لبلوغ الرؤية النهائية المباركة التي يأمل الحجاج أن يقفوا إزاءها وقد أتموا مناسكهم منتابين ببهجة التمام وطمأنينة البلوغ سيتحتّم عليهم أن يعبروا جغرافيا وتاريخ المشاعر المقدسة وأن يتنقلوا لا عبر طرقاتها فحسب، بل من خلال حكايات ملهمة تروى على مدى أجيال متعاقبة ازدهاراً وتطوراً وإتقاناً وجودةً جيّرت من أجلها الجهود والأموال، فأحالت وعورة الطرق وتعقيداتها سبلاً لينة، وعناء التنقل ومخاوفه راحة ودعة؛ رغبةً في أن ينصرفوا إلى أدائهم نسكهم بغبطة روحية وحضور ذهني غير آبهين بما سوى ذلك.

تتكثف الصور في أذهانهم وتكتسي ألواناً زاهية فيتكتل في حلوقهم مزيج ابتهالات ودموع ثم تتشكّل امتناناً يجري على ألسنتهم لله أولاً ثم للسعوديين إزاء ما حظوا به من اعتناء وما رأوا من عمل دؤوب يسدى إليهم بسخاء ومودة فتجري على شفاههم عبارات الحمد والثناء وتصعد ابتهالاتهم شكراً وعرفاناً، فعوضاً عن المشاق والعناء اللذين كان يتكبدهما الحجاج، والمخاوف التي كانت تحيط بهم أصبحت رحلة الحج إحدى أكثر الرحلات إمتاعاً ويسراً.

فمن خلال خطط تشغيلية نابهة وخدمات ابتكارية وأنظمة وقوانين متقنة وتفانٍ وسخاء في الجهود المبذولة لتفويج هذا التجمع الطوعي الهائل بمحدوديته زماناً ومكاناً تمكّنت المملكة العربية السعودية من تغيير الصورة النمطية التي ألفتها العقول على مدى قرون مضت لتحل موضعها صورة مشرقة ومضيئة ومشاهد ستظل راسخة أبداً في الذاكرة الجمعية للمسلمين.

نقلات نوعية وقفزات مذهلة للارتقاء بتجربة الملايين من ضيوف الرحمن وإثرائها بدءاً من وصولهم إلى مراكز استقبال وتفويج الحجاج التي أعدت لهم في المنافذ الجوية والبرية والبحرية، وما يتخلل ذلك من تيسيرٍ لإجراءات وصولهم وسط حفاوة دافئة على الصعيدين الشعبي والرسمي، مروراً بتسخير الموارد البشرية والمالية للوزارات والهيئات الحكومية لتنفيذ التدابير التي تكفل لهم أعلى درجات السلامة، وليس انتهاءً بوداعٍ مهيب له ذات السمات التي كان في استقبالهم، إذ يعقب ذلك دراسات علمية ولقاءات بحثية من خلال معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة وعدد من المنظمات الحكومية لتؤسس لنقلات نوعية أخرى ترى في العام الذي يليه.

وفي إزاء النبل والكرم اللذين يزاولهما السعوديون وإنسانيتهم التي خلقت صوراً بديعة وأثيرة لروحانية الزمان والمكان والجهود السخية التي هيئت لضيوف الرحمن سبل الراحة والتيسير لأداء الفريضة المتجذرة عميقاً في وجدان المسلمين تضع المملكة العربية السعودية أمن الحج والحجيج وسلامتهم كأحد الثوابت التي لا تقبل المساس بها ومن خلال منظومة أمنية فاعلة وتنسيق أمني محكم بني على دراسات وتقييم دقيق بدا جلياً من خلال الاستعراض العسكري المهيب الذي تجريه قوات أمن الحج في كل عام وحديث المسؤولين عن أي محاولة للإخلال بالأمن تضع المملكة رسالتها الإنسانية في قالب صلب مشددة على أن الحج مناسبة دينية لا تقبل التسييس، وأن أمن الحج والحجيج خط أحمر لن يقبل بأي حال حتى الاقتراب منه، وأن هذا الأمر هو بمثابة حقيقة لا تقبل الجدل.