سمير عطا الله
«استجواب الرئيس» كتاب وضعه جون نيكسون، كبير ضباط الـ«سي آي إيه» الذين استجوبوا صدام حسين بعد اعتقاله. مثلما يحدث غالبًا عندما تقوم مودة، أو تعاطف، بين السجان والسجين، هذا هو الانطباع الذي يعطيه نيكسون عن الرئيس العراقي الذي تمكن الأميركيون من الوصول إليه، كما وصلوا من قبل إلى ابنيه عدي وقصي، عن طريق المكافآت المالية. قال صدام للمحقق نيكسون إنه علم بمقتل ابنيه وحفيده من الاستماع إلى الـ«بي بي سي»، «ولم أحزن لأنهم ماتوا في سبيل العراق». ولاحظ نيكسون أن التأثر لم يبدُ على صدام إلا مرة واحدة عندما تحدث عن ابنتيه رغد ورنا، فتهدج صوته، وتبللت عيناه، لكنه استدرك فجأة واستعاد جأشه.
وكان أحيانًا يروي إلى المحققين الطرائف. منها أن أخاه وطبان غضب مرة من زحمة السير فترجل من سيارته، سحب مسدسه، وراح يطلق النار. فلما علم صدام بالحدث، أمره بأن يوجه حركة السير على الدوار نفسه طوال شهرين. وقد منع الحراس عن صدام الأقلام والورق خوفًا على سلامته، لكن كان هذا الشيء الوحيد الذي ألح على طلبه: «يجب أن تفهموا أنني كاتب. وحرماني من الأقلام والورق يرقى إلى خرق حقوق الإنسان». وذات مرة أُعطي رواية «الجريمة والعقاب» لدوستويفسكي. فعلق بعد قراءتها بالقول: «هذا الرجل دوستويفسكي لديه نظرة ثاقبة إلى الطبيعة البشرية».
ويقول نيكسون إن سجينه كان شديد الإعجاب بنجيب محفوظ. وقد طلب مرة تزويده بـ«ثلاثية القاهرة». وكلما كان يسمع أصوات رصاص في البعيد، يقول: «أنتم لا تعرفون العراقيين. سوف يثورون عليكم عما قريب. بلِّغوا ذلك إلى الرئيس بوش. سوف تفشلون. حكم العراق ليس سهلاً ولا بسيطًا. وأنتم لا تعرفون اللغة ولا التاريخ ولا العقل العربي». وأعطى درسًا في المناخ. وقال إنه من أجل أن تحكم العراق، يجب أن تفهم جغرافيته وطقسه. وقال إن فصله المفضل هو الربيع، لكنه للأسف قصير جدًا. وقال إن أهل بغداد يفضلون، في صورة عامة، الخريف، الذي يستمر نحو شهرين، أما ربيع بغداد فلا يزيد على 20 يومًا: «من الصعب أن تعرف الشعب العراقي من دون معرفة الطقس والتاريخ. الفارق هائل بين الليل والنهار، والصيف والشتاء. ولهذا يقال إن العراقيين صلدو الرؤوس. بسبب حرارة الصيف. في الصيف المقبل، إذا كان حارًا، سوف يثورون عليكم. صيف 1958 كان حارًا قليلاً. وأصياف الستينات الأولى كانت حارة، فقامت لدينا ثورة. في إمكانكم أن تشددوا على ذلك بين مزدوجين عندما تكتبون إلى الرئيس بوش».
هل أقر صدام بخطأ ما؟ لمح إلى خطئه في الكويت. وعندما كان يُطرح السؤال عليه، كان يضع رأسه بين يديه، ويصدر صوتًا معناه لا يريد التحدث في الأمر..
التعليقات