نوزاد حسن

حين سمعت فوز مهاتير محمد في الانتخابات التي اجريت في التاسع من مايو ،عدت الى مذكراته،وتطلعت الى صورته الموضوعة على الغلاف.لا اعرف لماذا اطلت النظر اليه كاني انظر الى صورة ابي الراحل؟،بقيت انظر وافكر في تلك الابتسامة العريضة التي تضيء وجه طبيب ماليزيا الذي كان سببا في تطويرها وها هو اليوم يعود من جديد ليبدأ عهدا جديدا في الحكم.
تجربة رائعة جدا كتبها مهاتير محمد في مذكراته.وعي ناضج جدا،ومعرفة دقيقة باسرار بلده وتاريخه.لكن اجمل ما في هذا الرجل هو ذلك التطابق الرائع بين سيرته وبين قصة تطوير ماليزيا اذ يقر مهاتير محمد ان قصة ماليزيا كما يراها هي قصته ايضا.في الحقيقة صدمتني هذه العبارة جدا،واظن ان محرر مذكراته تعمد ان يبدأ بها سيرته الذاتية.


هل اريد القول اننا نعاني من مشكلة ما لن نجد حلا لها في وقت قريب؟.اظن انني اعترف بحدود هذه المشكلة لو فكرت بما قاله مهاتير محمد العجوز عن قصة حياته التي تشبه قصة حياة ماليزيا.
دعوني اتساءل لاني ابن تجربة سياسية غامضة عمرها الان 15 عاما.لذا لا بد من الاشارة الى الطاقة العجيبة لكلمة مهاتير محمد وكأنه يتحدث عن وحدة وجود سياسية بينه وبين ماليزيا.ما هذا؟.كيف افهم انا الشخص الراكد الذهن عبارة يقولها سياسي فيها هذا العمق الشفاف؟وكيف استطيع ان اتخيل انني ساجد يوما ما من سيقول لنا كلمة تشبه ما قاله طبيب ماليزيا؟.


في السياسة غالبا ما يكون الوطن عبارة عن مكونات طائفية وعرقية كما لو كنا نتعامل مع لعبة للاطفال تتكون من قطع صغير يتشكل منها بيت او سيارة بعد محاولات عديدة.مثل هذه النظرة السطحية التي ترى الوطن مجموعة من الطوائف والقوميات لن تصل الى عمق التدين الوطني الشفاف الذي عاشه مهاتير محمد وهو يبني بلده وكأنه يبني في المقابل ذاته.ان اي طابوقة توضع في بناية حديثة تمد مهاتير بقوة اضافية.وان اي مستشفى يشيد بكادر طبي متمكن يعطي لروح مهاتير سعة انسانية لا تحد.ان اي انجاز يعني ان لحم جسد الرئيس ايا كان يمتص العافية بلا نقصان.
هكذا هي تجربة الحكم الحقيقية.ومن هنا انا آمل ان يتحقق لدينا شيء من ذلك النجاح الماليزي.ونصل الى الوعي الذي يبدأ بالنظر الى الوطن على انه وطن يتحول الى قصة ذاتية لابنائه الذين يصنعونه.وعلى هذا الاساس يصنع السياسيون الوطن على صورتهم التي يحملونها عنه في ادمغتهم.
في دماغ مهاتير محمد كانت صورة ماليزيا رائعة متطورة على الرغم من انها كانت متخلفة وممزقة وفقيرة.ولا بد ان تكون صورة العراق في ادمغة الجميع ساحرة كي يعمل الجميع لتنفيذ صورة الدماغ وقهر صورة الواقع القاسية.