لدي صديق طبيب شاب لا يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي، لا يحتوي هاتفه على "سناب شات" ولا "إنستغرام" ولا حتى "تويتر"، لديه برنامج "وتس آب" يستخدمه بشكل محدود جداً، سألته كيف تستقي الأخبار الجديدة إذاً؟ قال لي الخبر المهم سيجد طريقه لي أما باقي الأخبار فلا حاجة لي بها.

مجرد الحديث عن توجه هذا الصديق وتجنبه لوسائل التواصل الاجتماعي كحالة متفردة في مجتمعنا تكشف ما وصلنا إليه من امتزاج تام مع هذه المنصات حتى أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، الأمر أشبه بالإدمان الذي لا نعرف كيفية الانفكاك منه. تمنيت كثيراً أن أصل إلى المرحلة التي وصل إليها من الانضباط وأن أستغني عن هذه المنصات، إلا أنني أبرر لنفسي أن طبيعة عملي تحكم الوجود فيها بشكل دائم. لكن الحقيقة تقول إنه حتى لو لم يحتم عملي علي الاتصال بشكل دائم مع هذا العالم الافتراضي؛ فإنني سأجد صعوبة كبيرة في التعافي من هذا الإدمان.

المواد المسموعة والمرئية والمكتوبة تهطل عليك من كل جهة، والرغبة الجارفة في معرفة ما تحمله لك التنبيهات الجديدة، جعلت مجرد البعد عن المحمول والبقاء لوحدك يشعرك بالرهبة من ذاتك، أذكر انتظاري مرة في إحدى السفارات التي تحتم عليك إبقاء هاتفك خارج مبناها، أشكال الناس في غرفة الانتظار مضحكة، بدوا وكأنهم استيقظوا فجأة من النوم ويحاولون استيعاب ما يحدث حولهم.

لا أعتقد أن إدماناً جماعياً أصاب البشرية منذ بدئها يشبه ما نشعر به الآن. هذه مجرد البداية، نحن الآن نعيش جزءاً من يومنا في عالم افتراضي مع خليط من العالم الحقيقي، نندمج بشكل كلي مع ذلك العالم الموازي، إلى أن ينبهنا الشخص الحقيقي الذي بجوارنا أنه يتحدث إلينا. المستقبل يحمل اقتراباً أكثر من العالم الافتراضي وافتكاكاً أكبر عن الواقع، العلماء يصممون عدسات لاصقة تحمل كل الأدوات التي في هاتفك لتنغمس كلياً معها وتعيش على هامش الواقع، حيث العالم الجديد المليء بالكثير من الضجيج والقليل من السكون.

المشكلة تكمن في أن أي محاولة منك للانفكاك عن هذا الواقع الجديد ستشعرك بالعزلة عن محيطك، ويصبح عليك وقتها أن تختار بين البقاء مع اتزانك الروحي أو الذهاب مع الجميع نحو جنون التكنولوجيا بكل ما تحمله من وجع نفسي ومنغصات وقلق.