حمود أبو طالب
استبشرنا بالاتفاق الذي حصل بين لبنان وإسرائيل لإيقاف التدمير الممنهج العنيف الذي تعرض له لبنان وتسبب في كارثة جديدة تضاف إلى ملف متاعبه المتراكمة، وأيضاً بزغ لنا بعض الأمل بتهدئة وحش الموت والتدمير والتهجير والحصار الذي تتعرض له غزة منذ أكثر من عام، نتيجة الجهود الدبلوماسية الكثيفة التي تقودها الدول العربية والإسلامية المؤثرة، وفي مقدمتها المملكة التي نظمت قمتين لوقف الحرب وبدء مسار سلام دائم يتحقق بإقامة الدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، لكن يبدو أنه لا يراد لهذه المنطقة أن تلتقط أنفاسها وتستقر، فما إن تهدأ أزمة حتى تندلع نيران أزمة أخرى.
هذه المرة انتقلت كاميرات الفضائيات ومراسلوها إلى شمال سوريا، إلى حلب تحديداً، التي بوغتت بهجوم كاسح مفاجئ من تنظيم أو فصيل ما يسمى بـ«هيئة تحرير الشام» للمرة الأولى منذ سنوات، وبشكل درامي سريع تمكن الفصيل من السيطرة عليها وعلى ريفها بعد اشتباكات عنيفة راح ضحيتها إلى الآن أكثر من 445 قتيلاً، وتدهور شديد للأوضاع الإنسانية، ونقص حاد في المؤن الغذائية والدواء، وإغلاق المرافق الحيوية، وخروج المشافي من الخدمة، وصعوبة الخروج من دائرة الجحيم بسبب الحصار الذي يطوق المدينة ومحيطها. وإلى الآن ما زالت الأخبار غير المبشرة تتوالى، ما يوحي بأننا إزاء أزمة جديدة ربما يتسع نطاقها وتصبح أكثر خطورة.
سوريا المنهكة الممزقة لم تكن بحاجة إلى مزيد من المتاعب، فهي منذ اندلاع خريف الخراب العربي أرض مستباحة وساحة تنافس بين الدول الإقليمية والكبرى، على حساب المواطن السوري وحياته وأمنه، وعلى حساب بقاء سوريا ككيان ووطن مستقل. كلهم موجودون في سوريا. روسيا، أمريكا، إيران، تركيا، كل واحدة منها لها فصيل ترعاه وتدعمه وتصادم به الفصيل الآخر. الدولة وجيشها أصبحا لاعباً هامشياً أمام الفصائل والتنظيمات التي تدعي وصلاً بسوريا وهي تقطّع أوصالها. حلقة جديدة مقلقة بدأت فصولها في حلب بشكل مريب وفي وقت شديد الخطورة، وكأنها خطوة لضمان استمرار التوتر والأزمات في المنطقة العربية بشكل دائم.
التعليقات