ليلى أمين السيف

قال أحدهم نادبا حظوظه من دنيا فانية:

«إن زان حظك باع لك واشترى لك

مير البلا من عاش عمره بلا حظ»

أقوال وحكم ومأثورات وأبيات من الشعر تُقال وتُردد بشكل عفوي، ولا يعي قائلها مدى خطورتها عليه وعلى من يسمعها ويرددها، بل إن هناك من قد يؤمن بها فتسيّر حياته وبها يصلح حاله أو يسوء يومه وتعكنن مزاجه.

للأسف إن ما نردده ونؤمن به يتواجد في حياتنا ويردينا المهالك أو يصلح حالنا ويقوي ايماننا بأقدار الله وعظيم عطاياه إن كنا من المؤمنين المتقين.

قد يهبنا الله من الرزق مالا أو عيالا أو راحة بال أو صيتا أو يهب البعض منا لدى الآخرين قبولا أو مكانة. تتفاوت الأرزاق ولله حكمة في قبضها أو بسطها فقد لا يفقر الله الغني رغم كل خطاياه كي لا يسخط ويكفر بعد إيمانه إن افتقر، وأن بقاءه ظالما رحمة له وخيرا من موته على الكفر. وقد يبقي سبحانه الفقير أبد الدهر فقيرا فمن يعلم كيف يكون حاله بعد الغنى فقد يتبطر ويتكبر ففي بقائه على حاله مع اللطف به خيرا له لو كان يعلم.

قد لا يعي البشر ما وهبهم إياه الخالق من نعم متفاوتة فهم مشغولون بما أنعمه على غيرهم، وقلما ينظرون إلى جزيل النعم التي يرفلون بها. قد تكون حياة الآخرين في نظرنا كاملة متكاملة وقد تكون كذلك فعلا ولكن بطر الإنسان يجعله لا يرى ما أسبغ عليه خالقه من نعم، فتجده يدخل في دوامة المقارنات والسخط فتراه باحثا دوما عن المفقود ولا يحمد ربه على الموجود، وإن هذا لعمري هو تفاوت الأرزاق المنشود فرغم ما به من نعم فإنه مازال في غم وهم حاسدا غيره على اللُّقّم.

نتفق جميعا أن الله سبحانه منذ خلق الخلق تكفل بالرزق على أي حال كان هذا الرزق. حيث يقول سبحانه: (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ).

وكلنا نعلم أن أنواع الأرزاق كثيرة، وإن اعتقد أحدنا أنها قد اجتمعت لدى غيره بينما هو ذاته هذا المخلوق المتذمر دوما ينقصه الكثير ولأن لا كمال مطلق ولا سعادة دائمة فعلى المرء أن يعي أن هناك ما يُخفى عليه ولا يراه، وعليه نفسه فقط فليحصِ نعم الله عليه. فإن أشتغل بالآخرين تردى فهذه الحظوظ إنما هي أرزاق متنوعة ومتفاوتة فكل لديه ما ينقصه وإن تراءى لك غير ذلك .

فالحظ رزق، والزوج رزق، والعمل رزق، والابن رزق، والسترة رزق، والصحة رزق، ولين القلب رزق، والحب رزق وكل ما وهبنا الله اياه من لطفه وسخاءه رزق، بل إن في المنع والحرمان والمرض والابتلاء رزق لا يُرزق كنهه ومعناه سوى من يجتبيه الله ويحبه، فإن امتلأ القلب رضى كان وقع الابتلاء في القلب خير ما رُزق به الإنسان.

هناك من ابتلاه الله بشريك حياة لا تطاق معه الحياة ولا تهنا بحضوره الجلسة، فهذا شريك صابر راضٍ يدعو الله أن يصلح الحال. وهناك ذاك الذي قدر الله عليه رزقه فهو في كد وتعب يطارد رزقه وإذا برزقه يطارده فضل من الله. وهناك من تنتظر شريك حياتها لتسعد أيامها وتمر السنين والأيام وما طرق بابها غير أراذل القوم، وهي من خيرة البشر، وهناك من يحلم بعروس جميلة أما لأبنائه وشريكة لأيامه فبحث عنها في كل مكان بلا كلل أو ملل، وللأسف لم يجد لها عنوان. وقد يُرزق خير الأزواج بشر النساء، والعكس للأسف صحيح، وقد يكون رزق الوالدين الصالحين شر الأبناء وقد يُبتلى الموظف الهُمام بمدير وزملاء من شر الناس. تلك أرزاق يقسمها رب العباد بحكمة بالغة قد تُخفى على من لا يتفكر أو يتدبر.

فقد يظن أحدنا أن المال هو الرزق الحسن الطيب في هذه الحياة لأن به تحلو الحياة وتطيب وتُجلب به المطاليب وتُفك به الكُرَب وتُرفع به الرُتَب. ولا عجب أن اعتاد الإنسان على السعي والكنز فشُرٍّعت لذلك الصدقات والزكوات ليُختبر البشر. ‏

يقول سبحانه: {وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} فالله هو الرزاق، يضيّق على من يشاء من عباده لحكمة بالغة، ويوسعه على آخرين برحمته..

وأما الطيبون من الناس من آباء وأمهات لا يريدون من تمام الأرزاق سوى صلاح حال الأبناء؛ ففي هذا منتهى أمالهم وكل أحلامهم.

فلكلٍ حلم، ولكلٍ هدف، ولكلٍ من الله رزقُ محسوب.

وغير صحيح ما يقال:

إن زان حظك باع لك واشترى لك

وان بار حظك لا شرا لك ولا باع

فإنما هذا سوء أدب مع الله، فكلما اتسعت عيناك ضاق صدرك وشككت برزقك وحسدت غيرك.

‏لِمَ القلق على الرزق؟ أتعتقد أن خالقك منح غيرك وتركك هملا؛ فالله الرزاق فقط أرض بما قسمه الله لك وأشكره على نعمته تكن أغنى الناس. علينا الأخذ بالأسباب وصدق التوكل على الله.

قال سيدنا عمر بن الخطاب:

«بين العبد ورزقه حجاب، إذا رضي وقنع أتاه الرزق، وإن اقتحم وهتك الحجاب لم يزد فوق رزقه».

** **

- كاتبة يمنية مقيمة في السويد