلت سويسرا على اتفاق بشأن التدابير التي يُمكن أن تحد من تدفقات العاملين من بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى، يُمكن تطبيق أنموذج مماثل على المملكة المتحدة.

&

يقول أليكسيس لوتنبرج، السفير السويسري السابق في المملكة المتحدة: "إنها بالضبط المُقايضة نفسها في الحال في المملكة المتحدة - بين علاقة منظّمة مع الاتحاد الأوروبي ونوع من القيود المفروضة على الهجرة. سويسرا ربما تكون متقدمة بمسافة عامين ونصف عام".

&

يونكر وشنايدر آمان من المقرر أن يجتمعا مرة أخرى، هذه المرة في زيوريخ. ويأمل السويسريون مزيدا من التقدّم. لكن لا توجد دلائل تذكر حتى الآن على أن الاتحاد الأوروبي سيتّخذ موقفا أكثر مرونة. بل على العكس، موقفه التفاوضي تشدد، الأمر الذي يُثير تساؤلات حول مستقبل الشبكة الفريدة من الاتفاقيات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي.

&

مانفريد فيبر، القائد الألماني لكتلة يمين الوسط في البرلمان الأوروبي، قال متسائلا: "لماذا ينبغي أن يكون الأوروبيون دائما هم من يجد الحلول لمشكلات خلقها الآخرون؟ أنا لست مستعدا للتفاوض والتحدّث وإعادة التفاوض. السياسيون في سويسرا لجأوا إلى الشعب وشرحوا النتيجة والعواقب المترتبة على الاستفتاء. نشطاء حملة خروج بريطانيا (...) ينبغي أن يفعلوا الشيء نفسه".

&

علاقة خاصة

&

الغرابة في علاقة سويسرا مع الاتحاد الأوروبي تكمُن في تاريخها وسياستها. سويسرا الجبلية، المُحاطة بدول مجاورة أكبر، لطالما رفضت النفوذ الخارجي. الدستور السويسري يمنح السيادة المُطلقة لشعبها - يتم الطعن في القوانين والموافقة على بنود جديدة من خلال استفتاءات مُلزِمة - الذي يُجادل كثير من السويسريين أنه لا يتوافق مع تسليم الصلاحيات إلى الاتحاد الأوروبي.

&

في عام 1992 رفض السويسريون عضوية المنطقة الاقتصادية الأوروبية بعد حملة بقيادة كريستوف بلوخر، رجل الأعمال الملياردير، وحزبه المتشدد للغاية، حزب الشعب السويسري، الذي هو اليوم الحركة السياسية الأكثر شعبية في البلاد. بدلا من ذلك، على مدى عقود، وافقت سويسرا على شبكة من أكثر من 120 عقدا ثنائيا تحكُم العلاقات الاقتصادية والتجارية.

&

في البداية بقيت سويسرا ملتزمة رسميا بأن تكون عضوا في الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف. لكن في الوقت الذي فشل فيه هذا الطموح، ضغطت بروكسل على سويسرا لوضع علاقتها مع الاتحاد الأوروبي على أساس أكثر رسمية عبر "إطار عمل مؤسسي" ينطوي على تغيير القوانين السويسرية تلقائيا عندما تتطوّر قوانين الاتحاد الأوروبي. كما يتطلب من سويسرا اتّباع القرارات الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية.

&

العلاقة القائمة على ترتيبات خاصة لم تمنع سويسرا من أن تُصبح اقتصادا ناجحا للغاية - سكانها هم الأغنى في العالم - ومكانا جذّابا للعمل فيه.

&

ويُجادل السويسريون بأنها علاقة ذات منفعة متبادلة. وفي حين أن المصارف السويسرية جذبت دعاية سيئة خلال العقد الماضي بسبب المساعدة التي تمنحها للعملاء للتهرب من الضرائب، إلا أن ثروة البلاد قائمة على الشركات متعددة الجنسيات الناجحة للغاية، مثل نستله ونوفارتيس.

&

مكان جذّاب

&

مثل المملكة المتحدة، سويسرا دولة تجارية. تاريخيا، استغل السويسريون دورها باعتبارها طريقا بين شمالي أوروبا وجنوبيها. وكان التهديد بتفجير الأنفاق الجبلية سببا لعدم غزوها من قِبل ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. وفي الآونة الأخيرة أشار بلوخر إلى إمكانية منع الوصول إلى نفق السكة الحديدية الجديد الذي يبلغ طوله 57 كيلو مترا تحت جبل جوتهارت - الأطول في العالم - في حال تصاعد نزاعها مع بروكسل.

&

في عام 2015، الأجانب البالغ عددهم مليوني شخص في سويسرا مع تصاريح إقامة دائمة شكّلوا نحو ربع عدد سكان البلاد البالغ 8.3 مليون نسمة، مقارنة بـ 19.3 في المائة من عدد السكان البالغ 7.1 مليون قبل 20 عاما. ونحو 308 آلاف مواطن من الاتحاد الأوروبي، من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا وبلدان أخرى، يعبرون الحدود كل يوم من أجل العمل في البلاد، بحسب مكتب الإحصاءات الفيدرالية.

&

لكن القلق بين الناخبين بشأن النمو السكاني في سويسرا والتهديدات المتصوّرة للوظائف المحلية أديا إلى تصويت بفارق ضئيل لمصلحة فرض حصص على الهجرة في عام 2014. وأدى التصويت إلى ارتباك حكومة بيرن. التنفيذ الصارم للحصص من شأنه أن ينتهك بوضوح مبدأ حرية حركة الناس المنصوص عليه في اتفاقياتها الثنائية. والمحادثات بشأن تمديد العقود - بما في ذلك اتفاق بشأن الخدمات المالية - تأجلت.

&

يقول الدبلوماسي البارز في الاتحاد الأوروبي: "كيف أقول هذا بطريقة دبلوماسية - السويسريون في وضع مستحيل".

&

مايكل أمبول، المفاوض السويسري السابق الذي هو أستاذ في معهد التكنولوجيا الفيدرالي في زيوريخ، يقول: "حقيقة أننا لم نعثر بعد على حل بعد أكثر من عامين، تبين مدى صعوبة التنفيذ".

&

واقترح سياسيون في سويسرا تحقيق المستحيل من خلال اعتماد "بند احترازي"، أو إيقاف طارئ، للهجرة في ظروف استثنائية. لكن ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني السابق، فاز بقليل من التنازلات فيما يتعلّق بالهجرة قبل استفتاء بريطانيا، والتصويت لمغادرة الاتحاد الأوربي جعل من شبه المستحيل اتّخاذ موقف أكثر سخاء مع سويسرا.

&

باستخدام مصطلحات التفاوض في بروكسل، يقول الدبلوماسي من الاتحاد الأوروبي: "في سيناريو إيجابي [تصويت المملكة المتحدة للبقاء في الاتحاد الأوروبي (كان كاميرون سيحصل على درجة سالب سالب، الآن يُمكن أن نمنح كاميرون درجة سالب سالب سالب سالب. لا يُمكننا خلق أي شيء من شأنه أن يُشكّل سابقة".

&

ويُضيف: "إذا منحناهم أي إيقاف طارئ، أو أي شيء من هذا القبيل، مع وجود إمكانية وصول إلى السوق الموحّدة وجواز سفر [الخدمات المالية)، عندها سنخلق سابقة لا نرغب فيها. لذلك لا أعتقد أن ذلك سيحدث. لا يُمكن أن يحدث".

&

من الممكن أن تتنازل سويسرا وتزعم الالتزام بحرية حركة الناس. في وقت سابق من هذا الشهر، اقترحت لجنة برلمانية في بيرن نظاما لتشجيع توظيف العمال المحليين قبل الأجانب، مثلا من خلال إلزام الشركات بتقديم تقرير الوظائف الشاغرة في مراكز الوظائف المحلية. ولن تكون هناك حدود موضوعة دون موافقة الاتحاد الأوروبي الصريحة.

&

المقترحات الأكثر تواضعا تلقت دعما واسعا من الأحزاب السياسية السويسرية، مع استثناء ملحوظ هو حزب الشعب السويسري، ما يُسلط الضوء على المخاوف واسعة الانتشار لانتهاك العقود الثنائية.

&

لكن الخطر الرئيس يتمثل في ثورة شعبية أخرى من قِبل الشعب السويسري في صناديق الاقتراع. الأكثر من ذلك، حتى وإن تم تجنب مواجهة مباشرة، فإن الاتحاد الأوروبي ربما لا يزال غير راض بذلك. في محادثاتها مع بيرن، أثارت بروكسل قلقا بشأن التمييز المحتمل. وأصرّت على أن حرية الحركة تجب مناقشتها في الوقت نفسه الذي تتم فيه مناقشة فكرة "إطار عمل مؤسسي" رسمي بين سويسرا والاتحاد الأوروبي.

&

هذا الاحتمال يُثير ذعر السياسيين في سويسرا. فمن شبه المؤكد أن أي اتفاق سيخضع لاستفتاء يُسلط الضوء على قضيتين من القضايا الحساسة للغاية - الهجرة وحُكم "القضاة الأجانب" في المحكمة الأوروبية. وخطر رفض الشعب السويسري الحزمة بالكامل سيكون كبيرا.

&

الكثير يعتمد على كيف ستتطور مفاوضات "خروج بريطانيا". فليست جميع التداعيات سلبية بالنسبة للسويسريين، إذ لديهم ورقة واحدة رابحة: إلى أن تُغادر بريطانيا الاتحاد بشكل رسمي، فهي تملك حق الاعتراض على أية خطوة في العلاقات التجارية الثنائية "الحادة" مع السويسريين. ولندن بالكاد ستدعم معاقبة بلد يطالب بفرض قيود على حرية الحركة. لكن هناك أشكالا أخرى من الانتقام المحتمل، مثل استثناء الأكاديميين السويسريين من مشاريع الأبحاث الممولة من الاتحاد الأوروبي.

&

أنموذج أوروبي جديد

&

بشكل أكثر إيجابية، المعلّقون في سويسرا يرون فرصا في الوقت الذي يُعيد فيه الاتحاد الأوروبي التفكير في علاقاته مع الدول المجاورة، مع نماذج عضوية منتسبين أو شراكات متميزة. يقول البروفيسور أمبول: "أعتقد أن خروج بريطانيا سيكون حافزا لطريقة تفكير جديدة في بروكسل. وحتى لو لم تعجبنا النتائج، الاستفتاءات في بعض الأحيان يُمكن أن تكون قوة خلاقة".

&

الحكومات الوطنية قد تكون أيضا أقل تشددا من بروكسل. مثلا، كانت ألمانيا تميل لأن تكون أكثر إرضاء للسويسريين لأن مصالحها الاقتصادية كبيرة في المناطق الحدودية، مثل بادن فورتمبيرج.

&

لكن حتى برلين تُدرك أن السوابق التي تنشأ عن "خروج بريطانيا" يُمكن أن تكون كبيرة. امتعاض المفوضية منذ أمد بعيد بشأن كون السويسريين خارج نطاق مؤسسات الاتحاد الأوروبي حصل فجأة على المزيد من التعاطف. ففي أنحاء الاتحاد الأوروبي كافة يُنظر إلى سويسرا على أنها استفادت في الماضي من الشبكة التي تُحسد عليها من العقود المُصممة خصيصا، وهناك شعور بأنهم سيكونون حذرين في عرض شيء مماثل لبريطانيا.

&

يقول أحد المفاوضين السابقين في الاتحاد الأوروبي: "لا نريد أن نرتكب مثل هذه الغلطة مرتين".

&

بريطانيا وسويسرا تتشاركان انعدام الثقة التلقائي من تجميع السيادة من أجل المصلحة العامة المُفترضة، ولديهما أيضا مصلحة في التوصل إلى تسوية عادلة مُنتجة مع الاتحاد الأوروبي. وأي اتفاق سويسري سيكون بمثابة معيار للندن. يقول لوتنبرج إن خروج بريطانيا "يجعل الأمور أكثر تعقيدا بالنسبة لسويسرا على المدى القصير، لكن قد يؤدي إلى مزيد من التقارب مع المملكة المتحدة على المدى الطويل".