& توفيق السيف

&تعرفت قبل مدة على برنارد ويليامز، الفيلسوف البريطاني المعاصر. وقد شعرت بالأسف لأني تأخرت كثيراً في التعرف على نتاجه.

كما شعرت بأسف أشد، لأني لم أعثر على أي من مقالاته أو كتبه في اللغة العربية. وأظن أن أياً منها لم يترجم، وهذا هو السبب على الأرجح لندرة ما يتداول من آرائه بين قراء العربية.
تعرفت على ويليامز بمحض الصدفة. كنت قد تحدثت يوماً عما زعمت أنه حقيقة قائمة، فحواها أن الناس جميعاً متكافئون، في القيمة والقابليات الذهنية والمعنوية، وإنهم - بناء على هذا الأصل - متساوون في الحقوق والتكاليف. وهذه الدعوى تستلزم - منطقياً - أن أي تمييز في المعاملة لأي إنسان، يجب أن يمهد لها بتبرير مناسب، وإلا فهي خلاف الأصل الصحيح.


كنت أظن أن هذا الزعم مورد اتفاق بين الناس. لكن تبيَّن لي أن هذا ظن في غير محله. فبعد دقائق من ذلك الحديث، تحداني أحد الحاضرين لإثبات أن المساواة بين الناس حقيقة قائمة بالفعل. وقد وجدت الرجل مقاتلاً لا يُشَقُّ له غبار، فعجزت عن مجاراته في النقاش.
كشف لي ذلك النقاش عن جهلي بهذه النقطة بالذات، أي التكافؤ باعتباره حقيقة قائمة في العالم الواقعي، وليس قيمة ندعو الناس إلى قبولها، أو حكماً أخلاقياً نفترض صحته بغض النظر عن دليله. ويجدر بي أن أقول هنا إنني مدين لنقاشات مثل هذا بالكثير، لأنها فتحت ذهني على مناطق مجهولة، وشجعتني على البحث والتفكير في أمور، ما تخيلت قبلئذ أنها موجودة في هذا العالم، فضلاً عن الاقتراب منها أو طرق أبوابها.
زبدة القول إن ذلك النقاش، حملني على البحث عن المسألة، فوقعت على كتاب قيم لباحثيْن أميركيين، خصصا جانباً مهماً منه لعرض ما سمياه التعريف الوصفي descriptive equality لفكرة المساواة. هناك عثرت على برنارد ويليامز، فتركت الكتاب وكنت على وشك الفراغ منه، وانصرفت إلى هذا الفيلسوف، الذي لفت اهتمامي بقدرته الباهرة على تجاوز السطح الخارجي للتصورات والأفكار، والعلاقات التي تربط بين الناس، منقباً عن «معنى أن تكون إنساناً، وأن يكون الناس جميعاً بشراً مثلك»، أن تنظر إليهم من خلال الصفات التي تجمعك وإياهم، مثل العقلانية والشعور بالألم والمحبة والرغبة في البناء وفعل الخير، كي ترى الواحد منهم إنساناً مثلك، قبل أن يكون طبيباً أو امرأة أو شاباً أو بهي الطلعة أو جاهلاً أو شيوعياً... الخ.


توفي ويليامز في 2003، وعُرف واحداً من أعلام الفلسفة التحليلية، وعُرف - فوق ذلك - فيلسوفاً أخلاقياً، ساهم في تطوير الرؤية السياسية الجديدة لحزب العمال، الذي كان عضواً فيه منذ شبابه، كما شارك بفاعلية في النقاش حول تطوير فكرة «تكافؤ الفرص» التي تعتبر اليوم أبرز التجليات السياسية لمبدأ المساواة.
أدهشتني قدرة ويليامز على إثارة الإشكالات حول آرائه، وتحليلها والرد عليها. ويبدو أنه كان معروفاً بهذا. فقد كتب زميله أدريان مور أنه «كان قادراً على التنبؤ بأسئلة محاوريه، ووضع إجاباتها، حتى قبل أن يبدأوا في طرحها».
إنني أكتب هذه السطور طمعاً في لفت اهتمام القراء إلى أعمال برنارد ويليامز، فلعل الحماس يأخذ أحدهم إلى ترجمة أعماله، التي أعتقد أنها تضيف الكثير إلى القارئ العربي، سيما في قضايا الفلسفة الأخلاقية.

&