أليس معقولاً أن تتقمّص أحياناً أدواراً من الوسط الفني، فتضع دماغك في جماجمهم، وجسمك في جلودهم؟ هكذا تعرف كيف يفكّرون في هموم الأمّة وهواجسها، كيف يألمون كما تألم، وكيف يجسّون كل نبض في حياتها، ويحسّون بكل نفَس من أنفاسها. صحيح أنهم مشغولون دائماً بتكسير الدنيا بالفساتين والبناطيل الجلدية اللمّاعة، لكنهم، ولا شك، مسافرون زادهم الخيال، على قطار آلة الزمن، الذي يعيد بلداناً عربيةً عدّةً إلى العصر الحجري. هم عهدوا بالأمر إلى الأمّة، التي أوكلته إلى المجتمع الدولي، الذي لا يعرف عنه أحد شيئاً، إلاّ حين تتحرك حاملات الطائرات والقاذفات العملاقة والغواصات النووية. هذه يسمّونها أيضاً الشرعية الدولية أو القانون الدولي.
هبك تقمّصت دور كوكبة من المفكرين والمثقفين، أدباء وفنانين، فما تصوّرك لما يمكن أن تفعله الثقافة العربية في هذا المأزق التاريخي الذي تعيشه الأمّة؟ ما هو المسرح الذي سينعش الشعوب بتجليات مقولة شكسبير: «أعطني مسرحاً، أعطك شعباً عظيماً»؟ ما هي الموسيقى التي ستسري في عروقنا بدعاء الشرق: «أمماً شتى ولكن العلا.. جمعتنا أمّةً يوم الندا»؟ ما هي المسلسلات، ولا تزال أمامنا سبعة أشهر حتى رمضان، التي سيكتشف بها الناس أن في الحياة قضايا مهمّة؟
المحور الجوهري الذي لم يفكّر فيه المثقفون، ولا المناهج، هو أن النهوض بالمكوّنات الثقافية، لا يبدأ من الأوساط الفنيّة. من السذاجة النظرية والتطبيقية أن يُعهد به إلى الفنانين، لمجرّد أنهم مشاهير. لا علينا بالأسماء، الحقيقة المسلّمة: أشهر المطربات والمطربين، مع فرقهم اليوم، لا يستطيعون تطوير الموسيقى العربية ولا حتى بمثقال ذرّة. الصين تقود نهضةً موسيقيةً فريدة، بفضل خمسين مليون طفل يدرسون البيانو. هذا تأسيس لمشروع عالميّ، يمكن تسميته: «إمبريالية موسيقية». لو ظهر من بينهم ألف عبقري، لغيّروا مصير الموسيقى العالمية. افهموا جيّداً: هؤلاء سيكون من بينهم علماء رياضيات، فيزياء، كيمياء، أحياء، ذكاء اصطناعي... اسمعوا جيداً: إنهم يُضفون على الحضارة أبعاداً جديدة.
ما الذي على العالم العربي إدراكه من دون إضاعة وقت؟ الخريطة العربية كثقافة وتاريخ وهويّة، يخضعونها قسراً لعمليات تمزيق ممنهج. عودة الروح يجب أن تكون ذاتية. أولئك الذين توهموا أن جبابرة الأرض يمتلكون 99% من أدوات الحلول، ولّى زمان أفكارهم. اليوم الجميع في عين العاصفة، فعلى الثقافة والإعلام أن يقفا موقف صدق أمام الأمّة والتاريخ.
لزوم ما يلزم: النتيجة الثقافية: لا يليق بالأمّة أن تعيش هذه المهاوي، وثقافتها ديكورية كأنها لوحة طبيعة ميّتة.
التعليقات