فلسطينياً نحو حماس وأردنياً نحو زرقاوي بلا ذبائح
الإخوان المسلمون في مملكة حلفائهم الهاشميين ينشطرون
نصر المجالي من لندن: تشهد الساحة السياسية الأردنية التي تنتظر الإفراج من جانب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في وقت قريب عن تفاصيل توصيات لجنة الأجندة الوطنية، ومحتمل أن يتم هذا في نهاية الأسبوع الحالي بعد عودته من زيارته المفاجئة لجمهورية كازخستان، صراعا هامسا قد يقود إلى انقسام رسمي في صفوف حركة الإخوان المسلمين التي ظلت متراصة ومتحالفة مع العرش الهاشمي لنيف ونصف قرن مضى من الزمن. ولم تواجه الحركة اية صدامات مع الحكم في الأردن بل أن الجانبين ظلا متحالفين أمام هجمات خارجية وأيدولوجيات كثيرة لعل أبرزهما مواجهة المد الشيوعي والتيار القومي الذي كان يقود الزعيم المصري جمال عبد الناصر في الخمسينيات ومن ثم انحياز الإخوان للعرش في أحداث أيلول (سبتمبر) بين الجيش الأردني والفدائيين الفلسطينيين إلى جانب الوسيط بين "الشقيقين المتحاربين".
وما علمته (إيلاف) من خلال متابعة منها لما يجري في كواليس حركة الإخوان المسلمين وهي الأقوى تنظيما على الساحة الأردنية دون باقي الأحزاب السياسية الأخرى وعديدها 36 حزبا قوميا ووطنيا ويساريا ، أن الحركة بدأت تواجه انشقاقا في صفوفها هو الأول من نوعه، منذ أن بدأت تجربة العمل السياسي علنا منذ العام 1989 حين أعلنت عن تشكيل جبهة العمل الإسلامي جناحا سياسيا وخاضت معركتي انتخابات حققت لها نسبة غير عالية من مقاعد البرلمان لكنها لم تعطيها فرصة تشكيل تيار معارضة قوي.
والانقسام الذي تتحدث عنه المصادر الأردنية بما فيها مصادر إسلامية يشير إلى أن الحساسيات والمصالح الإقليمية بين من ينتمون إلى الأصول الفلسطينية في الحركة وهم قيادات الرعيل القديم ويعتبرون من الصقور المتشددين ونظرائهم من أصول شرق أردنية يمثلون الاتجاهات الجديدة في توجهات الحركة ومهماتها على الساحة الأردنية.
يذكر أن الأردن الرسمي رفض قبل ايام وساطة تقدم بعض أركان حركة الإخوان المسلمين لفتح مكاتب سياسية لحركة حماس في عمان، حيث أنباء تشير إلى أن مكاتب الحركة ستغلق في العاصمة السورية دمشق مقابل الضغوط المفروضة على هذه العاصمة العربية المتهمة بدعم الإرهاب وحركات التشدد.
وقالت هذه المصادر أنه في الوقت الذي يرى فيه أردنيو الحركة الإسلامية ضرورة العمل في كل الاتجاهات والمسارات سواء تحالف مع الحكم أو معارضة إيجابية له لصالح خدمة الشعب الأردني ومن هم عل الساحة الأردنية، فإن النظراء ممن ينتمون إلى أصول فلسطينية "رغم حملهم الجنسية الأردنية وانخراطهم في مختلف زوايا الحياة الأردنية دورا وتأثيرا" يتحركون في اتجاه آخر بعيدا عن المصالح الوطنية الأردنية الأساس.
ويأخذ إخوانيو الحركة من الشرق أردنيين على النظراء الفلسطينيين دعمهم المستمر والدائم للحركات الإسلامية العالمة في الأراضي الفلسطينية وفي مقدمتها حركتي حماس تحديدا والجهاد الإسلامي، حيث الإخوان الفلسطينيون يدعمون في شكل علني كل قرار لحماس بما في ذلك حشد التأييد لها للانتخابات المقبلة في المخيمات والأوساط الفلسطينية على الساحة الأردنية، متناسين بذلك الهم الوطني الأردني.
ويقول مراقبون إن الانشطار في حركة الإخوان المسلمين الأردنيين سيأخذ أبعادا علنية في مستقبل قريب، حيث يتجه كل شطر إلى حشد شعبي كل على ساحته، ورأى المراقبون أن الإخوان من الشطر الشرق أردني يرون أن "تيارا يقوده واحد مثل أبو مصعب الزرقاوي بعيدا عن الذبح والتشدد والتكفير قد يكون الأنسب لحشد شعبي هائل في مواجهة حشد الشطر الإخواني الفلسطيني".
يذكر أن أبو مصعب الزرقاوي قائد تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين لا ينتمي لحركة الإخوان المسلمين التي عادة ما تندد بأفعاله وتكفيره للآخرين، على أن الحركة لها موقف معاد ومناهض للاحتلال الأميركي للعراق ولكن بأساليب مختلفة عن أساليب الزرقاوي في الذبح والتفجير والعمليات الانتحارية.
وأبو مصعب الزرقاوي، ينتمي لواحدة من أكبر القبائل الأردنية وهي قبيلة بين حسن الممثلة في البرلمان الأردني بحوالي سبعة نواب وكلهم يعادون "ابنهم الارهابي" وأعلنوا تخليهم العائلي منه ونبذهم له انسجاما مع قرارات الحكم الأردني الذي يطارد الزرقاوي واسمه الأصلي أحمد فضيل نزال الخلايلة وهذه العشيرة واحدة من فروع قبائل بني حسن ذات الامتداد الواسع على المنطقة الجغرافية المفصلية الواقعة بين الأردن وسورية والعراق.
ويعتقد مراقبون كثيرون أن الزرقاوي له تأييد كبير بين أوساط الشباب الشرق أردني وخاصة بين أبناء الطبقات المتوسطة والفقيرة، وانضم إليه في السنوات الثلاث الأخيرة مئات من الشباب الأردني الذي تأثر بأفكاره. لكن الجسم السياسي المؤثر في حركة الإخوان المسلمين من الشطر الأردني يرى أنه قد يكون هو "آخر الملاذ بشرط تخليه عن أفعاله الداعية إلى تكفر الآخرين وأعمال الذبح والإرهاب والقتل".
ويقول هؤلاء "تبدو فرص تأكيد أبو مصعب الزرقاوي لنفسه زعيما على الساحة الأردنية قريبة وأكثر من أي وقت مضى، إذا أذعن لتلك الشروط التي يلوح بها الشطر الشرق أردني من حركة الإخوان المسلمين"، وإلى اللحظة، فإن أبو مصعب الزرقاوي وأتباعه مطاردون للسلطات الأردنية وكانت أحكام عديدة بالاعدام صدرت عن محكمة أمن الدولة بحق الزرقاوي وأنصار له لتورطهم بإعمال إرهابية على الساحة الأردنية. كما أنه لا يزال مطاردا للسلطات الأميركية على الساحة العراقية.
يشار إلى أن تحالفات تاريخية تمت بين الحكم الهاشمي في عمان وحركة الاخوان المسلمين التي بدأت أاساسا كحركة شبابية تُعنى بالاخلاق الحميدة والاصلاح الاجتماعي، وكان أسسها حسن البنا عام 1928 ومعه صديق طفولته أحمد السكري . وفي ثلاثينيات القرن العشرين، زاد التفاعل السياسي لجماعة الاخوان المسلمين واصبحت من عداد الجماعات الرسمية المصرية وفي بلدان كثيرة منها الأردن في عام 1939بعدما كانت عميلة للسراي ضد حزب الوفد .
وفي عام 1942 وخلال |الحرب العالمية الثانية عمل مؤسس حركة الاخوان المسلمين حسن البنا على تأسيس فروع لحركة الاخوان المسلمين في كل من شرق الاردن وفلسطين، كما قام الفرع السوري على الانتقال الى العاصمة دمشق في عام 1944 . وبعد الحرب العالمية الثانية، قام عناصر من الاخوان المسلمين المصريين بالمشاركة في حرب 1948 .وحلت الجماعة في أعقاب إتهامها بإغتيال النقراشى باشا حلت الجماعة لم يستطع المرشد السيطرة عليها لأنها واجهت سخطا شعبيا مما أدي لإغتياله و ومنعت الجماهير جنازته .
وفي 1964، اعاد جمال عبدالناصر الأفراج عن أعضاء الجماعة بعدما ظن أن التعذيب الذي نالوه سينسيهم الأخوان .فوجد أن الأخوان مازالوا يتمسكون بتنظيمهم وأمر باعتقالهم عي أعقاب اكتشاف مؤامرتهم المزعومة لإغتياله وأعدم سيد قطب مفتي الجماعة فى عام 1966.وكانت مصر تخضع للحكم الشمولي وقتها.وبعد حرب إكتوبر 1973أعطي السادات لهم مساحة من الحرية لضرب الشيوعيين الذين كانوا معارضين انفتاحه علي أميركا ولاسيما بعد إبرامه معاهدة السلام مع اسرائيل في عام 1979.
وبعد ان خلف الرئيس السادات جمال عبدالناصر رئاسة الجمهورية، وعد الرئيس السادات بتبني الشريعة الاسلامية واجراء اصلاحات سياسية مما بعث بالطمأنينة في نفوس الاخوان وسرعان ما تلاشت تلك الطمأنينة بإبرام السادات معاهدة السلام مع اسرائيل في عام 1979 ونصحوه وعارضوه ولكن قامت الجماعة الإسلامية (وهي ليست جماعة الإخوان) بقتله برشاش خالد الأسلامبولى أحد أبرز رجالها ولقد تابت تلك الجماعة الإسلامية عن العنف.
وفي الخمسينيات، دعم الشق الاردني الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال ضد خصومه السياسيين ومن محاولة الرئيس عبدالناصر الإطاحة بالملك حسين. وفي عام 1957، منعت الحكومة الأردنية جميع الاحزاب السياسية الا ان حزب الاخوان كان من الاحزاب المستثناة من قرار المنع.
وعندما اندمجت مصر وسوريا بالجمهورية العربية المتحدة عام 1958، نال الاخوان المسلمون قرار المنع من مزاولة الانشطة السياسية والاتجاه للعمل السري. وبحلول عام 1961 عندما انحلت الجمهورية العربية المتحدة ، ظهر حزب الاخوان على السطح وفاز بـ 10 مقاعد نيابية في الانتخابات الا ان الانقلاب البعثي عام 1963 اجبر الاخوان في سوريا على مزاولة العمل السري.
وبتولي الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد زمام السلطة في سورية، زاد من حفيظة وغضب الاخوان لانتماء الاسد للطائفة العلوية التي لايعتبرها السنة احد الطوائف الاسلامية إضافة إلى ممارسات الفساد للنظام البعثي و بدأت سلسلة من المناوشات بين النظام البعثي و حركة الإخوان المسلمين .
لم يكن التنسيق قويا بين كوادر الأخوان المسلمين السورية فالخلافات كانت واضحة بين جناح سياسي يفضل المفاوضات و التهدئة و جناح عسكري كان بدعو للعمل المسلح , و هذا يذكر بالخلافات التي نشأت في مصر بين قيادات الحركة و الكتائب المسلحة التي أنشأتها الحركة .
في 25 يونيو 1980، جرت محاولة اغتيال للرئيس الاسد . فعمل الاسد على الحصول على تفويض من البرلمان السوري باعتبار الاخوان المسلمين من الجماعات المحظورة وإقرار قانون ينزل عقوبة الإعدام بكل من ثبت إنتمائه للجماعة وارسال الجيش الى مدينة حماة ودكها بالطائرات وحُصد من مدينة حماة ما بين 10,000 الى 25,000 شخص و تصل بعض الإحصاءات إلى 40000 .
وأخيرا، استضاف الأردن على ساحته طوال جميع تلك المراحل قيادات الحركة من سوريين ومصريين، لكنه لم يكن يسمح لي منهم ممارسة النشاط من أراضيه ضد أي دولة في الجوار، على أنه سمح لحركة الإخوان المسلمين الأردنية بمزاولة نشاطها كجمعية خيرية حين تقرر حظر الأحزاب السياسية لدية في العام 1957 . وعادت الحركة لنشاطها السياسي العلني بعد عودة الديموقراطية للأردن العام 1989 ، وأعلنت نفسها كحزب سياسي يحمل اسم "جبهة العمل الإسلامي"، وهي الجبهة التي تواجه خطر الانشقاق.
التعليقات