ماري انطوانيت، كثيرا ما صادفت هذا الاسم، وسمعت العبارة الشهيرة إذا كانت الناس لا تجد الخبز لم لا يأكلون البسكوت، ثم سمعت جدلا آخر أنها لم تقلها، كان اسمها يذكر كدليل على الغطرسة، واللهو، والحياة الماجنة والاستخفاف بمعاناة البشر، والنهاية البائسة. الكثير من الأعمال الفنية تحدثت عنها بشكل ساخر أو درامي بحت، لا زلت أذكر المقطع الذي كتبه صلاح جاهين في فوازير نيللي، كانت الفزورة عن الحلاق وكانت ماري انطوانيت في السجن تبحث عن حلاق يرفع شعرها قبل الذهاب إلى المقصلة، ببراعة جاهين وضع في جملتين وصفا مختصرا للثورة الفرنسية لازلت أحفظه، أيام الثورة الفرنسية، كان يا ما كان ما اعرفش ايه.

وللأسف أصبحت دموية، تعرفوا المقصلة هي ايه. شيئا تستشف منه تعاطفا ما مع ماري انطوانيت، التي نجح التاريخ في تصويرها بكل ما يكره الرجال ويخاف في المرأة، الجميلة، المتسلطة، اللعوب، المستهترة.

فقط حين قرأت رواية ستيفان زفايغ ماري انطوانيت، استطعت أن أقترب من هذه الشخصية وأشعر بها إنسانيا، الطفلة التي خرجت من بيتها كصفقة للزواج من ولي عهد ضعيف الشخصية كي تجد نفسها تحت الأضواء، تملك كل السلطة وكل القوة وكل الجمال، كل ما لم تطلبه ووجدته، سهلا، متاحا، بل ويدفعها الآخرون حولها كي تذهب إلى أبعد مدى في التجربة، كيف يمكن للمحاكمة بعد ذلك أن تكون بتلك القسوة، كيف يمكن للتاريخ أن يتذكر عبارة واحدة وينسى حياة كاملة.

هذه الرواية تذكر بأهمية الروايات، بمتعة قراءة الروايات، الروايات التاريخية ليست مهمتها أن تطلعني على الأحداث، وإن كان ذلك مكافأة جانبية، أن تقرأ التاريخ وأنت تشعر بالمتعة، لكن الأهمية الحقيقية للروايات التاريخية هي أنها تجعلك تشعر بالشخصية، لماذا تصرفت على هذا النحو، وهي تصنع التاريخ كيف كانت تفكر وما الذي دفعها كي تفعل ما فعلت. يمكنك أن تتعاطف بعدها أو لا، لكن حكمك على الأقل لن يكون قاسيا، بتارا، ستشعر ببعض الشكوك وتفكر لو أنك كنت في نفس المكان والزمان ماذا كنت تفعل.

هذا ما فعلته بي رواية زفايغ، عرفني عليها عن قرب، عنوان الرواية، ماري انطوانيت، بورتريه امرأة عادية، وهو حاول أن يجعلنا ننظر إليها بدون الهالة التي صاحبت تاريخها كامرأة قاسية ومستهترة لاقت مصيرها العادل. ننظر إليها كامرأة عادية تحمل كأي امرأة أفكار ومشاعر وحاجة إلى الحب والدفء والأمان.

شكرا للروايات التي تجعلنا نعيد التفكير في الأشياء.