من يعيش بين العرب يفهم نقطة ضعفهم ويفهم من أين تؤكل الكتف، فإذا كانت له مآرب دنيوية فإنه سرعان ما يتسربل برداء الإسلام ويحفظ العبارات المرتبطة بالتقوى، وحتى لو أنك سألته "هل أنت فلان؟" يكون رده "إن شاء الله" مع أن جواب هذا السؤال هو نعم أو لا ببساطة.
إن المتأسلمين نوعان: نوع مستضعف يضطر أن يتظاهر بالورع والتقوى لدرء شر الناس عنه، ونوع ليس مستضعفا، ويريد استغلال الساذجين من خلال الثقة التي يمنحونها للتقي الورع، فيستفيد منها كثيرا، وأنا أعرف سيدة ايرانية شخصيا متعمقة في الشريعة الإسلامية، تمكنت من الثراء من وراء توزيع الفتاوى للنساء بشأن خصوصياتهن، وبعد كل فتوى تأتيها الهدايا من طراز "ما خف وزنه وغلا ثمنه" وفوق هذا وذاك، كانت تبوح بأسرارهن لصويحباتها في جلساتهن الاجتماعية، وقد أصبح لها الكلمة الأخيرة في كل شيء، وللأسف فقد شرَّع بعض الإخوة الأبواب لهذا النوع من البشر وأنزلوهم منزلا حسنا واستمعوا لهم ووثقوا بهم بعد أن كانوا أهل الحضارة والعلم ولا تخدعهم المظاهر.
أما "المهتدون" فلهم قصة أخرى، فهؤلاء عمال مساكين أتوا ليعملوا بوظائف بسيطة متدنية الأجر، وبقدرة قادرة، تركوا أديانهم وتحولوا إلى الإسلام، وبالفعل، فقد جرت الاحتفالات بهم ووزعت عليهم الهدايا وحصلوا على القبول والاحترام، مع أن القبول والاحترام حق لهم سواء كانوا مسلمين أم ملحدين، وهم يتعرضون لظلم شديد عندما يضطرون لاعتناق الإسلام لتسليك أحوالهم.
أما مقاولو الحروب، فقد أصبحوا مليارديرات جراء تجارة الجهاديين، فهؤلاء حيتان لا يعرفون الرحمة، وأسسوا تجارتهم على أصول علم الإدارة الحديث، حيث التخطيط الاستراتيجي والرؤية والرسالة الواضحة وتوفير الموارد البشرية واللوجستية ووسائل النقل والتدريب والتطوير، وربما يكون لديهم قسم لضبط الجودة، حيث يجب أن تكون المنتجات إسلامية أصولية تحفظ الكتاب والسنة وتردد آيات القتل والسبي والغنائم التي نزلت بمناسبات معينة ولا تطبق في جميع الأحوال. هؤلاء المقاولون يعرفون أين توجد المواد الخام فيقومون بتصنيعها وغسل أدمغتها بأيد ماهرة ومن ثم توريدها إلى السوق الاستهلاكي في البلاد المنكوبة.
أما الفئة الأكثر تعليما، فقد انتهجت نهجا مختلفا يقوم على فن الممكن والدبلوماسية ويرددون الآية الكريمة "ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة" فهؤلاء يعملون على أساس التوعية الدينية وجذب عامة الناس لهم ولرسالتهم التي تقوم على الاستعداد تمهيدا لإقامة دولة الخلافة، ومن يدخل معهم بصفاء النية يخسر خسرانا مبينا، لأن فيهم المنافق واللص والانتهازي، وانظروا إلى بنوكهم التي يمتلكون أسهمها كيف تعمل، وتحت إشراف من؟ إنهم خبراء ومستشارون أجانب (خواجات) ومن الناس من يدخر معهم ويتعفف عن الأرباح (الفوائد) لصدق نيته، مع العلم أن الأرباح تصب في أرصدة الكبار منهم تحت مسمى (المرابحة) ويا ليت وقف الأمر عند هذا الحد، بل أنهم غيروا القوانين في معظم المجالات التي طالتها أيديهم للاستحواذ على صنع القرار والمساكين الذين ضاعت حقوقهم، ليس لهم إلا الصبر.
هناك حاجة ماسة لتدريس الأخلاق كما تفعل اليابان، لأن من يتعلم السلوك القويم لكي يدخل الجنة، يبيح لنفسه تجاوز الأخلاق خاصة وأن يوم القيامة لا أحد يعرف متى سيأتي، ولا داع للقلق بشأنه، وربما يسرق أو يقتل أو يسيء معاملة الآخرين أو يأكل حقوقهم، أما إذا كان الوازع أخلاقيا لجميع الناس، يكون أكثر فاعلية وربما يخجل الإنسان من نفسه إذا تجاوز الأخلاق الحميدة، ولا ننسى المثل الشعبي القائل "قالوا للحرامي إحلف. فقال: جاك الفرج".
- آخر تحديث :
التعليقات