بعد الهجمات الأمريكية والبريطانية على مليشيات الحوثي نتيجة لاستهداف الأخيرة للملاحة البحرية، قامت الطائرات الأمريكية باستهداف مليشيات عسكرية في غرب العراق وفي شرق سوريا على ضفاف نهر الفرات، من مدينة القائم في العراق شرقاً إلى قرية عياش في سوريا غرباً تنوعت الأهداف الأمريكية بين قواعد لمليشيات موالية لإيران أو قواعد مشتركة ما بين المليشيات والجيش النظامي السوري وصولاً إلى مخازن السلاح في عكاشات جنوباً.
عبثية تلك الهجمات تنبع من كونها متوقعة بل إن الحرس الثوري الإيراني سحب مستشاريه من سوريا قبل 24 ساعة من بدء تلك الهجمات وكأنه رد متفق عليه ما بين طهران وواشنطن أكثر من كونه رداً يخدم أهدافاً عسكرية واستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. وهذه النوعية من الردود العسكرية ليست الأولى من نوعها، فعندما قامت واشنطن باستهداف قائد فيلق القدس قاسم سليماني قامت إيران باستهداف قواعد عسكرية أمريكية أيضاً لأسباب داخلية في إيران، ولكنها قامت بإعلام الجانب الأمريكي الذي أخذ كافة احتياطاته فلم يسقط أي ضحايا من الجانب الأمريكي. من حيث المبدأ لا أحد يريد أن تكون هنالك مواجهة مباشرة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والجانب الإيراني لأن هذه المواجهة سوف تكون آثارها كارثية على المنطقة برمتها ولكن الحروب بالوكالة تنهك دول المنطقة أيضاً، خصوصاً أنها تتم على أرض الدول العربية وأبناؤها هم من يدفعون الثمن، لذلك بدل من هذه الهجمات الاستعراضية ربما من الجدير أن تكون هنالك مباحثات لإرساء قواعد الاستقرار في هذه المنطقة المنهكة، ولعل ذلك يبدأ من وقت إطلاق النار في قطاع غزة ومعالجة الوضع الإنساني الكارثي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، ثم بناء الأمن والاستقرار في دول المنطقة خصوصاً تلك التي تنتشر فيها الجماعات والمليشيات المسلحة التي باتت تكرس الفوضى الأمنية والعسكرية والسياسية.
حتى الآن التحركات العسكرية الأمريكية تفشل في تحقيق أهدافها، بل إنها تفاقم الأوضاع الأمنية في المنطقة، فنحن لا نعلم على وجه الدقة واليقين مقدار الضرر الذي تعرضت له جماعة الحوثي ومدى قدرتها على تهديد الملاحة البحرية، ولكن المؤكد أنها ما تزال تستهدف السفن الحربية والتجارية على حد سواء، كذلك المليشيات المنتشرة في كل من سوريا والعراق وبعد الضربات الأمريكية لا نعلم مقدار الضرر، لكن المؤكد أيضاً أنها ما تزال متواجدة بل وقامت باستهداف القواعد الأمريكية مرة أخرى؛ منها حقل العمر في ريف دير الزور الشرقي على سبيل المثال للحصر، بل إن هذه التحركات ربما تأتي بنتائج عكسية باعتبارها تنشر الفوضى في مناطق لا ينقصها التوتر وهي أصلاً تعيش أوضاعاً أمنية متفجرة. لعل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل لم يجانب الصواب عندما وصف المنطقة بأنها مرجل يغلي وقابل للانفجار في أي لحظة. في النهاية تبدو أمريكا تائهة في صحاري الشرق الأوسط، وتمتاز بغياب البوصلة السياسية والعسكرية، وهذا يضع المنطقة برمتها على صفيح ساخن.
التعليقات