أزراج عمر

أخيراً، أُسدل الستار على الألعاب الأولمبية التي احتضنت فعالياتها قرية الألعاب الرياضية الجميلة في العاصمة الفرنسية باريس، وخرجت منها الدول العربية من بينها الجزائر خصوصاً بكثير من الكدمات جراء التمثلات التعسفية التي صدرت عن سياسيين أوروبيين/غربيين كبار، فضلاً عن العدد القليل من الميداليات وبخاصة الذهبية منها، مقارنة بالحصاد الهائل الذي كان من نصيب الدول الأوروبية/الغربية وبعض بلدان أفريقيا وآسيا الأقصى كالصين واليابان وكوريا الجنوبية وأوزبكستان على سبيل المثال.

واللافت للانتباه هو أن النظرة المتمركزة غربياً كانت مهيمنة على معظم التغطيات الإعلامية الغربية للمشاركات العربية التي لم تنل حظها من التعريف الكافي بالأشواط التي قطعتها الرياضات المختلفة في بلداننا منذ حصولها على الاستقلال، وجراء ذلك بقي المشاهد الأوروبي/الغربي جاهلاً الثقافة الرياضية عندنا، ويرجع السبب في ذلك إلى غياب الإعلام الوطني في المهجر الفرنسي، والذي يجب أن يكون ناطقاً باللغات الحية الأوسع انتشاراً في العالم، لجعله قادراً على صنع نجوم الرياضة وتقديمهم باستمرار إلى محبي الرياضة في أصقاع العالم بأسره.

إن الدرس الأول الذي من المفروض أن تستخلصه السلطات الجزائرية من تظاهرة الأولمبياد هو ضرورة العمل بأسلوب جديد من أجل تأطير الجالية الوطنية بشكل يضمن رعاية وترقية المواهب اللامعة التي يختزنها مكونها البشري في شتى التخصصات، الرياضية والثقافية والفنية والعلمية والاقتصادية.

في هذا السياق، يلاحظ المرء أن جماهير الرياضة التي اكتظت بها مدرجات ملاعب القرية الرياضية الفرنسية بالآلاف، كانت في الغالب من المهاجرين الجزائريين، إضافة إلى مواطني ومواطنات الجاليات المغاربية والعربية المشرقية والأفريقية المقيمة في فرنسا، خصوصاً في أثناء الفعاليات التي شارك فيها رياضيونا بمختلف تخصصاتهم.

وهنا نتساءل: لماذا ليس هناك وسائل إعلام جزائرية متنوعة، من صحف وإذاعات وفضائيات تلفازية مقرّها الدائم في فرنسا، مثلاً، تتكفّل بتغطية مختلف نشاطات جالياتنا المقيمة في فرنسا، سعياً إلى إبراز هوياتها الثقافية والفنية، وتمارس أيضاً تسليط الأضواء، خلال المناسبات الرياضية مثل مناسبة الأولمبياد الذي عرفته فرنسا مؤخّراً، على مشاركات الوفد الرياضي الجزائري والوفود الرياضية العربية بشكل لائق، وتقدّم أيضاً فعاليات ممثلي مختلف الرياضات عندنا بشكل مركّز للمشاهدين الفرنسيين باللغة الفرنسية ولباقي المشاهدين الأوروبيين/الغربيين بلغاتهم، من أجل تحقيق عدة أهداف ذات أهمية بالغة، مثل التعريف بنجوم الرياضة العربية في المجتمعات الأوروبية/الغربية، وكسر الهيمنة الأحادية ظاهرة التمركز الإعلامي الأوروبي/الغربي الذي تعوّد على احتكار المبادرة وتلميع نجوم وأبطال الرياضة في أوروبا/الغرب فقط؟

في الحقيقة، إن انعدام مثل هذه الوسائل الإعلامية الضرورية، والتي تلعب دوراً مفصلياً وحاسماً في التعريف بالثقافة والرياضية، مغاربياً ومشرقياً، بخاصة بهويات جالياتنا المقيمة في أوروبا/الغرب، هو نتيجة عدم تأسيس وزارات الإعلام العربية، وفي صدارتها وزارة الاتصال الجزائرية، منابر إعلامية في فرنسا تنطق باللغة العربية وباللغات الأوروبية/الغربية معاً، وتقوم بالإشراف عليها الكفاءات الإعلامية التي تزخر بها جالياتنا، رغم أنها لم تجد إلى يومنا هذا الاهتمام الكافي بطاقاتها الإبداعية في شتى المجالات، وبمشاغلها، ومشكلاتها اليومية التي ما فتئت تعاني منها منذ نشأة ظاهرة الهجرة، بخاصة خلال مرحلة الكولونيالية حتى الآن.

في الواقع، إن غياب هذا النوع من المنابر الإعلامية في حياة جالياتنا يتناقض تناقضاً صارخاً مع المتطلبات الملحّة للمهاجرين الجزائريين المقيمين بصفة نهائية في فرنسا، والذين لا يقلّ تعدادهم عن 6 ملايين نسمة، أي ما يساوي تعداد سكان بعض دول العالم، علماً أن هذا العدد الضخم من أعضاء الجالية الجزائرية يشكّل من الناحية النظرية قوة حاسمة يمكن أن تلعب في فرنسا والجزائر معاً دوراً إيجابياً في الحياة الثقافية والرياضية، وفي التوازنات السياسية والتجسير الإيجابي للعلاقات الشعبية بين البلدين، لو وفّرت لهم الحكومات المتعاقبة الإمكانيات والحاضنات المادية والإعلامية والمراكز الثقافية والفنية والنوادي الرياضية، وكذلك المؤسسات التي تتكفل بالتنظيم النقابي والاجتماعي.

ويتمثل الدرس الثاني، الذي ينبغي أن يُستخلص من التفاف المهاجرين الجزائريين حول أعضاء الوفد الرياضي الجزائري المشارك في تظاهرات الأولمبياد بفرنسا، في رسوخ وطنية أفراد الجالية الجزائرية بلا استثناء. ونظراً إلى ذلك، ينبغي أن تناقش تفاصيل هذا الحس الوطني الشامخ لدى هؤلاء المهاجرين من طرف أجهزة الدولة الجزائرية بقصد الإسراع في معالجة الغبن الذي عانى ولا يزال يعاني منه أفراد الجالية الوطنية الجزائرية، جرّاء سنّ مرحلة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة القوانين المجحفة التي تمنع مزدوجي الجنسية من أبناء هذه الجالية الوطنية من التمتع بالحق في الوصول إلى أعلى المناصب في أجهزة الدولة، بخاصة المناصب السياسية والدبلوماسية، الأمر الذي يعني إقصاء الحق الوطني لجزء أساسي من المكون البشري للشعب الجزائري.

وفي هذا الخصوص، يتساءل المهاجرون الجزائريون هكذا: هل يُعقل مثلاً أن يرفع هذا الرياضي الفائز بالميدالية الذهبية أو الفضية أو البرونزية العلم الوطني عالياً، ويصدح بالنشيد الوطني أمام أنظار ومسامع شعوب المعمورة، ومن بعد يُقصى بجرّة قلم من الترشح إلى هذا المنصب السامي أو ذاك، إذا أراد أن يشارك كمواطن غيور على وطنه في إدارة شؤون شعبه من أجل الرقي بمجتمعه؟