تمتاز اللغة العربية وفق المستشرق آرنست رينان بالقوة والكمال وكثرة المفردات والقدرة على التعبير عن أدق المعاني، ولامن عجيب شأن هذه اللغة أن الباحثين والعلماء والمتخصصين لايعرفون لهذه اللغة العريقة مراحل تطورت خلالها، فلا يوجد لدينا أدلة مادية أو نصوص تتعلق بمرحلة طفولة أو بمرحلة شيخوخة، ومع ذلك هي لازالت محافظة على كيانها وأنماطها ومعجمها وضوابطها.
ومع أن علم اللغة الاجتماعي يقرر أنه لا توجد لغة أفضل من أخرى مادامت تستوعب حاجات التعبير لدى المتكلمين بها؛ إلا أن اللغة العربية حازت على العديد من الخصائص التي جعلتها في طليعة اللغات المتداولة والمنطوق بها عبر العصور بعد ظهور الإسلام.. وبعد نزول القرآن الكريم نالت شرف حمل آخر الرسالات السماوية.
أقل ما يمكن وصف اللغة العربية قبل الإسلام أنها لغة "أمة من الشعراء". فإذا كان العرب قبل الإسلام، وبطبيعة الحال بعده، أمة من الشعراء، فإن ذلك ما كان ليكون لولا هذه اللغة "الشاعرة" المعبرة القادرة على حمل كل معاني وصور الشعر العربي المشهود له بالجمال والروعة وحسن النظم وقوة التأثير.
خصائص هذه اللغة، من حيث البناء والتركيب والنظم والجرس وأساليب التعبير البليغة، لا يمكن حصرها في مقال، لكن أن تكون هذه اللغة حاملا ووعاءا لرسالة السماء وخطاب الله للإنسان ودين يؤمن به أكثر من مليار إنسان حول العالم حاليا يؤدّون بها صلواتهم وابتهالاتهم وتلاواتهم للقرآن، كما يمكنهم التواصل والتقارب بها مع بعضهم مهما كانت درجة إتقانهم لها، وأبسط مثال على ذلك تحية المسلمين لبعضهم "السلام عليكم"وما تثيره &في النفس من معاني الألفة والقربى بين المسلمين أيّا كانت جنسياتهم وأعراقهم.
ثمة حاجة ماسة، وخصوصا في هذا العصر، لأن يتعمق المسلمون في كل أنحاء العالم في اللغة العربية ليكونوا على صلة وثيقة بدينهم وإخوتهم في الدين والعقيدة، وهذا الأمر ليس ترفا أو بدعا؛ بل هو مما حض عليه الدين نفسه وشجع عليه ليكون المسلم على "بيّنة" من دينه ويحسن عبادته ويتقن تلاوته للقرآن الكريم ويكون أكثر قربا واندماجا بالمجتمع المسلم.
والإسلام بطبيعته يعتمد على الفردية والاستقلالية في تنظيم علاقة الله بالإنسان "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا" الإسراء:13-14، ولا يمكن للمسلم أن يعبد الله أو يتقرب منه إلا مباشرة دون حجاب وبلا واسطة من أحد الا اتباع الرسول وأقرب طريق لهذا هو الإلمام باللغة العربية، على الأقل، بما يسمح له ويعينه على أداء الشعائر وتلاوة القرآن. ومع التعمق والاستمرار بتعلم العربية يجد المسلم نفسه يؤدي واجبات دينه بسلاسة أكبر ويفهم دينه بشكل أفضل، وكل ذلك يورثه راحة وطمأنينة ويزيل عنه أي أعباء نفسية أو شكوك قد تنتج عن قلة إلمامه بدينه أو ضعفه في اللغة العربية وعجزه عن التعامل المباشر مع نصوص القرآن والسنة وكتابات المفسرين والفقهاء والمتكلمين المسلمين المدونة كلها باللغة العربية.
أقامت اللغة العربية &جسرا متينا سمح لملايين البشر بالتقارب والالتقاء وتمتين روابطهم على أساس الالتقاء في حضارة امتدت لقرون من الصين الى فرنسا ونتمنى أن نصل الى جعل اللغة العربية لغة ثانية لكل مسلم أو محب للثقافة العربية والإسلامية. ومن هنا جاء اهتمام &المركز &الثقافي الإسلامي في لندن ومجلس الأمناء بتعليم اللغة العربية فاللغة العربية جسر المسلمين المتين واكدنا مرارا الحرص على تعليم اللغة العربية للأطفال والقضاء على تحديات تعلمها في بريطانيا و على دعم تعليم الطلاب الدين الاسلامي، وأشرت خلال الاحتفال السنوي لمدرسة القلم التابعة للمركز في لندن هذا العام ككل عام الى أن "هدف المدرسة هو تعليم الأطفال اللغة العربية والحفاظ عليها لدعم هذه اللغة وتطوير دراستها وهي مفتاح فكر وحضارة وتاريخ للمسلمين وهي لك المدخل المباشر نحو فهم كتاب الله تعالى وتذوقه لان النص العربي للقرآن له أفقه الخاص وأسلوبه وملامحه ولا تضاهيه أية ترجمة".
وشددت على يد كل عائلة لتدريس اللغة العربية لأولادهم والحديث بها في المنزل لانها مكون رئيسي لدينه وعلمه وفهمه والطفل يستطيع دراسة أكثر من لغة بسهولة وبرحابة صدر وقدرة مميزة وسريعة وهي فرصة لتعليم أطفالنا.
واقترحت أيضا ان تجعل العائلات &البيت دائما قلعة للغة العربية وأن يحرصوا على لغتنا على &الرغم من بعض الصعوبات التي تواجهها وما أثلج صدري حقا النجاح الذي حققناه والمساهمة المثمرة و النطق الذي استمعت اليه للغة العربية وصحة الطريقة لدى أبنائنا وبناتنا دون نسيان القيم والتركيز على بر الوالدين والتأكيد على تماسك الأسرة وتربية النشء على المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية وتعلم قيم الرحمة وحب الخير مع كل شخص في المجتمع .
وينبع شكري الدائم لمجلس آمناء أكاديمية الملك فهد ممثلا في رئيسه الأمير محمد بن نواف سفير المملكة العربية السعودية في بريطانيا ومدير الأكاديمية الدكتور عبد الغني الحربي لتقديم الأكاديمية هذه الفرصة لخدمة المجتمع بصورة عامة والحفاظ على لغتنا العربية .
* مدير المركز الاسلامي في لندن
التعليقات