ليس مستبعدا أن يعاود نواب أغلب التيارات الدينية العبث بنص القسم الدستوري بإضافة بعض الكلمات قبله أو بعده، والتي تتماشى مع اهدافهم المتشددة وليس الدستورية، لذا وجب الحذر من هذا العبث المحتمل والتصدي له من جانب رئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية.

إنها ليست مسؤولية رئيس مجلس الأمة فقط، بل هي مسؤولية رئيس الوزراء بالاعتراض على أي نائب يستمرئ معاودة الكرة من جديد للعبث بنص القسم الدستوري لترجمة تعهدات نيابية لا علاقة لها بدستور الدولة ولا بقيم المجتمع المدني الكويتي.

فمهم بمكان إدراك رئيس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد أن العبث بنص القسم الدستوري قد يقود إلى استمراء البعض القفز على مواد دستورية أخرى بالغة الأهمية.

لقد شهدنا في فترة الانتخابات الأخيرة سباقاً محموماً نحو جر المجتمع إلى مجزرة اجتماعية لا صلة لها بالشريعة الإسلامية لتمزيق نسيج المجتمع، وفرض الوصاية الدينية على جميع فئات وافراد المجتمع المدني الكويتي نتيجة عدم التصدي الرسمي لهذا العبث بالماضي.

ينبغي على رئيسي مجلس الأمة والحكومة إدراك تبعات أي عبث بالقسم الدستوري، فقد عصفت بالكويت اتجاهات دينية متشددة، بل متطرفة في أهدافها ومضامينها مما نتج عنها ضحايا من فئات شبابية في تنفيذ عمليات إرهابية وتجاوز سافر لمواد دستور الدولة وقوانينها.

إننا لا ننشد الوصاية على تيار ديني بعينه في ممارسة الحقوق والواجبات ضمن الشريعة الإسلامية السمحة، وليس كما يفسرها البعض ويتدافع نحوها المؤيدون بحجة تطبيق ما سمي بـ«أسلمة القوانين» وفرضها على الدولة والمجتمع من نافذة التشريع بمجلس الأمة!

لقد شهدت الكويت الكثير من الشحن الديني المتشدد وكذلك عصبية قبلية وطائفية وفئوية وعائلية ومناطقية، بسبب غياب الدور الحكومي بنشر التسامح والتعايش الفكري وفقاً لدستور الدولة وتاريخها الاجتماعي والسياسي وتعزيزاً لهوية الدولة المدنية الدستورية.

غاب الحزم الحكومي لعقود من الزمن بالتصدي للتطاول على قوانين الدولة حتى تحفّز كثيرون من نواب الأمة بغسل عقول الشباب، واشغالنا جميعاً بقضايا هامشية عن قضايا ملحة للغاية تتعلق بالتنمية الثقافية والاقتصادية، حتى بتنا اليوم وسط مشاريع انفاذ الفتاوى غير الشرعية!

عاشت الكويت متاعب اجتماعية بغطاء الدين والقبيلة والطائفة والفئة والعائلة نتيجة تهاون حكومي، في حين استمرأ كثيرون التحريم والتكفير ووأد حقيقة هوية الدولة لدرجة بلوغ التشكيك بالانتماء والمواطنة!! نحن كمجتمع لا نحتمل المزيد من الانقسام والتخلف والتراجع الاجتماعي والسياسي والثقافي.

الكويت بحاجة ماسة للإصلاح السياسي الشامل ضد الفساد في مفاصل الدولة، وللنهوض نحو الازدهار، وبلا شك أن الفساد الفكري لا يقل خطورة عن أشكال الفساد الأخرى التي يمكن أن تبث سموم التشدد والتطرف في المجتمع والدولة ككل.