شاهدت تغريدة مؤخراً شدتني لما فيها من صور لها معانٍ وتعليقات على الصور فيها بأن البشر يكرهون بعضهم منذ القدم؟ وليس اللوم على أجهزة الهواتف الذكية التي يعتقد البعض أنها رفيق الإنسان في حياته ووحدته في عصرنا الحالي، ونشاهد سطوة ذلك في كل مناحي الحياة في الأفراح والأتراح وغرف النوم والملاعب، الكل مسافر بشكل افتراضي مع جهازه الذكي في رحلة كلها متعة ورفاهية وبدون ملل، أوقات الانتظار في المطارات وفي المستشفيات وفي كل الأوقات والأماكن التي كانت نوعاً من العذاب والوجع لم تعد كذلك مع ذلك الساحر الشيطان الذي يمضي الوقت بساعاته الطويلة وكأنه لحظات لم نعد بحاجة إلى رفيق أو المشي في الممرات أو النوم على الكراسي حتى يمر الوقت، هو تكفل فيها وكل واحد منا يجد ضالته في تلك الأجهزة سواء كانت استماعاً لموسيقي أو محاضرات أو مشاهدة مباريات رياضية أو الدخول في نقاشات مع أصدقاء أو زملاء عمل من خلال وسائل التواصل التي تعمل في أجهزتنا الذكية، البعض يجني الأموال من خلالها ويبيع ويشتري وهو في مطعم أو حانة أو في طائرة، فالعالم أصبح بين أيدينا بشكل لم تجربه البشرية من قبل والقادم أخطر وأجمل، خاصة مع دخول برامج الذكاء الاصطناعي في حياتنا، وكيف أصبحت تلك الأجهزة تكتب لنا المقالات والشعر وترسم أشكالنا بطرق مبتكرة ونحن فقط لا نملك إلا علامات التعجب، فلم نعد فاعلين ذهنياً وبكل جوارحنا في ما يقدمه هذا الذكاء الاصطناعي، وهل سوف يجعلنا أكثر غباءً في قادم الأزمان أم أن القضية هي نوع من المبالغة، ويبقى الإنسان بعقله وقدراته المتعددة هو المسيطر على هذه التطورات السريعة وهو ربانها، ولكن التاريخ البشري يقدم لنا نماذج أن الاكتشافات العلمية قد تستخدم بشكل قاتل ضد النوع البشري وقد شاهدنا استخدام القنابل النووية ضد البشر من قبل أمريكا على المدن في هيروشيما وناغازاكي في اليابان وذهب ضحيتها الآلاف من الضحايا المدنيين في تلك المدن، وبعد عقود من تلك الكارثة نشاهد الأفلام التي تتحدث عن علماء أفذاذ طوروا برنامج تلك الأسلحة الفتاكة وندم بعضهم على المشاركة فيها.

هناك جوانب مضيئة لمَا نشهد من نقلات سريعة وتوظيف للتقنية في حياتنا اليومية تجعل الإنسان يعيش بشكل أكثر راحة ويصل للمعلومة بشكل أسرع في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، أما في الجانب الطبي فأصبحنا نتابع ما يجري في هذه المجالات بشكل مذهل، فالطبيب والتشخيص الآن كله افتراضي من خلال التطبيقات؟ والأدوية كلها تصلك من خلال تطبيقات على جوالك، وتتبع الشحنات من أدوية وغيرها تتم بكل سهولة ويسر، لست متشائماً من سطوة التقنية الحديثة علينا فالإنسان مخلوق متكيف واجتماعي بطبعه وقد نشاهد فجوات وأجيالاً رقمية تختلف عن الأجيال القديمة ولكن في النهاية تظل العلاقات الإنسانية مهمة للمضي في الحياة، وتثبت الدراسات أن عوامل الصحة والبقاء على الحياة لها علاقة مباشرة بحضور العلاقات الاجتماعية بكل أشكالها بين البشر.

رغم التهويل من خطر الأجهزة علينا إلا أنني ممن يعتقدون أنها تعمل وتعزز خيارات الإنسان الخاصة بالحياة بشكل لم يحدث من قبل فقد ألغت أو قللت من الأبويّة بمعناها الواسع والتي كانت تهيمن على فكر الإنسان وتلغي فرديته، فرجال الدين والذين كانوا على مر العصور يعتبرون طبقة مسيطرة على عقول وحياة البشر أصبح تأثيرهم أقل الآن ويتلاشى كل يوم، فإن أردت معلومة دينية في أي دين فمحركات البحث تغنيك عن سؤالهم مثلاً، والمعلومات الدينية أصبحت مشاعة للجميع ولا تمتلكها طبقة تدعي القداسة، والتطور التقني بالفعل عزز أن علاقة الإنسان مع ربه هي علاقة مباشرة لا تحتاج إلى وسيط أو شيخ أو كاهن.