انطلاق أولى جولات الانتخابات التشريعية في مصر
توقعات بـ 30 مقعداً للإخوان و20 فقط للمعارضة
فشل محتمل للحرس القديم يعزز دور جمال مبارك

فتح مراكز الإقتراع في مصر

مبارك يدعو للمشاركة ويعد بانتخابات نزيهة

حكم بإلغاء القيد الجماعي يهدد مرشحين بارزين

نبيل شـرف الدين من القاهرة: بينما فتحت مراكز الاقتراع أبوابها في مصر اليوم الأربعاء في أولى مراحل معركة انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) المصري، فقد بدا واضحاً أن هناك تنامياً مطرداً لدور جمال مبارك وفريقه ممن يوصفون بالإصلاحيين داخل الحزب الوطني (الحاكم) ، على الرغم من أن لجنة السياسات التي يرأسها مبارك الابن نفضت يديها تماماً من عملية الدفع بمرشحي الحزب، وهو ما عبر عنه صراحة أحد المقربين لجمال مبارك، وهو مدرس العلوم السياسية في جامعة القاهرة محمد كمال، الذي نفى وجود أي دور للجنة السياسات في اختيار المرشحين الذين ضمتهم قوائم الحزب الحاكم، غير أن لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم مازال ينظر إليها باعتبارها أهم لجان الحزب، إذ كانت القوة الدافعة وراء حملة أول انتخابات رئاسة تنافسية فاز فيها الرئيس مبارك بسهولة في أيلول (سبتمبر) الماضي.

‏ويتنافس في هذه المرحلة‏ 1635 ‏مرشحاً من كافة الأحزاب والقوى السياسية والمستقلين‏ يخوضون المعركة في ‏82 ‏دائرة انتخابية في ثماني محافظات‏،‏ تشمل القاهرة،‏ والجيزة، والمنوفية‏،‏ وبني سويف‏،‏ والمنيا‏،‏ وأسيوط‏،‏ والوادي الجديد‏،‏ ومطروح‏،‏ وذلك لاختيار‏164‏ نائباً في البرلمان الجديد‏، وتحدد ‏15‏ تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي موعداً لجولة الإعادة في حالة عدم الحسم في جولة الأربعاء، إعلان نتائجها ظهر الخميس‏.

وشهدت الانتخابات السابقة عام 2000 فشلا ذريعا للحزب الوطني (الحاكم) الذي لم ينجح من المرشحين على قائمته سوى 175 نائباً وفاز 213 آخرون رشحوا أنفسهم كمستقلين قبل أن يعودوا إلى صفوف الحزب بعد الانتخابات، ويعرف هؤلاء باسم "المنشقين" ويحتمل تكرار سيناريو نجاحهم هذه الدورة أيضاً.

ويخوض الإخوان المسلمون الانتخابات بلائحة خاصة بهم كانت تضم أصلاً 150 مرشحاً، غير أن الجماعة أعلنت يوم أمسأنها سحبت أكثر من 20 مرشحاً من المحسوبين عليها لصالح مرشحي أحزاب المعارضة الأخرى ضمن التنسيق مع جبهة المعارضة.

جمال وفريقه
وجمال مبارك الذي يفضل البقاء في الكواليس أثناء المناسبات الرئاسية، ولم يخاطب الجمهور عبر وسائل الاعلام في مقابلات خاصة حتى الآن، تخلى عن هذه المسافة التي يبدو حريصاً عليها في المؤتمرات الانتخابية الخاصة بانتخابات التشريعية التي ستبدأ يوم الاربعاء، إذ طالب أعضاء الحزب باقناع الناخبين بسياسات الحزب الوطني التي يقف وراءها مع فريق من معاونيه، وقال "انزلوا لدوائركم وتكلموا، فالمعارضة تزعم دائما أن الحزب الوطني ليس له رؤية في الاصلاح السياسي"، وأعرب عن اعتقاده أن "عام 2005 والسنوات الثلاث الماضية خير دليل على أن الحزب الوطني جاد في المضي قدما في عملية الاصلاح السياسي".

وبينما يذهب فريق من المحللين إلى أبعد نقطة في توقعاتهم بأن تسفر الانتخابات البرلمانية عن سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية، تشكل في محصلتها النهائية جواز سفر لترسيخ الدور المتنامي لجمال مبارك وفريقه الذي استطاع الإمساك بمفاصل حاسمة في بنية الحزب، كما دفع في اتجاه دعم سبعة من اعضاء لجنة السياسات التي يرأسها لمناصب وزارية استراتيجية في الحكومة التي شكلها العام الماضي رئيس الوزراء احمد نظيف.

وحسب مصادر الحزب فإن هناك أفكارا جديدة يتوقع أن يعلنها جمال مبارك تهدف في مجملها إلى تطوير دور الدولة الاقتصادي وتبني حزمة تدابير تعيد الانضباط للأداء الاقتصادي، وتفتح الباب أمام الاستثمارات خاصة في مجال الخدمات، فضلاً عن إقرار قواعد الشفافية وتداول المعلومات إلى جانب تطوير القطاعين المالي والمصرفي بما يتسق والتطورات التي تتسق مع الظروف الدولية الراهنة.

وحالة الحراك السياسي المتنامية التي لا تخطؤها عين المتابع عن كثب لما يجري على الساحة الداخلية المصرية، وما يتسرب بشأنها من سيناريوهات وترتيبات تصب جميعها على اختلاف منطلقاتها في اتجاه المطالبة بتغييرات سياسية جذرية، لكن في المقابل تتسع هوة الخلاف بشأن طبيعة هذه الاستجابة المرتقبة من قبل الحزب الحاكم الذي يهيمن على الحياة السياسية والعمل التنفيذي في البلاد منذ تأسيسه، في تطور للنظام السياسي المصري سمح بتعدد الأحزاب السياسية، خلال سبعينات القرن المنصرم.

معركة القدامى
وتسود توقعات في مصر أن تحسم نتائج هذه الانتخابات معركة الفريق الذي يقوده جمال مبارك مع الحرس الحديدي القديم في الحزب الوطني (الحاكم) ولا يستبعد مراقبون أن تمنى رموز الحرس القديم بالفشل، خاصة في ظل معركة بالغة الشراسة، ومنهم على سبيل المثال النائب المخضرم كمال الشاذلي، الذي يشغل مناصب وزير شؤون البرلمان، وأمين التنظيم والأمين العام المساعد بالحزب الحاكم، وظل يهيمن على الحزب وأداء الأغلبية في البرلمان منذ عقود، إذ يواجه هذه الدورة منافسة طاحنة من رجل أعمال ينتمي لحزب "الوفد" هو محمد كامل، الذي تحالف خلال هذه الانتخابات مع حليف سابق للشاذلي وصهره أيضاً وهو الحاج شفيق شاهين، الذي يخوض الانتخابات مؤيداً لخصم الشاذلي صراحة.

وبينما صعدت المعارضة من مختلف التوجهات والمشارب، الأحزاب الشرعية منها، أو المحظورة كالحزب الشيوعي المصري، وحتى جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة، من مطالبها ومؤتمراتها وفعالياتها، وارتفعت نبرتها لتتطرق إلى مناطق لم تكن مأهولة ولا متداولة على هذا النحو الحاصل كالمطالب المتواترة بإجراء تعديل دستوري لتغيير شامل لأسلوب اختيار رئيس الجمهورية، ومراجعة اختصاصاته، وتفعيل الدور الرقابي المستقل بعيداً عن الممارسات الشكلية الجارية حالياً، ناهيك عن رفض فكرة الوراثة من حيث المبدأ، واعتبار أن مجرد الخوض في هذا الأمر ليس له محل من الإعراب، ولا يقبل حتى المناقشة، في موقف صارم ردت عليه الدكتورة هالة مصطفى، الباحثة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بـ (الأهرام) ورئيسة تحرير مجلة الديمقراطية، قائلة إن منصب الرئيس يعبر عن شرعية فعلية مستقرة وراسخة وأهميتها تنبع من كونها محققة للاستقرار، محافظة على النظام العام، ولا شك في أن أي حديث عن التغيير باتجاه الإصلاح لن يستقيم إلا في ظل نظام مستقر له قاعدة قوة شرعية مستقلة تحميه من أي فوضى محتملة، فالإصلاح ـ بعكس الدعوات الانقلابية أو الثورية ـ لا يستهدف قمة النظام وإنما يتوجه إلى القاعدة العريضة في المجتمع ويعمل علي تغيير البيئة الأساسية والمجتمعية والثقافية بما يتواءم مع التطور المنشود".

آل مشتاق
وبعيداً عن قراءة هالة مصطفى التي تشغل منصباً بالمجلس الأعلى للسياسات المنبثق عن أمانة السياسات بالحزب الوطني التي يرأسها جمال مبارك، فإن للباحث أيضاً في مركز (الأهرام) للدراسات السياسية والاستراتيجية نبيل عبد الفتاح، رأياً آخر في هذا الأمر، يعبر عنه بقوله إن "مستوى الأداء السياسي للحزب (الحاكم) وللجنة السياسات ذاتها كشف عن أن أهداف معظم أعضائها هو الحقيبة الوزارية أو الارتقاء الوظيفي في الجامعات، أو قيادة المؤسسات الصحافية، بدلاً من الأكثر كفاءة وخبرة ونزاهة داخلها، أو هؤلاء الساعين للدفاع عن مصالحهم من رجال الأعمال، أو دعماً لاحتكاراتهم لأسعار السلع الرئيسية والمهمة" حسب تعبيره.

وتساءل نبيل عبد الفتاح مستنكراً : "كيف يمكن لأعضاء ورئيس لجنة السياسات أن يمارسوا القيم والقواعد والتقاليد الديمقراطية ولم يأتوا عبر الآليات الانتخابية الحرة بلا قيود أو تأثير على الأعضاء؟ وهم جميعاً جاءوا بالاختيار العلوي والأمني؟".

ومضى نبيل عبد الفتاح في طرح تساؤلاته الحادة قائلاً: "كيف لمن لم يأت باختيارات جماهيرية من داخل حزب سياسي لا يؤمن بدور صناديق الاقتراع في تحديد المصائر السياسية للبلاد؟ كيف لمن لا يعتقد في خطورة الاقتراع العام ودور الجمهور في العمل السياسي والحزبي أن يؤمن بأهمية الأفكار جديدة كانت أم قديمة؟، وأين هو الفكر الجديد الذي يتشدق به الحزب؟ ونحن في انتظار نبوءات الفكر الجديد وأوراقه الهزيلة، وشارحيه البؤساء الباحثين عن مناصب ومغانم من (آل مشتاق) التي تحاول اختطاف السلطة بطرق لا ديمقراطية داخل الحزب الوطني (الحاكم) ذاته".

ورغم أن أحداً من صفوف الحزب الوطني (الحاكم) أو المحسوبين عليه لن يتطوع بتقديم إجابات صريحة ومباشرة لهذا العيار الثقيل من الأسئلة، فإن هناك في أحد جوانب المشهد ثمة من يؤيد صراحة اعتلاء جمال مبارك مقعد الرئاسة في المجالس الخاصة، بل ويتمنى أن يعجل مبارك الأب بهذه الخطوة، حسماً لحالة السيولة التي تشهدها البلاد حالياً، وإنهاء للمزايدات والصراعات المكتومة، ودرءاً لأي مواجهات قد تقود البلاد إلى أزمة سياسية يعلم الله وحده مداها.