عشر سنوات مرت، على مقالي "خمسون عاما" المنشور في ايلاف عام ٢٠٠٨ في بداية شهر يناير، شعرت انها عشر دقائق فاستعجلت كاتبا اليوم قبل بلوغ الستين بخمسة أشهر حتى لا أفاجئ بالسبعين من العمر وانا احتفل بالعيد الثلاثين للكتابة في "ايلاف".
كما المغتربين، يمكنك العيش حياة ممتعة، في بعض دول الخليج، ولكنها متاهة الحياة اذ هي حياة الإيجار، وفي نهاية المطاف تستيقظ منها مغبونا، وإذ أنك لا تملك أي شيء، خصوصا وأن كنت شريفا امينا مخلصا لم تمتد يدك الي الحرام، ولم ينطق لسانك بالكذب والنفاق.
قد تشعر بالغبن وضياع الوقت والعمر الذي ذهب أكثر من ذلك إذا عشت في الأردن وليس لك راع يقويك، وظهرا يحميك، وشريكا يغنيك، وبالتالي يتندر البعض منذ زمن بعيد بوصفها أنها "مقبرة المال والرجال". واعتقد ان هذا الوصف ينطبق أيضا علي العديد من البلدان العربية.
فليس المغبون هو الذي اشترك في "حياة مستأجرة" فذهبت أو أكثرها سدي، أو اجتهد ودرس ونجح في دراسة تلو الأخرى فأفشلته حكومات من اعتقد يوما انها من لدن وطين بلاده، فأكبر مغبون في هذه الدنيا هو المغبون في وطنه، في عقر داره و مولد رأسه، فيذهب الليل في مرح وسهر الحكومات الضعيفة و منافيقها وعربدتهم و فساد بعض من الطبقة السياسية، ويذهب النهار في لهو ولعب الحكومات في مقدرات الوطن والتأمرعلي أبنائه وبناته والاذكياء والناجحين و اقصائهم، وفي افقار المواطنين والاتيان بأعمال لا تنفعهم، فيغبن عمره و يدفن المواطن في مديونية حكومية لا ناقة له فيها ولا جمل، وفي النهاية يجد نفسه نادماً حاسراً يتمنى أن وطيء وطنا غير وطنه، فيرحل دامع العين باكيا ومجروح القلب غاشيا، صارخا من اعماقه : أين انت يا وطن فقد اصبحت رسالة تعزية لكل قلب متعب حزين مجبول بعشقك ؟
عشر سنوات، سقط فيها ضحايا الإرهاب وشاهدنا مسلسلات الدم في بروكسل ونيس وجنيف وغيرها، وسقط فيها شهداء في الأقصى ضحايا إرهاب من نوع اخر، وقاض أردني قتل على الحدود الأردنية الإسرائيلية، وأردنيين قتلوا بدم بارد من ضابط موساد في وطنهم وغادر المجرم القاتل بطلا عائدا عبر الحدود، بمباركة رئيس الحكومة الأردنية، مستقبلا من رئيس وزراء إسرائيل، وهو اسوء أنواع الإرهاب.
عشر سنوات رحل خلالها اسطورة الملاكمة "محمد علي كلاي" الذي اضاء حياتنا على مواقف مشرفة رافضا الخدمة في جيش أمريكا الذي كان يخوض حربا غير عادلة ويقاتل في فيتنام، وشاهدت رحيل الرئيس الكوبي الشيوعي، فيدال كاسترو، الذي انتزع السلطة في ثورة 1959، وحكم كوبا 49 عاماً ووقف طودا شامخا في مواجهة أمريكا التي انحنت امام بساطيرها بعض من حكومات عربية. فيدل كاسترو تحدى الولايات المتحدة الأميركية لقرابة نصف القرن، معاصراً 11 رئيساً أميركياً، ومسببا لهم الازعاج، في وقت ١١ رئيسا وحاكما عربيا سببوا الازعاج لشعوبهم بالإذعان لأمريكا.
واستمتعت ببروز نجم ر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفشل الانقلاب الأمريكي الصنع عليه.
ومن ثم تابعت متوالية ثورات الربيع المصدرة من أمريكا والتي أطاحت بالرئيس مبارك في مصر، والرئيس زين العابدين في تونس، والرئيس معمر القذافي في ليبيا. وتأسفت للوضع في سوريا وانقساماتها وحربها الضروس الداخلية، وتفتت العراق وضياعه، وأن تفاجئت بنجاح الرئيس أوباما لدورتين ولم أتفاجئ بنجاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقدر ما اسفت لشعبية ابنته لدي بعض من الحكام والمسؤولين العرب اللذين سالت جيوبهم ولعابهم لأجل عيونها وقصر فساتينها، وغابت كرامتهم عن الأقصى وقت أن أغلقت ابوابه وسحب من صلاته امامه.
ما حدث خلال السنوات العشر الماضية هو أن كل مؤسسات بعض من الدول العربية تعرضت للتآكل وتجاهل لما يجري في مؤسسات الحكم من مخالفات وفضائح، وحدث تراجع كبير في الثقة بالحكومات المفروضة على الشعوب العربية، ولم يكن الأردن الاستثناء.
ما كسر الحزن والاكتئاب الناتج عن الوضع العربي المأساوي خلال العشر سنوات الماضية هو قراءة ما يفوق مئة كتاب ، و مشاهدة مائة فيلم امريكي و عربي، ومشاهدة الدراما السورية في باب الحارة و خاتون و أحلام كبيرة و عصي الدمع و غيرهم، والدراما المصرية في أستاذ و رئيس قسم لعادل امام الزعيم ، و تحت السيطرة لنيللي كريم ، والخواجة عبد القادر للنجم يحي الفخراني، و كلبش لأحمد كراره و محمود البزاوي، و جراند اوتيل بطوله عمرو يوسف و دينا الشربيني و شرين ، و مسلسل الجامعة من اخراج هاني خليفة و بطولة كارمن بصيص، ونادية خيري وأحمد الجندي وأسامة جاويش وريهام الكابلي وعبد العزيز المليفي، و كان ملفتا مسلسل الجماعة الجزء الاول و الثاني ،و مسلسل الزئبق و أولاد العم لكل من شريف منير و كريم عبد العزيز ، اما عن مسلسلات يسري و غادة عبد الرازق فهي حكاية تطول.
تمنيت ان يكون الوضع العربي المأسوي الذي عشته وتابعته وتأثرت به خلال السنوات العشر الماضية مسلسلا ينتهي في ثلاثين حلقة اعود معها الي الوطن، لأفاجئ انه مجرد البداية والتحضير لدراما أمريكية إسرائيلية احتلت الواقع العربي وعششت وصفق لها بعض من الحكام حتى قبل ان يقرأ عليهم سيناريو نهب الامة العربية وضياعها واستسلامهم.
ظلم العرب، ولا بد من القلق على ما هو آت وعدم الرضا بقسمه "سايكس - بيكو" الذي خلال العام الماضي تم الاحتفال بمئوية التقسيم للرمال وصنع الدويلات التابعة. للأسف ينطبق على الوضع العربي اسم المسلسل السوري "شركاء يتقاسمون الخراب".
بقي "شحطة" او علامة صغيرة موعدها مع الستين عاما، عفوا على التأخير.
لم يعد للوقت قيمة ولكن لا تزال الاحلام كبيرة رغم الحياة المستأجرة.
التعليقات