كان هجوم جون كيري على إسرائيل ونتنياهو في 27 ديسمبر الشهر الماضي غير مسبوق في تاريخ العلاقة بين اسرائيل والولايات المتحدة وقد وصل إلى حد تبني الولايات المتحدة مشروع السلام العربي الذي أقره مؤتمر القمة للدول العربية في بيروت في العام 2002، واتهام نتنياهو وحكومته من أقصى اليمين، بوصف كيري، بتخريب عملية السلام ومنع قيام دولتين مستقلتين، يهودية وعربية، على أرض فلسطين التاريخية . كان الهجوم مفاجئاً للكثيرين من العرب ولكن ليس لنا وقبل أن تعلق جريدة النيويورك تايمز لتقول أن موقف كيري هذا هو موقف الإدارة الأميركية منذ الولاية الثانية للرئيس أوباما على الأقل .
في 29 نوفمبر 1947 قررت الجمعية العمومية للأمم المتحدة تقسيم فلسطين إلى دولتين، دولة يهودية عربية، وليس يهودية فقط كما يجري الحديث دائماً، في 52.5% من فلسطين أكثر من نصفها صحراء جرداءفي النقب، ودولة عربية خالصة في 47.5% . احتفل اليهود بهذا القرار وأعلنوا دولتهم المستقلة، إسرائيل، حال إنتهاء الإنتداب البريطاني في 15 مايو أيار 1948، أما العرب وكانوا قد رفضوا قرار التقسيم مطالبين بأن تكون كل فلسطين دولة عربية، لم يعلنوا الدولة العربية الفلسطينية المستقلةوتسببوا بذلك بكل المآسي التي لحقت بالشعب الفلسطيني ومنها طرد أكثر من 300 ألف عربياً من إسرائيل وفق قرار التقسيم، والشتات الفلسطيني في الدول العربية وغيرها، كما معاناة الدول العربية من تبعات القضية الفلسطينية والتخلف الشامل الذي لحق بالدول العربية المحيطة - كان زعماء دول الجامعة العربية السبعة قد عقدوا مؤتمر قمة في أنشاص المصرية في مايو 1946 واتخذوا قرارات ثورية تحررية أغرت الفلسطينيين بقيادة الحاج أمين الحسيني النازي التوجه إلى رفض قرار التقسيم . لكن تبيّن فيما بعد أن قرارات مؤتمر أنشاص كانت أكبر من قدرات المؤتمرين، ففي 15 مابو 1948 دخلت أربعة جيوش عربية بالإضافة إلى جيش الإنقاذ التطوعي لطرد اليهود من فلسطين فكان أن طردهم اليهود باستثناء الجيش الأردني بقيادة الضباط الإنجليز إذ استطاع الاحتفاظ بالضفة الغربيةتبعاً لقرار بريطاني، وهي المنطقة التي اليوم يطالب بها الفلسطينيون كدولة مستقلة لهم .
كانت أميركا في البداية ضد قرار التقسيم على العكس مما يعتقد العامة،وقد طالبت في الجمعية العامة أن تبقى فلسطين تحت إدارة الأمم المتحدة ريثما يتفق الجانبان العربي واليهودي على حل مشترك للقضية الفلسطينية ؛ غير أن الحانبين المعنيين، اليهود والعرب، رفضا الإقتراح الأميركي مما دعا ترومان إلى الإعتراف بدولة إسرائيل حال إعلانها . ولم يكن ذلك لأغراض إمبريالية كما بدا فيما بعد ؛ لكن حزب العمل بقيادةديفيد بن غوريون وهو حزب "اشتراكي ديموقراطي" إمتثل بالأحزاب الاشتراكية الديموقراطية في غرب أوروبا التي تجندت في خدمة الأغراض الأميركية الإمبريالية المتفتحة في عهد وريث الإمبريالية الوحيد بعد الحرب هاري ترومان . في العام 1951 وصف ستالين إسرائيل ب "كلب حراسة الإمبريالية في الشرق الأوسط"، وردت عليه جريدة "هآرتس" في الحال تقول .. "لماذا لا نكون كلب حراسة للإمبريالية !؟ يسعدنا أن نكون كلب حراسة للإمبريالية في الشرق الأوسط" . وفي نفس هذا المعنى كان حاييم وايزمان رئيس المؤتمر اليهودي قد رفع مذكرة إلى وزارة الخارجية البريطانية 1917 تطالب بوطن قومي لليهود في فلسطين حيث سيقوم اليهود بوظيفة الجيوش الاستعمارية البريطانية في المنطقة وحراسة الطريق إلى الهند ؛ وبناءً عليه صدر وعد بلفور في الثاني من نوفمبر 1917 . منذ العام 1945 وحتى العام 1975 عام انهيار امهيار النظام الرأسمالي في العالم تبنت الولايات المتحدة بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية سياسة مقاومة الشيوعية وقد احتلت إسرائيل مركزاً متقدماً فيها، وسياسة مقاومة الشيوعية تختلف تماماً عن النهج الإمبريالي خلافاً لما يعتقد القومجيون والمتأسلمون . الرئيس ريجان الذي جاء به فلول الرأسماليين لمعاكسة التاريخ وبعث النظام الرأسمالي من جديد رأى أن اسرائيل ما زالت ضرورية لمقاومة الشيوعية لكنه سرعان ما انتهى وزميلته في بريطانيا مارغريت ثاتشر إلى الفشل الذريع . جورج بوش الأب أكد في معرض ترشحه للرئاسة 1989 أنه في غنى عن أصوات اليهود في أميركا . وعندما شن الحرب لتحرير الكويت شكل تحالفاً عريضا من 34 دولة وطالب اسرائيل بأن تبقى بعيداً دون تدخل، وفي نهاية الحرب سحب جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة رئيس وزراء اسرائيل إسحق شامير من أنفه إلى مؤتمر مدريد لحل القضية الفلسطينية وهو المؤتمر الذي أنهته منظمة التحرير الفلسطينية باتفاق أوسلو على غير ما توقع المؤتمرون . خلف بوش الأب وليم كلنتون الذي أيد الفلسطينيين بقوة وصل إلى حد إلقاء خطاب في المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد لأول مرة في غزة وأدار مفاوضات بين ياسر عرفات ورئيس وزراء إسرائيل إيهود باراك في كامب ديفيد عام 2000 كادت تصل إلى اتفاق ؛ ولا يُنسى في هذا السياق تهديد نتنياهو بحرق البيت الأبيض حيث ينزل الرئيس كلنتون . بعد كلنتون الديموقراطي جاء بوش الإبن الجمهوري وهو أول رئيس أميركي يقرّ بدولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة في فلسطين، وأول رئيس أميركي يشجب الامبريالية الأميركية في الشرق الأوسط التي قامت على تأييد الحكام أعداء شعوبهم . وأخيراً جاء الرئيس باراك أوباما الذي نطق بلسانه جون كيري في مؤتمره الصحفي في 27 ديسمبر الماضي ؛ وكان نتنياهو في مارس 1915 قد القى خطاباً في الكونجرس هاجم فيه الرئيس أوباما وهو ما دفع بالنواب الديموقراطيين الخروج إحتجاجاً من القاعة .
منذ أكثر من ربع قرن ونحن نؤكد في كل ما كتبنا أن الولايات المتحدة قبل انهيار النظام الرأسمالي في السبعينيات غيرها فيما بعده ؛ لم تعد تملك ما تخشى عليه من الشيوعية بالإضافة إلى الانهيار التام للثورة الشيوعية وانقلاب الاتحاد السوفياتي إلى عدو للشيوعية وصل إلى تحريمالحزب الشيوعي مع بداية عهد يلتسن بينما كان الحزب الشيوعي في أميركا يعقد مؤتمراته العامة على شبكات التلفزة .
النتيجة بالغة الأهمية مما رصدنا من الوقائع أعلاه التي سجلها التاريخ وهي أن أحزاباً ذات عرض وطول في المنطقة ليست أكثر من عصابات تنتهج النصب والاحتيال كي تخدع الشعب بإدعائها القيام بمهمات تحمي الشعب وتصون مصالحه وهي مهات كاذبة لا وجود لها . حزب الله والحزب الشيوعي اللبناني ووراءهما حزب البعث والحزب القومي السوري الاجتماعي رسموا استراتجيتهم العامة وكل تكتيكاتهم اللازمة في مقاومة المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة والتي بدا بعد خطاب جون كيري وزير خارجية أميركا أن مشروع أميركا في المنطقة لم يكن إلا تحقيق طموحات الشعب الفلسطيني في وطن حر مستقل في فلسطين من خلال تحقيق مشروع السلام العربي أو أي مشروع مماثل كان مؤتمر مدريد في نوفمبر 1991 سينتهي إليه وأن ما وصف بالمشروع الأميركي الصهيوني – أو الصهيوأميركي كي يباع بالجملة - في المنطقة إنما هو كذبة كبرى لا أساس لها من الصحة .
منظمة التحرير الفلسطيمية استعاضت عن مؤتمر مدريد باتفاقيات أوسلو ومن ضمنها اعتراف اسرائيل بدولة فلسطينية مستقلة في فلسطين . لكن حافظ الأسد قاتل الفلسطينيين بكافة الأسلحة في تل الزعتر وفي طرابلس وعمل على شق منظمة فتح، واستكمل عداءه للشعب الفلسطيني بأن عمل وحسن نصراللة على تعطيل وإلغاء اتفاقيات أوسلو، وساعدهما في تحقيق هدفهما القذر الصهيوني الإرهابي المتطرف "إيغال عمير" الذي اغتال رئيس الوزراء إسحق رابين في نوفمبر 1995 وهو ينشد إحتفالاً بالسلام مع الفلسطينيين . في الانتخابات الإسرائيلية في إبريل 1996 وقد خلف شمعون بيريز رابين في رئاسة الوزراء شن حزب الله بتوجيه من حافظ الأسد حرباً على الحدود الشمالية لإسرائيل وقد ناشد شمعون بيريز حافظ الأسد وحسن نصرالله أن يوقفا الحرب على اسرائيل ريثما تتم الانتخابات لأن حزب العمل سيستكمل عملية السلام مع الفلسطينيينبالتنفيذ الكامل لاتفاقيات أوسلو إلا أن أعداء الشعب الفلسطيني حافظ الأسد وحسن نصرالله استكملا مهمة الإرهابي إيغال عمير ورفعا شعارهما "العمل والليكود وجهان لعملة واحدة" وهو الشعار المرفوع ضد الشعب الفلسطيني فالليكود ليس مثل العمل في مقاربته للقضية الفلسطينية مما اضطر شمعون بيريز إلى أن يشن حرب "عناقيد الغضب" خشية أن يخسر الإنتخابات . فشلت عناقيد الغضب بمجزرة قانا وانتهت باعتراف اسرائيل بحزب الله كحزب لبناني على غير حقيقته . وهكذا خسر حزب العمل الانتخابات وخسر الشعب الفلسطيني دولته المستقلة واعتلى السلطة في إسرائيل منذ العام 96 وحتى اليوم حزب الليكود المعاديللشعب الفلسطيني كنتيجة مباشرة للحرب التي شنها حافظ الأسد وحسن نصرالله على شمال إسرائيل في العام 96 والتي يسميها حزب الله (بحرب نيسان) متفاخراً بجلب الليكود إلى السلطة عوضاً عن حزب العمل الذي انتهى إلى التحلل . ولذلك لا نخطئ حين نقول أن حافظ الأسد وحسن نصرالله هما ألد أعداء الشعب الفلسطيني كما عرفهما القائد الفلسطيني المتاضل الكبير ياسر عرفات . كما لا نخطئ حين نقول أن حزب الله والحزب الشيوعي اللبناني وحزب البعث السوري والحزب القومي السوري الاجتماعي لا تمارس السياسة بل عمادها النصب والإحتيال بادعائها منذ أكثر من ثلاثة عقود بأنها تعمل بكل طاقتها ضد المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة ليتبين قبل أيام أن المشروع الأميركي منذ العام 1989 على الأقل كان إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في فلسطين وأن الأحزاب التي ذكرنا إنما كانت تمارس النصب والإحتيال .
التعليقات