في ذات مناسبة من المناسبات الباعثة على الفرح؛ لأنها ببساطة تمثل نقلة نوعية في مسار التنمية المجتمعية في عهد صاحب الجلالة المعظم الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، ولعلها كانت المناسبة الأولى التي يحتفي فيها المجتمع البحريني بتخصيص يوم للمرأة، وإبان حراك اجتماعي يتفجر انتشاء وتغمره السعادة بعهد سياسي جديد ومستقبل واعد بمتغيرات إيجابية على مستوى الفرد والمجتمع، قالت صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة عاهل البلاد المعظم مخلدة هذه الاحتفالية العظيمة في رمزيتها العميقة في أبعادها ومقاصدها الاجتماعية والسياسية والثقافية والتنموية: «إن تخصيص يوم للاحتفاء بعطاء المرأة البحرينية وإنجازاتها على المستوى الوطني جاء لنستذكر من خلاله حجم مشاركتها وأثر تلك المشاركة على مساهمتها في المجتمع المدني والحراك والاقتصاد الوطني».

أوردت هذه الكلمات؛ لأنها تتطلب وقفة تحليلية نتبين من خلالها أن قول سمو الأميرة يتضمن اختزالاً ذكيًا لأبعاد هذه الاحتفالية الوطنية، ففيها اعتبار وتدبر واستشراف. أما الاعتبار فمجاله الماضي وما يشهد به التاريخ من عظيم إنجازات المرأة البحرينية تتمثل في مساهمتها في مواقع عمل كثيرة وخصوصًا التعليم والصحة، ومن ريادة إقليمية جعلتنا في طليعة المجتمعات التي آمنت بفضل المرأة ودورها الفعَّال في تنمية المجتمع وتطويره، وفي صدارة أمم الشرق التي ضمنت للمرأة حقها في التعلم وحقها في الدراسة الجامعية وحقها في أن تكون الطبيبة والمهندسة والمعلمة والباحثة ورائدة الأعمال، وأما التدبر فمجاله قراءة مركزة لحاضر البحرين المشرق وحاضر المرأة البحرينية الأكثر إشراقًا بفضل كفاءتها وثقة القيادة السياسية بها عنصرًا قادرًا على تقديم إضافة نوعية في سائر القطاعات والمجالات، وأما الاستشراف فنابع من قراءة حصيفة لما بلغه المجتمع البحريني من تطور نوعي أفرز ثقة سامية بأن مستقبل البحرين واعد أكثر من حاضرها بفضل الشراكة المميزة القائمة بين المرأة والرجل، فلا فضل لمواطن على مواطنة بسبب الجندر ولا لمواطنة على مواطن لأنها أنثى، بل إن فضل كل مواطنة أو مواطن يكمن في ما يُقَدَم منهما منفصلين أو معًا مشتركين للبحرين.

في قول سمو الأميرة إشارة صريحة إلى أدلة واضحة وملهمة للمجتمع البحريني ينبغي أن يستذكرها المواطن ليقف على حجم إنجازات المرأة وتفانيها برفقة الرجل في تنمية المجتمع وإسهاماتها في رفد المسيرة التنموية المظفرة لحضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم بعد هذه الفترة المديدة من عمر المضي في تنفيذ المشروع الإصلاحي العظيم لجلالة الملك المفدى. ولعله من المنطقي، وفق ما أسلفت، أن يقفز إلى الذهن السؤال الآتي: هل من تفصيل لهذه الإنجازات التي تدفعنا إلى واجب المفاخرة بها أمام الأمم بعيدا عن الإدعاء؟ حسنًا، سؤال كهذا يحتاج منا إلى وقفة تأمل نرصد فيها كم الإنجاز ومدى مساهمة هذه الإنجازات والنجاحات في تعزيز دور المرأة البحرينية في المجتمع، ومن المنطقي أن نقول إن حجم المساحة المخصصة لهذا المقال أعجز من أن تحيط بها، ولكن يكفيني في هذا المقام أن أذكر بأن مجتمعنا البحريني شرف المرأة ونفسه بأن مكنها من التعلم النظامي في زمن كانت فيه أغلب المجتمعات، بما في ذلك بعض المجتمعات التي نراها اليوم متقدمة، تنكر على المرأة مجرد خروجها من البيت، وشرفها أكثر باستثمار تعلمها لتكون المعلمة والممرضة والطبيبة والقاضية والمحامية والبرلمانية والأكاديمية والمهندسة... ولتكون في طليعة بناة البحرين الحديثة.

ولعله من محاسن الصدف أني، وفي ساعة تفكير بتناول المرأة البحرينية موضوع مقال بمناسبة يوم المرأة البحرينية الذي يصادف اليوم، تلقيت في استبشار بالغ نبأ المراسيم الملكية السامية التي تقرر فيها ترفيع ثماني نساء دفعة واحدة، ومن مختلف الوزارات والقطاعات الحكومية إلى مناصب قيادية، في وزارة الصحة وسوق العمل ومكتب رئيس مجلس الوزراء وهيئة جودة التعليم والتدريب وغيرها من المواقع الحكومية. نعم ثماني نساء دفعة واحدة. يا لها من حكومة، تعطي لكل ذي حق حقه بصرف النظر عن العرق والجنس والمعتقد. إذًا ثماني نساء في مراكز قيادية يضفن إلى النساء في مختلف الوظائف، في القضاء وفي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وفي القطاع الخاص. المرأة وبفضل الجهود الجبارة التي يبذلها المجلس الأعلى للمرأة، لها وجود في مختلف المواقع وتبلي في هذه المواقع بلاءً حسنًا، وهي في ذلك لا تختلف عن الرجل.

هناك عمل يُبذل منذ أن أنشأ المجلس الأعلى للمرأة وعلى رأسه صاحبة السمو الملكي قرينة جلالة الملك المعظم، وهناك جلد وعمل بمثابرة وكفاءة وذكاء من المرأة نفسها وهناك تفهم ورؤية حكومية منفتحة على المدنية والحداثة. كل هذه العناصر مجتمعة لا نتيجة حتمية لها سوى التألق والنجاح، وبهذا تكون المرأة البحرينية موعودة دائمًا بمستقبل أكثر تقدما، وهذا ما سينتج عنه، بطبيعة الحال، إضافة أسماء لنساء بحرينيات شققن طريقهن بكفاءتهن وبتشجيع ومؤازرة من المجلس الأعلى للمرأة، مثل أولئك اللاتي سجل التاريخ أسماءهن بماء الذهب في ماضي البحرين وأصبحن من رموز ذاكرتنا الوطنية نستلهم من قصص نجاحهن ما به نتابع مسيرة هذا النجاح.