أدلى لويد أوستن وزير الدفاع الأميركي السبت الماضي بتصريحات مهمة من حيث دلالتها بالنسبة لما يُثار عن وجود خلافات بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن الحرب في غزة، خاصة إذا وُضِعَت هذه التصريحات في سياقها الأوسع لتصريحات الرئيس الأميركي ووزير خارجيته، ولكي تكون الأمور واضحة في فهم دلالات هذه التصريحات فإنها لا تشير من قريب أو بعيد إلى أي اهتزاز في الموقف الأميركي الحاسم بشأن تأييد إسرائيل في أهدافها من الحرب، ودعمها بالسلاح اللازم لتحقيق هذه الأهداف، لكن الخلاف ينحصر تحديدًا في إدارة العمليات العسكرية من منظور تسببها في مقتل العدد الهائل الذي سقط حتى الآن ضحية للهجمات الإسرائيلية، والذي يقترب الآن من 16 ألف ضحية إنْ لم يكن قد تجاوزه، وربما يمتد الخلاف أيضاً إلى رغبة أميركية في زيادة وتيرة دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وتوفير ممرات آمنة لسكانها حال اضطرارهم إلى النزوح، وقد قدم أوستن في تصريحاته تمييزاً مهماً بين ما اعتبره نصراً تكتيكياً ونصراً استراتيجياً. فعلى المستوى التكتيكي بدا مُسَلِّماً بأن النصر من نصيب إسرائيل، لكنه حذرها من أنها تخاطر بإحلال هزيمة استراتيجية محل النصر الاستراتيجي قائلًا إنها «لن تفوز إلا إذا حمت المدنيين وأنشأت ممرات إنسانية». وأضاف: «في هذا النوع من المعارك مركز الثقل هو السكان المدنيون، وإذا دفعتهم إلى أحضان العدو فإنك تُحِل الهزيمة الاستراتيجية محل النصر التكتيكي». والمعنى الواضح أن إسرائيل إذا لم تحرص على حماية المدنيين فإنها قد تهزم «حماس»، ولكنها ستحول أهل غزة كلهم إلى داعمين لها، ومن المثير أن أوستن استند في تصريحاته إلى خبرته كقائد سابق للقوات الأميركية في الشرق الأوسط في الحرب على «داعش».

وتتسق هذه التصريحات مع تحذيرات الرئيس الأميركي وغيره من كبار المسؤولين الأميركيين نظراءهم الإسرائيليين من أنهم يجب أن يتجنبوا نوع النزوح الجماعي الذي أثاره قصفهم لشمال غزة، ومن اللافت أن بلينكن وزير الخارجية الأميركية صرح بأن إسرائيل قد شاركته خططها حول كيفية حماية المدنيين في المرحلة التالية من الجهد العسكري، وأن الولايات المتحدة ستراقب الحملة الجارية عن كثب، ويعني هذا أن ثمة مطالبات أميركية لإسرائيل بشروط معينة بالنسبة لحماية المدنيين، وأن الإدارة الأمريكية ليست واثقة بالضرورة من التزام إسرائيل بهذه الشروط وإلا ما كان بلينكن قد استخدم تعبير مراقبة الحملة الجارية، والواقع أن هذه التصريحات كافة تشير إلى الضغوط المتزايدة التي تواجهها إدارة بايدن من داخلها ومن جيل الشباب والتيار اليساري في الحزب الديموقراطي، ولما كان الالتزام الأميركي بأمن إسرائيل مطلقًا والاتفاق على أهداف الحرب الحالية، فإن البديل الوحيد المتاح أمام السياسة الأميركية هو محاولة «أنسنة» السياسة الإسرائيلية إذا جاز التعبير، غير أنه لا يبدو واضحاً حتى الآن ما الذي يمكن أن تفعله الإدارة الأميركية حال عدم التزام إسرائيل بهذه النصائح.
أغلب الظن أن البدائل ستكون محدودة للغاية في ضوء عدم الاستعداد الأميركي لفرض قيود على استخدام إسرائيل للأسلحة الأميركية، وكان منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي قد صرح في 27 نوفمبر الماضي بأن «المطالبات بفرض شروط على المساعدات الأميركية لإسرائيل جديرة بالاهتمام، لكن الرئيس يعتقد أن نهجه الحالي ناجح».