سقياً لأيام الطفولة، ففي أحد مساراتها كانت لافتةً تشير إلى المستقبل، حيث أتذكر في بداية التسعينيات من القرن المنصرم، لعبةً تُدخلك في واقع افتراضي، وتَجعلك مُتَوهماً، وكانت هذه اللعبة مكونةً من شاشة سينمائية ضخمة لقطار يسير على سكة حديدية محفوفة بالمخاطر المرعبة، وعرض هذه المخاطر في تناسق مع تحرك الكراسي المُحكَمَة بحاجز الحماية من السقوط بشكل يُشعرك وكأنك في هذا القطار المسرع المهدد بالسقوط من المرتفعات، ويزداد التفاعل عبر إطفاء الإضاءة في صالة العرض مع وجود المؤثرات الصوتية، بالإضافة إلى تصاعد صرخات الداخلين في هذه اللعبة، وكانت المتعة هي الشعور بالخوف والرعب في بيئة وَاهِمةً غير واقعية.

أما عالم الأطفال اليوم، فهو أمام تقنية عالية بسبب الإنترنت والرقمنة والتطبيقات الإلكترونية عالية الجودة، فالعالم الافتراضي المعاصر أكثر تعقيداً وخدمةً وحتى خطورة على الأطفال وغيرهم من الفئات، والذي ينقسم إلى ثلاثة أنواع، الأول، الواقع الافتراضي Virtual Reality، وهي تقنية تخلق بيئة كاملة غير واقعية الوجود عبر الحاسوب، وتتميز العملية فيها بأنها تفاعلية الحركة والتحكم وحتى الإحساس. أما النوع الآخر، فهو يمثل بيئة واقعية مع وجود بعض الإضافات مثل المعلومات والأرقام والصور، كزيارة المتاحف أو المدن، أو اختيار الأثاث واختبار مدى مطابقته لأجزاء من بيتكَ أو شقتكَ، ويسمى هذا النوع بالواقع المعزز Augmented Reality، ويأتي النوع الثالث المسمى بالواقع المختلط Mixed Reality كدامج بين النوعين الرئيسين.

يحمل العالم الافتراضي الكثير من الفوائد والمميزات مثل تحسين التعليم وتوفرهُ بشكل سريع وبتقنيات عالية، كما يُمَكِّنكَ من مختلف المعارف والعلوم كالطب والكيمياء، ومن خلالهِ يمكن السفر حول العالم عبر المدن والأماكن والمتاحف، إلى جانب ما يمثلهُ من المتعة والمؤانسة عبر مختلف الألعاب والمغامرات والتطبيقات. مقابل كل ذلك، هناك مخاطر وأضرار كبيرة يتسبب فيها، فمن الناحية الصحية، نجد أن نظارات الواقع الافتراضي تحمل تأثيراً سلبياً على خلايا الدماغ، حيث يتوقف عمل نصف الخلايا العصبية بالدماغ في البيئة الافتراضية، على عكس وضع الحالة البيئية الحقيقية الطبيعية، وكل الخطورة على وضع خلايا الأطفال ذات النمو المستمر. فمع ضعف قوة البصر ووجود حالات من عدم الاتزان المرتبط بالأذن، نجد أن الحالة النفسية تصبح أكثر ميلاً إلى الانعزالية والانفصال عن الواقع وبعيدة عن بيئتها الاجتماعية والفيزيائية. وقد تتحول الأضرار إلى جرائم مختلفة مثل التحرش والتنمر، والتحفيز على العنف والكراهية والقتل، وانتهاك الخصوصية والابتزاز مقابل الحصول على المال، فهناك أُناس خطرة في طبيعتهم السلوكية والفكرية، ويعتقدون أنهم بعيدون عن القانون في الفضاء والافتراض الإلكتروني.

دون أدنى شك، أصبحنا في حاجة ماسة إلى حملات توعوية مستمرة ومتعددة، عبر مختلف الوسائل الإعلامية والاجتماعية موجهة للكبار والطلاب والمراهقين والأطفال، لتغليب الإيجابيات على السلبيات في العالم الافتراضي، ولمعرفة القوانين والأخلاق كمحددات، مع أهمية تعزيز الصحة البدنية والنفسية، إلى جانب التوعية لمعالجة وأيضاً كيفية الإبلاغ عن الجرائم والتجاوزات القانونية.