تصاعد الخطاب الشعبوي لا يقتصر على منطقة بذاتها بل يبدو حاضرا في العالم أجمعه, حتى إن الولايات المتحدة تجده مهددا للإرث الديمقراطي داخلها.

مصطلح شعبوي يمتلك وظيفة تصنيفية تبرز الثنائية بين العموم والنخب , وفي مفهومه السياسي يقوم على توصيف حشود جماهيرية مندغمة كقطعة واحدة , وهي لدى المفكر الألماني هابرماس تشكل فانتازيا خطيرة لأن الشعبويين يبرزون عبر استقطابات حادة الانفعالات والعواطف , وعلى الغالب تقودها شخصيات تتكئ على الكاريزما والجاذبية الشخصية لا المنطق والموضوعية , ويعاملون خصومهم كأنهم أعداء للشعب ليتم عزلهم واضطهادهم !!

ولأن الشعبوي يميل إلى تبسيط الأمور وتسطيحها , فهو أيضا يظهر في نطاق غير مسؤول أو أخلاقي بل بشكل يقترب من الغوغائي المبتذل , لذا الكثير من النخب في العالم الغربي تجد فيه تهديدا كبيرا للديمقراطية القائمة على المساواة والتعددية وسيادة القانون.

تقول الكاتبة الأمريكية مارثا نوسبوم في كتابها (لماذا تحتاج الديمقراطية إلى الإنسانيات) "مجتمع ذو توجه واحد, وصوت واحد, تنتفي عنه صفة المجتمع , يصبح فردا عملاقا لايسمع سوى صداه"

وهذا النوع من الحركات قد يتصعد ويصل إلى منزلة الأيدلوجية لأنها تتغذى على مشاعر الغضب والخوف عند عامة الناس .

وفي عالمنا العربي الذي تنتفي فيه الممارسة الديمقراطية , يغدو خطر الشعبوية مركبا حيث تتهيأ تربة خصبة ليظهر وتتكاثر آثاره ولوازمه , وحواضن ثقافية قائمة على الأبوية والأحادية , وإن كانت قبضة يد الدولة المركزية تقمع ظهورها , إلا أنه في أول فرصة عند تراخي هذه القبضة , تظهر الشعبوية بشكل متغول دموي وغاية في العنف ...العراق سوريا أنموذجا.

وقد وسع دوائر الشعبوية في العالم العربي وسائل التواصل الاجتماعي , حيث تقدم إلى الواجهة كل هل ماهو كامن ومنحى ومتخلف في البنية الثقافية , من نزعة اقصائية وعنصرية وموقف متشنج ضد الآخر, أو ما يسميه الشاعر الهندي طاغور(القبح المنظم الذي يعصف بالذهن).

وعادة داخل هذه المناخات يعول على النخب , وصناع الرأي في توجيه الرأي العام وصناعة التوازنات الاجتماعي , وتفكيك النزعات الشوفونية والعدوانية , وترسيخ أجواء التعايش والتسامح داخل مجتمع يطمح للحداثة والتمدن, والتسامي باتجاه القيم الإنسانية الكبرى , لكننا نجد في المقابل بإن الشعبوية تتصعد ويتسع شدقيها بحيث استطاعت أن تلتهم جميع ماسبق.

وأصبح في المقابل حتى على مستوى الإعلام الرسمي نجد إن ضجيج وسائل التواصل انعكس على استقلالية القرار بدلا أن يتكفل ذلك الإعلام بتوجيه الرأي العام , ناهينا عن حالة كسل وتدهور في صناعة المحتوى حتى على مستوى المؤسسات الإعلامية الكبرى , و كثير من المحتوى يتكئ بمجملة على وسائل التواصل الاجتماعي , وهو أمر خطير بحد ذاته نظرا لكمية الانفعال اللاعقلاني داخله , بحيث يغدو توصيف غوستاف لوبون في حديثه عن سيكولوجية الجماهير هو أقرب توصيف له ...عن جسد هائل بلا رأس أو عقل.