في عرض تجريبي بثت معلمة الرياضيات كاثريت دارنتون عرضا رقمياً من مدرسة جرافني (جنوب لندن) إلى مركز المعرض في منطقة أوليمبيا في غرب لندن، نقلاً عن BBC في خبرها، حيث سيتيح التقدم في التكنولوجيا الحديثة لطلاب المدارس التعلم على يد معلم افتراضي.

هذه العملية تعتبر خطوة متقدمة ونقلة نوعية عن المؤتمرات التي تُجرى عبر الفيديو، حيث تجسد المعلم الذي يسمى (الهولوغرام) بحجمه الطبيعي داخل الصف، ليتحدث للطلاب مباشرة في مشهد أقرب إلى الخيال من الواقع، وقد عرضت شركة إيدكس البريطانية المتخصصة في مجال التعليم هذه التكنولوجيا الحديثة، التي استغرق تطويرها عشرين عاما، على زوار معرض BTT للتكنولوجيا التعليمية الذي أقيم في لندن من عام 2008م.

مسؤولو التعليم البريطاني حتى الآن ما زالوا يرون أن فوائد هذه التكنولوجيا -وقد تطرقت لها في مقال سابق- ستكون في مجال تعليم المواد الدراسية النادرة التي لا يوجد عليها إقبال كبير، مثل اللغات اللاتينية واليونانية أو الرياضيات المتقدمة، التي يصعب على بعض المدارس تأمين تكاليف تعليمها، ولكن باستخدام تكنولوجيا المعلم الافتراضي سيكون باستطاعة معلم واحد تعليم عدة صفوف تتفرق في أماكن مختلفة.

وعن الفرق بين تكنولوجيا المعلم الافتراضي (الهولوغرامي) والفيديو والدوائر التلفزيونية، أن الأخيرة تلتقط الصورة بكاميرا الفيديو لتحولها إلى أشكال رقمية، تبث بمساعدة برنامج خاص، إلى كمبيوتر آخر عبر الإنترنت، ويقوم الكمبيوتر الذي يستلمها بعكس العملية وتحويل الصورة الرقمية إلى صورة عادية على شاشة فقط، أما تكنولوجيا المعلم الافتراضي فتتم أيضا بنقل الصور عبر الفيديو، ولكن بدلا من عرضها على شاشة، تعرض الصورة بحجمها الطبيعي وبأبعادها الثلاثية داخل الصف وكأنها حقيقية، دون أن يشعر المشاهد بوجود شاشة أو كاميرا فيديو، وفي الوقت الحالي تتوفر هذه التكنولوجيا في كثير من مدارس بريطانيا، واتجهت لها كذلك مدارس أميركا واليابان وسنغافورة.

العمل الافتراضي، أو علم تجسيد الأشياء، مصطلح ابتكره العالم جورن لاينر، وكما ذكرت (اللورد لينكس) ليعمل الواقع الافتراضي فيه على نقل الوعي الإنساني إلى بيئة افتراضية يتم تشكيلها إلكترونياً، من خلال تحرر العقل للتعمق في تنفيذ الخيال بعيداً عن مكان الجسد، وهو عالم ليس وهميا وليس حقيقياً بدليل حدوثه ومعايشة بيئته، ففيه يتم تنفيذ الأحداث في الواقع المفترض لكن ليس في الحقيقة، فتجعل المستخدم في التعامل معها وتجريبها، كأنه عالم طبيعي حقيقي وتفتح عوالم جديدة لطموح الإنسان تتيح له أن يطل على عالم مُفتَرَض ليطلق فيه عنان أفكاره.

وقد تطرق لذلك بيتر بلانتيك في كتابه Virtual Humans (البشر الافتراضيون) في أول كتاب من نوعه يتطرق لعدة جوانب في الواقع الافتراضي الذي ضمنه في أهم أعماله في التطبيقات التربوية لإيجاد معلمين افتراضيين، حيث تمكن كل طالب من أن يكون له معلم افتراضي، وهذا المعلم الافتراضي يتجسد في الفراغ أمام طلابه في شكل هولوغرامي -شكل ثلاثي الأبعاد- وكأنه موجود فعلياً بأبعاده الثلاثية وصوته وحركاته وسكناته دون -شحمه ولحمه- يزود الطالب بالدروس وبوسائل وطرق تعليمية تزامناً مع تذكر المعلم لما تعلمه الطالب ومقوماً لتعليمه، لينتقل للمرحلة التي تلي ذلك إن استحق الانتقال، وإلا فإن المعلم سيضطر لعدة طرق تدريس أخرى (مناسبة) حتى ينجز الطالب مهمته. فعلاً إنها لحظات حاسمة في تاريخ البشر، وثورات تكنولوجية شاملة، ومشاهدات انتقالية تحول إنساناً حقيقياً إلى إنسان خيالي افتراضي. هذا هو تقدم العالم والعلوم والتكنولوجيا الذي جعل من الخيال واقعاً يوما بعد يوم، لذلك لن نستغرب إذا (ثارَ) التعليم مستقبلاً بالتقنية فقط لتشكيل المستقبل دون معلمين ومناهج أو حتى مدرسة، فما يحتاجه الطالب هو جهاز كمبيوتر فقط ومن أي مكان يتعامل معه ليكون امتداداً للتعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد.

ولكن هل سيكون هذا العالم الافتراضي مغنياً عن المعلم ووجوده وأهميته تماماً؟ والإجابة من وجهة نظري أن التقنيات الحديثة وسيلة لن تحل مكان المعلم، ولكن سوف يحل المعلم الذي يستخدم التكنولوجيا مكان ذلك الذي لا يستخدمها، والمعلم الجيد هو من يتعامل مع التكنولوجيا كجزء من تطور مهني فقط.