لا شيء أكثر استفزازا من رؤية شريط فيديو يستقبل فيه وزير التخطيط الأردني سفينة قمح أميركية، وهو يسير جنبا الي جنب مع ممثل المعونة من السفارة الاميركية علي سجاد احمر في مسيرة تماثل الاساطير اليونانية في مسرحية "اجامينون" الملك العائد من حرب طروادة منتصرا، وترافق الوزير زفة وموسيقيات واستقبال حاشد من موظفي الميناء اللذين اصطفوا وقتا طويلا لاستقباله وقد ارتدوا لباس اصفر موحد، ومعهم شخوص ومسؤولين اخرين تأييداً لـ “عاصفة القمح".

أن الاستقبال الحاشد للسفينة ووزير التخطيط معا والسجاد الأحمر يفتح ابوابا من التساؤلات، منها أنها ليست المرة الاولي التي يتم استقبال للسفن الامريكية في العقبة فقد سبق تلك الحادثة في عام ٢٠١٦ تواجد وزيرة التخطيط السابقة مع السفيرة الامريكية، ولكن كانتا السيدتان ملتحفتان بالكوفية الأردنية الحمراء، دون سجاد أحمر ودون فرقة "حسب الله" الأردنية، وبناء على طلب من السفيرة الامريكية. فمن الذي طبل ورتب هذا الاستقبال وهل كان رئيس الوزراء علي علم بتلك الزفة والتهريج؟

 السجاد الأحمر الذي يوضع في المناسبات الملكية عند استقبال رؤساء الدول وضع لوزير التخطيط؟،فهل هذا عرف سيتبع في كل زيارات الوزراء لأي من المواقع؟ أم فقط مع مناسبات "ماما أمريكا”؟، وهل تفاجئ الوزير بالاستقبال والسجاد ام انه كان علي علم مسبق وقام بالتخطيط له؟

 ولماذا الاحتفالية الموسيقية والرقص بالسيوف عند وصول الوزير والتهليل له؟ وكأن السفينة الرئاسية قد رست في ساحة المهد. ولماذا قام سائق سيارة الوزير بالالتفاف لانزال الوزير علي السجادة الحمراء في حركة مخصصة للملوك والامراء حتى لا تلامس قدماه ارض الميناء؟ لأجل ذلك ظن صديقي المصري انه " ولي العهد" خصوصا وأن اللون الأحمر كان مخصصا للملك فاروق فقط ورفاهيته. 

المشهد بمجملة به كثير من المبالغة وتقصير رقبة الشعب معا في أن واحد ويثير الاشمئزاز.

وأضيف، طالما انها "سيرة وانفتحت “، عندما أعلن رئيس الحكومة الأردنية ان كل الوزراء سيسافرون على الملكية الأردنية، الناقل الوطني، وفي الدرجة السياحية تقشفا، تفاجآ المواطنين المسافرين بوزير التخطيط يتخطى الدور ولا يصطف معهم، بل يقوم مرافقه بأبعاد الناس وفتح الطريق له في قاعة المغادرين بمطار الملكة علياء الدولي، ويمر دون تفتيش غير مهتم بدور الناس ويتخطى المسافرين مره اخري في طابور رجال الاعمال مغادرا الي لندن مع شركة الخطوط البريطانية و ليس الاردنية، رحلة رقم ١٤٦ للخطوط البريطانية المغادرة يوم ١٢ من شهر يونيو ،٢٠١٧. 

عندها ظهرت الحكومة بأن تصريحاتها للاستهلاك المحلي وليس للتطبيق، وان الناقل الوطني و تقشف الحكومة مجرد نكته اطلقها رئيس الحكومة الدكتور هاني الملقي، غير قابله للتطبيق. 

وللعلم هو ليس الوزير الوحيد الذي يفعل ذلك وانما سبقه في ذلك أيضا في رحلة من نيويورك ألي عمان من سنوات وزيرا اخر، حيث تم الاتصال مع كابتن الطائرة الأردني من قبل السفير الأردني وتم تآخير الطائرة والركاب ساعتين بسبب تآخير وصول وزير تخطيط سابق اخر.

ولعل من المناسب التذكير بموقفين شهدتهما بنفسي، الاول ان الملك عبد الله الثاني، كان برفقه رئيس وزراء سابق منذ سنوات عدة، متجها من العقبة الي عمان واضطر للصعود الي طائرة الملكية الأردنية لأن طائرته لم تكن مجهزه، وعندما دلف الي الطائرة طلب رئيس الوزراء من الركاب ان يعود من يريد وافساح المجال للملك للجلوس في الدرجة الاولي، فما كان من الملك عبد الله الثاني الا أن نهر الرئيس وسحب الرئيس من يده وجلسا كلاهما في مؤخرة الطائرة، في منتهي التواضع والاخلاق. انه درس يجب ان يتعلم منه كل وزير وكل رئيس وزراء. 

واقصد ان ذلك منتهي التواضع من الملك واحترامه الذي قدم قدوة تحتذي، وهذا يزيد من قدره ومكانته في القلوب التي تفتديه.

المشهد الثاني في رحلة على الدرجة السياحية بين جنيف وتورنتو، عندما تصادف ان جلست بجانب محافظ البنك المركزي الكندي العائد من اجتماعات رسمية ممثلا لكندا في الدول الصناعية التي حضرها كل من مستشارة المانيا والرئيس الأميركي أوباما. 

جلس المحافظ في درجة سياحية وليست درجة اولي او رجال اعمال، تبادل بمنتهي التواضع والمهنية بطاقات شخصيه عليها رقمه الخلوي الخاص وبريده الإلكتروني، توقف في صف التفتيش مثل أي مواطن مسافر في مطار جنيف، لم يكن معه مرافقيه ولا حرس ولا طابور سيارات في جنيف ولا في تورنتو، ولا حتى ممثل للسفارة الكندية او حشد من المزمارين والمنافقين، نزلنا معا في المطار، لم يكن أحد في استقباله، توجهنا معا الي شباك الجوازات والجنسية وتم سؤاله الاسئلة الاعتيادية، اين كنت؟ ماذا كنت تفعل؟ هل معك أكثر من المسموح به؟، ثم اجيب بكلمة تعلوها ابتسامه " مرحبا بعودتك الي وطنك". 

اتجه محافظ البنك المركزي الي سير الحقائب وانتظر حقيبته مع جموع المسافرين وسط الازدحام. وفي خارج مطار بيرسون الدولي، وقف محافظ البنك المركزي في صف المنتظرين لركوب الباص وهو يحمل حقيبة ملابس صغيره، ولم يكن هناك سجادا احمر ولا فرقة البيتلز او جاستين بيفر المغني الكندي.

الشعب الأردني الطيب، لم يعد يحتمل ما يحدث، ومحاولات استغباه والتلاعب بمشاعره من فوق السجاد الأحمر، لذا مطلوب من رئيس الحكومة مراجعة ما حدث في العقبة وتوضيح الصورة الحقيقية لما يحدث، متابعة تصريحاته والتأكد من كل كلمة قبل ان ينطق بها والتي يكسرها وزرائه.

الدور الاخر المطلوب هو من وزير الصناعة ليتأكد من نوعية القمح و معايير الجودة قبل إدخاله الي السوق المحلي للاستهلاك الادمي، و ان تصدر شهادة تؤكد خلوه من الحشرات و الفطريات المتحورة التي تصيب القمح الأميركي، علما أن ذلك مثبت في تقارير علمية مسبقا، منها حيوان ميكروسكوبي يسمي "اكاروس" ، ولوحظ أن القمح الامريكي به أيضا حشرت ميته و مخلفات خطيرة علي الصحة*. (*من مؤتمر انتاج القمح، نقابة الزراعيين بالإسكندرية -٢٤ مايو ٢٠٠٨، ورقة علمية بعنوان مخاطر استيراد القمح، عن القمح الامريكي، للأستاذ محمد هاشم عبد الباري، أستاذ الحشرات الاقتصادية في كلية الزراعة).

لذا مطلوب من مجلس النواب الأردني تخصيص جلسة محددة لنقاش ما تقدمه الولايات المتحدة الامريكية من مساعدات ومعونات، واين تصرف وكيف صرفت؟، وما هو دور وزير التخطيط غير استقبال سفن "الفول" والتوقيع على شحنات " البطاطا".

 الموضوع أكبر من "فول " حيث انه مرفوض جملة وتفصيلا “تدميس الشعب مثل الفول المدمس ". 
الشعب ليس فول ولا غبي ولا تنطلي عليه فكره " فول أمريكا العظيم" أو قمحها.

للعلم في عام ٢٠١٦ حجم المساعدات التي قدمتها أمريكا للأردن ما قيمته مليار وثلاثمائة مليون (الجرائد الأردنية في ٢٠ يناير ٢٠١٦)، وفي ٢٠١٧ مليار اخرو نيف اخر (تصريح وزير التخطيط عند لقاء وفد الكونجرس الأميركي في ٩ مايو ٢٠١٧)، لم نسمع من الحكومة أي شيء عن أوجه صرفهما؟ لماذا قدمتهما أمريكا للأردن مشكوره؟،وما الهدف من تلك المساعدات؟
الا يستدعي ذلك التساؤل. 

والأهم ما هو دور الأردن مقابل تلك الاموال أيضا؟ وهل يتوافق الدور مع مجلس الامة بشقيه أو عرض عليهما للموافقة أصلا؟

عموما، زوجة الملك "اجمانتوين " التي فرشت له السجادة الحمراء قتلته ذبحا في نهاية المسرحية.

شموخ وكرامة الشعب تحول دون ركوب سفينة "حكومة الفول" وبالتأكيد غير مرحب باستقبالها.
[email protected]