الحُمّى الانتخابية في بريطانيا تتصف بأعراض معروفة ومتوقعة. لكن هذه المرّة، اختلفت قليلاً؛ كونها استقطبت إليها مؤخراً، وعلى غير توقع، المالك لأغلبية أسهم حزب الإصلاح (The Reform Pary) ورئيسه الشرفي نايجل فاراج.

الحزب المذكور أعلاه، يختلف عن كل ما نعرفه عن الأحزاب السياسية؛ كونه تأسس شركة محدودة مسجلة رسمياً باسم فاراج، ويشاركه رئيس الحزب ريتشارد تايس وآخرون. فاراج يمتلك أغلبية الأسهم، وكان يتولى الرئاسة الشرفية للحزب خلال السنوات الخمس الماضية، ويعمل مقدم برامج إذاعية وتلفزيونية. وسبق له الإعلان عن عدم رغبته في دخول الانتخابات النيابية، لكنه أكد أنه سوف يشارك في حملات حزبه – شركته الانتخابية. وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، غيّر رأيه، وقرر استعادة رئاسة الشركة، أقصد الحزب، والترشح للانتخابات النيابية، عن دائرة انتخابية في الساحل الجنوبي الإنجليزي، اسمها كلاكتون.

تؤكد التقارير الإعلامية البريطانية على أن نايجل فاراج أكثر شخصية ذات نفوذ في الساحة السياسية البريطانية منذ نهاية حقبة مارغريت ثاتشر. وسبق له الترشح للانتخابات النيابية سبع مرات، وفشل فيها جميعاً، وهذه المرّة الثامنة.

بدايته السياسية كانت مع حزب المحافظين، لكنه ترك الحزب احتجاجاً على فشله في إيقاف الهجرة غير القانونية. وأسس ثلاثة أحزاب: حزب استقلال المملكة المتحدة (UKIP)، وبعده حزب بريكست (Brexit Party)، وأخيراً حزب الإصلاح (The Reform Pary). وتمكن من دخول البرلمان الأوروبي، رغم أنّه شعبوي، ومن أشد المناوئين للاتحاد الأوروبي، ولعب دوراً كبيراً في استفتاء بريكست عام 2016.

عودته إلى الساحة، وفي هذا الوقت تحديداً، نذير شر لحزب المحافظين عموماً، ولزعيمه ورئيس الحكومة ريشي سوناك خصوصاً؛ إذ تصدر خبر عودته مع صوره الصفحات الأولى في الصحف، ونشرات الأخبار والبرامج التلفزيونية السياسية. السبب في ذلك يعود إلى تكهن المعلقين والمراقبين بأن المحافظين سيواجهون هزيمة انتخابية تعد أسوأ من تلك التي أُنزلت بهم عام 1997، وفق استبيانات الرأي العام الأخيرة، وأن فاراج وحزبه يطمحان إلى إزاحة المحافظين من الطريق، على اعتبار أنهم انتهوا، ولم يعد لديهم ما يقدمونه، وأنّه شخصياً سيقود المعارضة ضد حزب العمال في البرلمان.

فاراج يوصف بالدوغمائي، ويمتلك لساناً ذرباً، وعقلية انتهازية سياسياً. وإذا كانت القطط بتسع أرواح، فهو يفوقها عدداً. فقد تعرض لحادث سيارة خطير، وأصيب بمرض السرطان، وفي عام 2010، خلال الحملة الانتخابية، نجا من الموت بأعجوبة خلال تحطم طائرة كان على متنها! وهو صديق شخصي للرئيس الأميركي السابق والمرشح عن الحزب الجمهوري دونالد ترمب. وخلال فترة ولايته، طلب ترمب من الحكومة البريطانية تعيينه سفيراً لها في واشنطن، إلا أن الطلب قوبل بالرفض.

خلال السنوات الأخيرة، ظهرت في وسائل الإعلام البريطانية تصريحات منسوبة إلى عدد من قيادات حزب المحافظين البارزة يطالبون فيها بعودة فاراج إلى حزب المحافظين. وظهرت شائعات باتجاه اختياره زعيماً للحزب. لكن الأمر بقي على حاله ولم نشهد تغيّراً يُذكر، باستثناء تصاعد شعبية حزب الإصلاح على حساب حزب المحافظين، وتصاعد في شعبية فاراج مقابل هبوط ملحوظ في شعبية سوناك.

وإذا صدق المعلقون السياسيون، وصدقت استبيانات الرأي العام، فإن بريطانيا مقبلة بعينين مفتوحتين ومن دون تردد على حقبة سياسية عمالية، تحت قيادة السير كير ستارمر. السؤال الأكثر إلحاحاً هو: هل سنشهد تغيراً درامياً يقود إلى تقلص حزب المحافظين في البرلمان، ومكانهم يستحوذ فاراج وحزبه على مقاعد المعارضة؟

الإجابة عن السؤال أعلاه، من الصعب بمكان التنبؤ بها. وإذا كان أسبوع في السياسة يعتبر زمناً طويلاً، حسب المقولة المتداولة في القاموس السياسي البريطاني، فما بالك وأن الأمر يستغرق قرابة أربعة أسابيع أخرى؛ إذ لا أحد بإمكانه المراهنة على ثبات الريح في اتجاهها سياسياً، أو كيف ستسير الأمور خلال فترة الحملات الانتخابية. ورغماً عن ذلك، يمكن القول إن قرار فاراج العودة إلى الساحة، ليس في صالح حزب المحافظين في كل الأحوال؛ لأنه سوف يسرق منهم ملايين الأصوات، ويزيد في حدّة آلامهم ومعاناتهم.