"سندافع عن كل شعوب المنطقة، لأننا نعتبرهم جزءا من إيران، وسنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية"
التصريح من كلام قبل عامين لعلي يونسي مستشار الرئيس الايراني، يجمع فيه كل خصوم الجمهورية الاسلامية في سلة واحدة، ويعطي حرب بلاده ضد الجميع طابعا مقدساً. الامر ليس جديداً، بل يمثل امتداداً لمنهجية تصدير الثورة وتمدد ايديولوجيا الدولة الدينية بصيغتها الايرانية. لكن المفارقة تكمن في الجمع بين التكفير والالحاد، ولا يمكن فهم هذا التناقض الا اذا ادركنا انها منهجية تكفيرية تزعم مواجهة التكفير، والادق انها التكفير الشيعي الذي يواجه التكفير السني، وفي الوقت نفسه يواجه المغايرين الدينين، بذات الدرجة التي تتمرس خلفها الوهابية بترساتنتها المتخمة بالحقد على الختلفين، وسواها من العقائد المطلقة التي تزعم انها وكيلة السماء في محاربة البشر.
ان الترويج الاعلامي لمقولة ان داعش، ومن قبلها القاعدة، التكفيريون الوحيدون، جزء من وهم ساعدت عليه الطبيعة غير البراغماتية لهذه التنظيمات. إذ ساعدت هذه الطبيعة على تستر العديد من التكفيرين الاخرين بلباس الاعتدال عبر استخدام المقارنة مع التنظيمات الجهادية الاكثر شراسة وشرا. فرسمت هذه التنظيمات صورة واحدة للتكفير، اخفت العديد من الصور الاخرى، بل تم التعامل معها تكفيريات اخرى وكأنها اعتدال اسلامي.
الجمهورية الاسلامية احد المستفيدين الكبار من هذه القضية، وهذا ليس اتهاما لايران بانها تقف خلف داعش، كما يحلو لاصحاب نظرية المؤامرة قول ذلك، بل هو الغباء العقائدي الذي ساعد التكفيريات الاقل عنفاً على التخفي خلف التكفير الاكثر شراسة. واذا ما اردنا ان نفهم العقيدة الدينسياسية لمبادئ الثورة الايرانية، فعلينا ان ندرك طبيعة النظر الى تغيير الدين في بنية الفقه الذي يشكل مرجعية هذه المبادئ. فمجرد ان تحرم عقيدة ما تغيير الدين، وتبيح دمه، فإنها ستكون تكفيرية. ومن نافلة القول ان هذا التحريم واستباحة الدم موجود وغير مخفي في عموم الكتب الفقهية للمذاهب الاسلامية كافة.
ومن المهم جدا التعامل مع حلفاء ايران في العراق بهذه الزاوية، ليس فقط لأنهم اسلاميون، بل لأنهم جزء من منظومة عبر عنها صاحب التصريح اعلاه، والذي تضمن بوضوح توسيع دائرة العدو الذي يجب ان تخاض ضده حرب مقدسة، سواء فسرت على انها حرب دفاعية ام حرب لنشر الاسلام! والقيادي في حزب الدعوة علي الاديب الذي يخوض حرب تصريحات وتنديد ضد "الالحاد" والعلمانية والمدنيين، ليس سوى صورة من صور المعركة الكبيرة لمشروع يسعى لتقديم نفسه على انه الحامي والحقيقة وما سواه خصوم يجب مواجتهم عبر مهمة مقدسة.
هذا ليس صك براءة لخصوم النظام الايراني بالتأكيد، لأن عماد عقيدة هؤلاء الخصوم الطائفيين، يعتمد ايضا على ارث من التكفير ما يزال ولودا بفتاوى ارهابية وكراهيات منفلتة، ولا يمكن لأي عاقل ان ينفي ما صنعته من دمار وانقسام. لكن من الخطيئة ايضا اعطاء صك براءة لعقيدة الثورة الدينية التي يسهل معرفة ما تسببت به من كوارث.
واذا كان القيادي في حزب الدعوة او غيره من شخوص الشيعية السياسية، يتحدثون بصراحة عن الالحاد ويخلطون عمدا وتشويها بينه وبين العلمانية او المدنية، فإنهم بهذا يعيدون انتاج المعركة في مرحلة ما بعد داعش، انطلاقاً من عقيدة تكفيرية انشغلت لفترة معينة في محاربة عقيدة تكفيرية اخرى. هي معركة الوحوش الدينية التكفيرية في الشرق الاوسط، وما ان تنتهي بتغلب احد العنصرين، فانها ستمارس دورها التكفيري بحسب ما تؤمن به وتعتقده، ومن اهم عناصر هذا الدور التخلص من الخصوم العلمانيين، باستخدام "التراث" التكفيري، الذي اعتمدت عليه داعش نفسه. وقد حصل ذلك في نهايات الحرب الاهلية اللبنانية حين صفت الارادة الدينية كلاً من حسين مروة ومهدي عامل.
الفوارق بين التكفير الصريح والتكفير المدلس في بعض الرتوش التي تشبه ان علي الاديب يحف خده بينما لا يحف البغدادي وجنته. وعلي الاديب يرتدي ربطة العنق والبغدادي او القرضاوي او ابن باز الذي لا يفعل ذلك. فهو اختلاف فقط في الهيئة. وحتى هذا الاختلاف في الهيئة سيتلاشى ان شاهدنا المشابهين للاديب ممن لا يحفون الوجين وممن يطلقون اللحى ويرتدون اللباس التقليدي نفسه.
انها منظومة التكفير المكررة والتي ينتمي لها كل من يدافع عن فكرة دفع الجزية، او تنجيس غير المسلم، او قتل المرتد، أو اجبار بنات التاسعة على الحجاب، او تراث بيع الاماء في سوق النخاسة... كلهم واحد، هناك فقط من يدلس لممارسة النفاق، بانتظار فرصة قطع رقاب المناهضين بطريقة السيف او غيرها، والتهمة ذاتها موجودة، هي التي صلب الحلاج بشرعيتها المتفق عليها بين وكلاء الغيبة الصغرى وقضاة الخلافة العباسية...!
التعليقات